السبت 4 مايو 2024

مؤلم حد الضحك

12-2-2017 | 14:28

حنان المنذري - لها مجموعة قصصية بعنوان "ستائر مسدلة" 2011.

تقفين الآن قبالتي، أرى أسئلة تموج كالغيم في عينيكِ، قلبي يلح عليّ أن أخبرك.. لكني لن أفعل، أعلم جيدا أنه لو حدث وأخبرتك فستستلقين على قفاك من شدة الضحك، لا تغضبي مني فأنا لا أسيء الظن بك ولا أشك بنواياك الطيبة، لكنَ بعض الوجع مؤلم جدا حد الضحك. هل أخبرك؟ وكيف سأخبرك وأنا على يقين بأنك ستضحكين؟! ذلك أن بعض الوجع مؤلم جدا حد الضحك. وأنا لا أحتاج في لحظتي هذه سوى عينيكِ لتبكياني، أحتاج لأن أرجف بين يديك كعصفور خائف لأن الأطيار كلها رحلت دونه في الوقت نفسه الذي سلب منه عشه! هل أخبرك؟ أحتاج أن أخبرك. حسنا سأخبرك، فإن ضحكت على وجعي قليلا فلا شك بأنك ستبكين في النهاية، لأني صديقتك ولأني أحتاج كثيرا لأن أدفن رأسي في صدرك وأبكي حتى أفقد قدرتي على البكاء وحتى يجف دمعي الغزير على قميصك.

   البارحة، طردت من عملي ولم أقترف ذنبا زيادة على ذنوب زميلاتي اللواتي بقين على رأس العمل، والسبب الذي طردت من أجله سيثير حتما رغبتك في الضحك، وستنفجرين كقنبلة ضحك في وجهي الذي سيسقط من شدة الخجل، أتصدقين؟! لو أن هذه التي طردت كانت واحدة غيري لضحكتُ بكاء من أجلها، فقد تبدو الذنوب مضحكة جدا عندما يحمل تبعاتها الآخرون، هل أحكي؟ أتصدقين؟! أرغب الآن بشدة في أن أبكي ضحكا في وجهك، فالبارحة طردت لأني اقترفت ذنبا سيضحكك كما أضحك أولئك اللواتي لم يطردن مثلي.

   بالأمس، وفي تمام السابعة والنصف صباحا خرجت من بيتي متجهة -كما تعلمين- إلى مصنع الملابس لأمارس عملي المعتاد في قص الخيوط من بناطيل الجينز، عملت وزميلاتي بجهد وإتقان إلى أن أنهت كل واحدة فينا قص خيوط ثلاثمائة بنطال وهو العدد المحدد لكل عاملة. كان الحر شديدا داخل القسم بالمصنع وكانت المروحة معطلة ورائحة الأجساد المتعرقة تنتشر في المكان فتبعث فينا الرغبة في النوم. لأنه لا شيء كالنوم يا صديقة يغريك باختصار العمر الذي تخسرينه بين جنبات الأماكن البائسة!

   أصدقك القول وزميلاتي على استعداد لأن يشهدن لي، بأني قد عملت في أمسي المنصرم بكفاءة ودقة وإخلاص حتى أني لم أترك فردة بنطال واحدة إلا ورجعت إليها مرات ومرات ولم أضعها من يدي إلا وقد تأكدت من أني قد قمت بانتزاع آخر خيط زائد فيها، ولأن الذي حصل أن جميع العاملات معي قد أنهين عملهن قبل انتهاء نوبة العمل بنحو ساعة، فقد نمنا جميعا في وقت واحد داخل القسم، فأرخت بعضُنا رؤوسهن على الطاولات وَ... نِمن، واستلقت أخريات بجانب الكراتين المعبأة ببناطيل الجينز وَ... نِمن، وافترشت مجموعة أرضية المصنع متخذات من البناطيل فُرُش وألحفة وَ... نِمن...

   فمك الآن يفتر عن ابتسامة باهتة ولم أكمل حديثي بعد، لن تنجحي في إخفاء الضحكة في مبسمك لأن عينيكِ تقدحان ضحكا، لكن.. لا بأس، فإن بعض الوجع مبك جدا حد الضحك، وأنا سأتابع سرد حكايتي حتى النهاية، وأنت اضحكي في وجهي حتى النهاية، لأن بعض الوجع....

    حين دخل علينا المدير العام فجأة مصطحبا معه عملاء جددا كان لتوه قد أنهى إبرام صفقة معهم لتصدير بناطيل الجينز إلى بلادهم، فوجئ بنا هو وضيوفه وقد نِمنا على الطاولات وفوق الأرضية وبين الكراتين... بالطبع، لم يكن ذلك بالمنظر المستحب بالنسبة لمدير وبالنسبة لمتعاملين أرادوا أن يلقوا نظرة على أداء عمال المصنع وعلى إنجازات المصنع الذي سيتعاملون معه... لقد قابلونا بوجه الصدمة يا صديقتي، أذكر أني كنت أحلُم حينما أجفلتني نقرات المدير القوية على طاولتي واخترق صوته الزاعقُ طبلة أذني....

   ها أنتِ الآن ستستلقين على قفاكِ من الضحك، اضحكي بشدة لأن بعض الوجع مبك جدا حد الضحك.

    انتهت قصتي المبكية حد الضحك، حالما خرج المدير من غرفة المسئولة التي وجدناها تبكي بشدة في مكتبها بسبب أولئك اللواتي نِمن أثناء نوبة العمل... حالما انصرف الزوار مستائين مما رأوه في المصنع، أجرى المدير تحقيقا موسعا واستدعانا واحدة تلو الأخرى إلى غرفة مكتبه، بالتأكيد يا صديقتي. فلقد أبدت كل واحدة أسفها على ما بدر منها ووقعت على تعهد بأنها لن تعاود النوم في أثناء نوبة العمل تحت أي ظرف كان إلا أنا، فلم أستطع التوقيع على التعهد من شدة الضحك في وجه المدير الذي كان ينقر على طاولتي بغضب وبأسف وبدهشة المرء حين تلجمه المفاجأة، ولأني ضحكت ولم أستطع إبداء أسفي برغم أني حقا آسفة، فقد طردت من عملي إلى الشارع، إلى عينيكِ اللتين ستضحكان طويلا بشدة، لأن بعض الوجع مؤلم جدا حد الضحك.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa