د. عزيزة الطائي - أستاذة جامعية، صدرت لها مؤلفات منها "ظلال العزلة" (قصص)، و"أرض الغياب" (رواية)
تمثل دراسة القصة القصيرة مكوّنا أساسيّا للإنتاج الأدبي السّردي العُماني، باعتبارها الجنس السّردي الأول الذي عرفه الإنسان العُماني. ثمثّل في الحكايات الشّعبية، والأساطير الفانتازية التي برزت بشكل جليّ في الميثولوجيا العُمانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى برزت بدايات هذه الجنس السّردي في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين كمحاولات أولى لكتابته في المهجر على يد عبد الله الطائي، وتلاه بسنوات عديدة محمود الخصيبي. ثمّ ما أفرزته الأندية الثّقافية للطلبة العُمانيين الدارسين في الخارج في الثمانينيات كأحمد الزبيدي، وسعود المظفر، ومحمد القرمطي وغيرهم.
إنّ تجربة الكتابة القصصية في عُمان تعرف اليوم تنوعا في أشكالها وأساليبها الخاصة، كما في موضوعاتها ودلالاتها العامة. وإذا كان التّنوع قد جاء نتيجة طبيعية لتنوع الجهود، وتراكم الإنجازات منذ السّتينيات إلى اليوم، فإنَّه من الطبيعي أيضا أن تتصل تحولات التّجربة القصصية في المستقبل انطلاقا، مما هو منجز في الرّاهن. من هذا المنظور تصبح عملية استشراف أفق هذه الكتابة ممكنة؛ بل ضرورية، شريطة أن تعتمد القراءة على مفاهيم البحث والتّجريب والتّجاوز التي أصبحت مفاهيم ضرورية، لفهم مجمل التّجربة الإبداعية الحديثة بشكل عام، وتجربة الكتابة القصصية بشكل خاص. أمر آخر لا بدّ من استحضاره لإبعاد القراءة عن التّأويلات غير المستندة إلى معطيات متحققة، وهو أنّ تجربتنا القصصية لا بدّ أن تتجه في المستقبل إلى المزيد من التّفاعل مع التّجارب المشابهة في الوطن العربي والعالم بما أنّ تحولاتها وتطوراتها لم تكن ممكنة في الماضي إلا بفضل هذا التّفاعل.
بناء على ذلك فأول تحول يمكن استشرافه يتعلق بأشكال الكتابة وأساليبها القصصية التي بدأت تتوجه إلى المزيد من صيغ التّفاعل الخلاّق مع فنون الخطاب، وأنماط السّرد التّراثية أو الحداثية. فالتّراث المحلي بشقيه الشّعبي والشّفهي لا يزال غنيا بفنون الخبر وأساليب السّرد التي حاول العديد من القاصين منذ الريادة الأولى للمحاولات القصصية التي كتبها عبدالله الطائي في نهاية الأربعينيات، وتلاه جيل مثّل عتبات مهمة لمسار تشكل القصة القصيرة في عُمان، حتى وإن جاء بعض منها على شكل خواطر ومقالات ذاتية كمحمود الخصيبي، وسعود المظفر، وأحمد الزبيدي، وحمد الناصري، وعلي عبدالله الكلباني، وصادق عبدواني، وإحسان صادق اللواتي، وأحمد بلال بحّار صاحب أول إصدار قصصي عُماني عام 1981 إلّا أنّها محاولات جديرة بالدّرس والنّظر، ثم جاء جيل أسس لمسار القصة القصيرة العُمانية، محاولا أن يخرجها من سياجها التقليدي كمحمد القرمطي، وإسماعيل السالمي، ومحمد زاهر الهنائي، وحمد رشيد، ومحمد علي البلوشي، ومحمد سيف الرحبي، ومحمد اليحيائي، ومحمود الرحبي، وعلي المعمري، وتلاهم بعد ذلك يحيى سلام، خليفة سلطان العبري، ويونس الأخزمي، وخولة الظاهري صاحبة أول إصدار نسوي عام1998.
وأخذت القصة القصيرة العُمانية الحديثة في التّطور الفني عند عبد العزيز الفارسي، وسليمان المعمري، وجوخة الحارثي، وعلي الصّوافي، وهدى حمد، ورحمة المغيزوي، وحمود حمد الشكيلي، وأحمد الرحبي، وأزهار أحمد، ومنصور ناصر وغيرهم من خلال استثمارها في كتاباتهم ثيمات حديثة للقص، وحاول قاصون عمانيون آخرون استثمار التقنيّات الحديثة للقصة القصيرة في كتاباتهم القصصية والروائية والمسرحية والشّعرية والفنون التشكيلية كعبدالله حبيب، وهلال البادي، وسعيد السيابي، وزهران القاسمي في (سيرة حجر1، 2)، وسماء عيسى في سردياته التي أخذت طابع القص السريالي. وفي الألفية الجديدة ظهرت أسماء جديدة أولت اهتمامها بالمضامين والأبعاد الدّلالية، وسلطت الأضواء والرؤى الفّكرية والفنية على العلاقات والظواهر الماثلة في الواقع، كسالم آل توية، وزوينة خلفان، ومازن حبيب، ووليد النّبهاني، وليلى البلوشي، وعبدالله بني عرابة، وخليفة عبدالله خليفة، وآخرين.
أمّا قضايا الذّات والدّاخل فيمكن أن يعمّق التعبير عنها، لتقصي أبعادها الأكثر عمقا وشمولية، من المنظور الإنساني العام سواء تمثلت في حالات غربة الكائن وتشظيه أو تساميه الروحي، كما في بعض قصص الخطّاب المزروعي، وناصر المنجي، وبشرى خلفان، وحسين العبري، ومعاوية الرواحي ذات الاتصال القوي بالتراث الصوفي العميق الجذور في ثقافتنا الشعبية. وقد لاحظنا أنّ القاص العماني ما زال يكتب في حدود ذاته، فكانت عين الرّائي هي عين الكاتب إلى حدّ كبير. فخطاب النّساء الكاتبات واحد، ودوافعهن واحدة، وإن اختلفت حيلهن السّردية والأسلوبية، وإن تفاوتت نسبة قوة خطاباتهن، إلّا أنهن يتفقن على ضرورة مقاومة السّلطة الذكورية القامعة للنساء كما في مجموعات خولة الظاهري، وجوخة الحارثي، وبشرى خلفان، وهدى حمد، ومريم النّحوي، وطاهرة اللواتي، وطيبة الكندي، ولينا البلوشي وأخريات. وتلك دلالة كبرى على أنّ شخصيات الخطاب النّسوي، مرسومة أصلا وفق قانون صارم متطرف في حدية الذكورة أو الأنوثة. وحتى تتّجه هذه الإمكانات باتجاه التّطور والتّحديث في الأشكال والخصائص والأساليب والأبعاد الدّلالية لا بدّ من التّمييز الصارم بين التّجريب المؤسس على الوعي المعرفي- الجمالي المعمّق، والتّجريب الذي يتخذ نزعة انفعالية نزقة أو قرار ذهني- نظري مسبق.
تبين لنا مدى التّحول الذي طرأ على منظومة كاملة من المفاهيم القصصية، مما انعكس على الشّكل العام، بحيث أصبحنا نجد أنفسنا أمام كتابات قصصية تجريبية تقف موقفا ضديا من القصة التّقليدية، وبكل معاني الضّدية، وكأنّ هويتها الجمالية لا تتحقق إلّا بالقطيعة مع كل ما سواها. فالكتابة القصصية في هذه المرحلة هي جزء من خطاب أدبي ثقافي عام لعله الأكثر تمثيلا وتعبيرا عن الحداثة في مختلف مظاهرها الإيجابية والسلبية، وبمجمل أبعادها وانعكاساتها على الذّات الفردية والوطنية والقومية والإنسانية. إنّ ما يمكن لقارئ الإنتاج القصصي العُماني المعاصر ملاحظته هو أنّ البعد الاجتماعي لم يعالج بالصّورة التّقليدية باعتبار الحدث حكاية قصصية سردية، إلَّا في قليل من الأعمال، ذلك أنّ المعالجات النّفسية انعكست كذلك على الأبعاد الأخرى التي تمت معالجتها وتناولها، وهذا ما وجدناه في العوالم القصصية لدى قاصين من أبرزهم عبد العزيز الفارسي، وسليمان المعمري، وحسين العبري، وبشرى خلفان، وأحمد الرحبي،، والخطاب المزروعي.
يميل معظم الكتّاب إلى انتقاء شخصياتهم من قلب الواقع العماني بأزماتها ورؤيتها، كونها تمثل الأنماط البشرية وما تعانيه من فقر وقلق وفشل وظلم. لذا جاءت مسألة البحث عن المطلق داخل الذات المحكمة، فجاءت معظم قصصهم منتهية بما نسميه النّهايات المفتوحة، غير المحددة وتبدو الأزمة مستمرة حول الشّخصية القصصية. كما يبدو الإسقاط النّفسي والشّعوري أساسا للتّعامل مع الرمز، وتوظيف تيارات الوعي لدى الشخصية.
يتخذ الزّمن عند كتاب القصة وكاتباتها في عمان أشكالا متعددة، ويرسم مسارات للتحرك والتّوجه نحو طرح مفاهيم خاصة ذاتية، ويبدو الزّمن مجالا لنقل الشّخصية القصصية إلى عالم الماضي بكل تمزقه وصخبه، ومدى العلاقة بين هذا الماضي، وبين حاضر يتتابع فيه الصخب نفسه، أضف إلى هذا أنّ القاص بدأ يتخذ من الزّمن اللامحدود، واللانهائي أساسا لتحريك الشخوص، واستطاع بعض كتّاب القصة أن يبلوروا أفكارا على قدر كبير من الأهمية والخطورة، وأن يحددوا العلاقة بين الإنسان وذاته وبينه وبين واقعه عن طريق لا نهائية الزمن ولا محدوديته.
ظهر المكان كعنصر رئيس، ليس منفصلا عن النّسيج القصصي. إذ تفاعل مع الحدث، وتعمقت صلاته بالشّخصية، وماشى خطوها ونموها وتحولاتها، وما جرى في داخلها من أزمات واضطرابات. وهو وليد تجربة معيشة. عانق موضوع القصة، ومضمونها. فلم يكن مكانا أعزل، بعيدا عن أيّ قضية إنسانية. إنّه أحيانا رمز للانتماء، ومدى حيوي لأناسه. ظهر بحقيقته الجغرافية، وباسمه التاريخي، وإن ابتعد عن التّحديد والتّخصيص، ودخل في العموم من الصفات. وبرز المكان معادلا رمزيا أو معنويا أو نفسيا للقدرة على الجنوح من الأمكنة الواقعية المعنية لذاتها والتي تشارك الشّخوص في أحداثها إلى الأمكنة المتخيلة التي تسكن إليها هذه الشخوص. كما بدا المكان بطابع هندسي تجزيئي، ونظر القاص إليه بمنظور البطل وأشرك القارئ في صنعه، فاستقل عن الكاتب في معظم الأحيان، وحافظ إلى حد بعيد على وحدته في القصة.
أمّا المعالجة الرّمزية فهي تستدعي ملاحظات نجملها في اثنتين: أولاهما، أنّ معظم كتَّاب القصة وكاتباتها بدءوا في الآونة الأخيرة يركزون على الطريقة الرّمزية في معالجة أحداث قصصهم وشخوصها، بل إنّ كثيرا منهم بدءوا يتخلصون من الأطر الفنية التّقليدية، كالشّخصية والزمان والمكان وغيرها، وبدءوا ينمذجون شخوصهم وأزمنة قصصهم وأمكنتها، دون التّعبير عن الحدث المطلق، وعن الشّخصية القصصية المطلقة أي الإنسان (النّموذج)، وكانت كل عناصر تلك القصص تتماشى مع الأبعاد النّفسية والتّحليل الرمزي لها.
وثانيتهما، أنّ بعض هؤلاء القاصين والقاصات تطرفوا في تناولهم هذا، وانساقوا إلى متاهات التّعبير السيريالي الذي أفقد القصة إطارها الأساسي، بل أضعف من الصّلة بين المتلقي وبين القص المطروح باعتباره مجال تجاوب وتفاعل وإحساس صادق بالمعاناة ومحاولة مؤثرة لاجتيازها، بيد أنّ بعض أعمال كتَّاب القصة الرّمزية، استطاعوا أن يقولبوا قصصهم في قوالب رمزية لا تلتزم بتقليدية البناء، لكنّها بقيت متحركة في إطار الفن القصصي الذي يعطي معادلا للواقع المعيش وموازيا له، لا يفقد معه المتلقي الصلة بذاته أو بالآخرين، كما في مجموعات محمد اليحيائي.
لقد تضافرت كل تلك الأسباب والمظاهر، لتؤثر في الخلفية الزمانية والمكانية في القصة العُمانية، وذلك للتواشج القوي الذي يشدّ العناصر إلى بعضها؛ إذ إنّ الزمان والمكان يرتبطان، ويتأثران بكل من الحدث والشّخصية.
إنّ أثر الرؤية Vision في عناصر بناء القصة العُمانية كان له التأثير الكبير، يمكن أن نلمسه في ندرة وجود قصة حديثة تضيف إلى إنجاز الأجيال التي أسست للقصة العُمانية الحديثة بما هو جديد ومؤثر، فالرؤية المغلقة في العقد الثمانيني والتسعيني في القصة العُمانية تعبر عن بنية اجتماعية خاصة، أتاحت لتلك الرؤية أن تبرز وأن تهيمن في القصة القصيرة؛ وعلى القصة في عُمان أن تنتبه إلى كل ذلك، على الرغم من أنّ الوضعية المعقدة الآن، هي غير ما كانت عليه قبل عقد من السنين، وأنّ مهمة القاص هي غير ما كانت عليه آنذاك، فقد أضيفت إلى عالمه مكونات جديدة، وشهدت تحولات كثيرة، لم يكن مستعدا أن يواجهها بشفافية وصراحة، بل إنّ القاص لا يمتلك حرية مواجهتها، فكان عليه أن يتقنع برؤاه المغلقة، وأن يحاول مستعينا بالرّمز، أو بالتّلميح أن يؤشر ببعض من تلك المكونات والموجودات.
إنّ هذا الخطاب السّردي جزء من خطاب ثقافي عام لا يزال في مجمله في مرحلة التّشكل الصعب، من هنا فإنّ الأفق الوحيد لتطور الخطاب يبدأ من الوعي بضرورة الاستمرار في مغامرات البحث المعمق والتجريب الخلاق والاستكشاف الجريء، والبعيد عن أية وثوقية مفرطة. ونقول إنّ ذلك هو الأفق الوحيد لقصة المستقبل لسبب بسيط وجوهري، وهو أنّه لا يمكن تحقيق أي إنجاز، وتراكم وتحول بدون الوعي النّظري وبدون الممارسة العملية التي تختبره وتعمل على تجسيده في النّص الإبداعي- الثّقافي ذاته.
تقف القصة القصيرة العمانية المعاصرة موقفا جريئا يمتاز بعمق الرؤية، ودقة التصوير، ويتجاوز كل مراحل التّقوقع داخل أُطر الانهزامية، والعجز عن استلهام الواقع الواعي لكل متطلبات التّغيير التي يعيشها الإنسان العربي بعامة، والعُماني خاصة، وتبدو محاولات الشباب - من كتَّاب القصة وكاتباتها- أكثر التصاقا بهذا الواقع، ومعبرة تعبيرا جريئا، وصادقا عن معاناة هذا الإنسان، وصدق تجربته في علاقته الوطيدة بواقع معيش، ومدى حدة التّصادم بينه وبين الماضي، بكل ما فيه من سلبيات، وإيجابيات، ليستمد من هذه وتلك خيرها وأكثرها نفعا، رافضا كل أشكال التّراجع والخذلان.
وقد اتخذت القصة العمانية القصيرة المعاصرة على عاتقها معالجة وقائع الحياة –بمفهومها العام- وإن بقي بعض إنتاج كتَّابها متحركا ضمن إطار البيئة المحلية، وهذا في تقديري الذّاتي لا يفقد القصة شيئا من فنية المعالجة والتّناول، اللهم إلا أن تبقى القصة بهذا محدودة الانطلاق، بعيدة عن التماس الطريق المؤثر الذي يلج بالقارئ درب التّأثير والتّأثر في الإنسان بما يعطيه من مفهوم المطلق زمانا وفكرة.
وإذا كان كتَّاب القصة العمانيون قد ركَّزوا في معظم قصصهم على تحديد ملامح الأزمة الحياتية، التي يعيشها إنسان العصر، بكل ما فيه من تناقضات قد ساعدت على تعميق هذه الأزمة، بغية الخروج من دائرتها، وفتح أبواب الأمل الإنساني المشرق، فإنّ بعض القصص قد ركَّزت على تسوير الذّات الإنسانية، وقولبة الأزمة بمفهومها المطلق داخل نفس الإنسان. ويبدو القاص العماني المعاصر أكثر تحديدا لهوية مجتمعه، وواقعه الذي يعيشه سواء أكان ذلك الواقع الذي يحدد علاقة الفرد بذاته، أم ذلك الواقع الذي تتحدد فيه علاقة الفرد بواقعه الخارجي والآخرين ممن يعايشهم، أم تلك العلاقة الأكثر شمولية واتساعا، التي تربط الفرد بواقع الإنسانية الرّحب، وفي كل من هذه المجالات الثلاثة، تتحدد نوعية العلاقة، فهي علاقة ثابتة متغيرة، ثابتة من حيث ارتباط الكاتب بواقع له أبعاده وتراثه وأصالته وتطوره، ونماؤه الحضاري المتتابع، وهذه العلاقة تتسم بالثبات في الحقيقة لأنّها نابعة من طبيعة الفن من ناحية، وطبيعة المجتمع الذي يعايشه الكاتب من ناحية أخرى، أما تغيرها فنابع في المقام الأول من نوعية المتغيرات والتّطور الذي يصيب كل جوانب الواقع المعيش، وكذلك من التّغيرات التي تبدو واضحة في الممارسات الفنية، وفي الأشكال والأنماط التي يتخذها المجتمع في العصور المختلفة مسارات اجتماعية متطورة يعيشها الفنان برؤية ذاتية، وبإحساس فنّي خاص.
اختلفت معالجات القاصين من الجيل المعاصر لكتَّاب القصة القصيرة في عُمان، سواء أكان من حيث الآليات الفنيّة أم من حيث الصورة، واللغة، والبيان المعبّر، وإذا كانت بعض النّماذج قد نجحت في معالجة قصصها بالطرق التّقليدية في السّرد والتّصوير، والحوار، فإنّ الكثيرين من هؤلاء الكتّاب قد نجحوا كذلك في الاعتماد على طرق المعالجة المتطورة لفن القصة، ولعل ما يلاحظ في دراسة هذا الإنتاج، أنّ معظم الكتَّاب يعتمدون على طرق المعالجة النّفسية كتيار الوعي والتّحليل النّفسي، والتّصوير الرّمزي لطرح الفكرة وتحديد هوية الشّخصية القصصية، ولعل هذا كلّه راجع لطبيعة التّوتر النّفسي الذي يعانيه الإنسان، هذا الإنسان الذي يعاني التّمزق والخوف والقلق والتّرقب في الآن نفسه، مما دفع القاصين للإحساس بمعاناة التّجربة الإنسانية.
وختاما ندرك تماما منذ البداية بأنه من الصعب علينا تغطية نشأة القصة وتطورها في عمان في هذه العجالة ولكن حاولنا قدر الإمكان المرور بمراحلها والتحولات المهمة التي صاحبتها، مقدرين لمجلة "الهلال" العريقة دورها الفاعل واهتمامها الكبير وإتاحتها هذه الفرصة لتغطية هذا الملف ونشره تاركين للقارئ الكريم أن يستوحي من خلال فضاءات القصص القصيرة المنشورة في هذا العدد وما حلق به الكتاب المشاركون معنا وهم يشكلون أجيالا مختلفة، ما يمكن أن يكونه من خلفية وصلة قوية في المستقبل بالمنجز الأدبي العماني بكافة أجناسه المختلفة.