الجمعة 19 ابريل 2024

هل ينشق الجيش الإسرائيلي على نفسه؟!

مقالات29-11-2022 | 12:54

ما يقضي على أي جيش، مهما كانت احترافيته وقوته، هو أن يتمذهب، أو تقطع أوصاره ألاعيب السياسة والبيزنس، أو يفقد خلفيته الشعبية، أو يقصر في مهامه الأساسية!!!

وهذا بالضبط، ما يحدث في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال الفترة الأخيرة، وتتبلور هذه الظاهرة في حالات معقدة، من الممكن على إثرها، أن يظهر ما يشبه "ميلشيات الجيش الحر"، التي عانينا منها في فوضى ما أسموها بالربيع العربي!

كنت من أول من رصدت خلال تحليلاتي للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة، الخروج الكبير للمجندين للتصويت لليمين الصهيوني الفاشي لا القومي فقط، وكانت هناك حالة انفلات غير اعتيادية في التعبير عن المواقف السياسية في جنبات المعسكرات الإسرائيلية، بالاحتفال بفوز أحزاب متطرفة للغاية كتحالف "الصهيونية الدينية"، والتخلص من حكومة يمين الوسط، بل وصل الأمر للتطاول على وزير الدفاع بيني جانتس، وهو لا يزال في السلطة، داعيين بإصرار إلى تعيين مستوطن فاشي متهم بالإرهاب، هو بتسلئيل سموطرتيش، زعيم تحالف "الصهيونية الدينية" وزيرا للدفاع، رغم أنه أساسا لم يخدم في جيش الاحتلال، لأن المتدينين لا يجندون!

وبالطبع، الأمر لن يكون خطيرا على إسرائيل فقط، بل على شعوب دول الطوق كلها .. فهذه الأجواء الفوضوية مع وصول أدمغة سادية إرهابية مثل بن جفير وسموطرتيش في ظل تنازل وضعف رئيس الحكومة المرتقب بنيامين نتنياهو لخوفه من فقده الكرسي، الذي يحميه من الملاحقات القضائية في أربع قضايا فساد تقربه كثيرا من السجن، تنذر بكوارث غير بعيدة!

فالمختل الصهيوني "بن جفير" أصبح وزيرا لوزارة صهيونية جديدة باسم "الأمن القومي" اعتمادا على الهوية القومية أكثر منه الأمن في حد ذاته، وستكون الشرطة وقوات حرس الحدود، بمثابة ميلشيا تحت إمرته، تشبه قوات الحرس الثوري الإيراني في ولائها الديني وفكرها الأيديولوجي، خاصة أن بعض هذه العناصر في الجيش والشرطة يهتفون باسم "بن جفير" من الآن، ويهددون الفلسطينيين به بالفعل، وهذا بخلاف ميلشيات المستوطنين والمجموعات الدينية المتطرفة، التي ستنضم له، وهذا ما كانت تنوي إيران وتركيا تأسيسه في مصر خلال فترة حكم الإخوان، فالثيوقراطيون الفاشيون فكرهم واحد مهما تغيرت الأديان والمذاهب والحجج!

وبخلاف "بن جفير"، الذي يركز على الهوية القومية الصهيونية والتي تشمل هدم الأقصى وإقامة الهيكل، أو حتى كنيس يهودي داخل الأقصى كبداية على الأقل.. هناك أيضا "سموطرتيش" الذي فشل في أن يكون وزيرا للدفاع، فطلب ضم الإدارة المدنية للضفة الغربية إلى وزارة المالية، المرشح لها، وهذا قرار بعيدا التحليلات المعقدة، يعني ضم الضفة فعليا وتوسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية، وهذا ما يتجه نتنياهو للموافقة عليه، وسط قلق من الجنرالات الإسرائيليين وقيادات جيش الاحتلال على هوية الجيش وما يعرفونه بمدونة المهام العسكرية للجندي، فرغم دمويتهم، هم أنفسهم قلقون من سادية هؤلاء الإرهابيين القادمين للحكم في إسرائيل، في أكثر الحكومات تطرفا وفاشية في تاريخ الكيان الإسرائيلي.

 

 وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس المنتهية ولايته فضح حقيقة "مذهبة" جيش الاحتلال، وتقسيمه لتيارات سياسية وأيديولوجيات ومذاهب، وحمل نتنياهو المسؤولية لبحثه كغيره من الديكتاتوريين عن مصالحه الشخصية فقط، وكانت كلماته جانتس مباشرة بقوله أن الاتفاق الذي تم توقيعه خلال المفاوضات بين حزبي "الليكود" و"عوتسما يهوديت" ، نابع من الرغبة في تشكيل ميليشيا تابعة لبن جفير، وحذر من إقحام السياسة في إدارة الجيش الإسرائيلي، بل ووصل به الأمر إلى القول إنه سيأتي اليوم الذي سيصبح فيه الجيش الإسرائيلي "جيش نصف الإسرائيليين فقط" ، حيث سيصبح الجيش نفسه محل جدل سياسي وحزبي واقتصادي، بعد أن كان نقطة إجماع لدى عموم الإسرائيليين، واعترف جانتس إنه في منتهى الانزعاج من محاولة تغيير قواعد إطلاق النار في الجيش من أشخاص لم يخدموا أساسا في الجيش، وكأنه هو نفسه ليس وراء جريمة قتل المراسلة شيرين أبو عاقلة، وغيرها الكثير من الشهداء، لكن تصوروا أن هذا الجنرال الدموي المتطرف، هو بمثابة حمامة سلام مقارنة بالساديين القادمين لحكم إسرائيل قريبا!

 

وبالفعل هناك جرائم كثيرة تؤكد على "تمذهب" وتسييس جنود الجيش الإسرائيلي، فيوم الجمعة الماضي تم إيقاف جنديين عن الخدمة في أعقاب التعدي بقوة على نشطاء يساريين إسرائيليين، وهي حادثة ضمن سلسلة من الحوادث التي تورط فيها لواء المشاء “جفعاتي” في مدينة الخليل فقط، وطالب بن جفير بالتحقيق مع النشطاء اليساريين المعتدى عليهم بحجة أنهم أهانوا الجنود اليمينيين، والصور والفيديوهات فضحت أكاذيبه.

ليس هذا فحسب، حيث فضح تسجيل لمنظمة "كسر الصمت" اليسارية الإسرائيلية ، مجند إسرائيلي يواجه ناشطا يساريا إسرائيليا، متباهيا بقوله بأن “بن جفير، سيقوم بتنظيم الأمور في الضفة، يعني إعادة احتلالها. فلقد انتهى الأمر. وخسرتم يا رفاق… انتهى وقت المتعة”!!!..واضطر رئيس الأركان المنتهية ولايته آڤيڤ كوخاڤي، إلى انتقاد سلوك الجنود خلال الحادثة وفي حالات أخرى تتعلق بقيام الجنود بإساءة استخدام القوة ضد إسرائيليين وفلسطينيين، بدعوى أن “مثل هذه الحوادث تلطخ سمعة الوحدة التي يخدم فيها الجندي وسمعة الجيش الإسرائيلي وسمعة إسرائيل”، وأشار إلى أن استخدام الجنود للقوة والتعليقات السياسية تنتهك مدونة قواعد السلوك العسكرية، وقال “أنا على ثقة بأن قادة الجيش سيتعاملون مع أي شذوذ بقوة، مع منع دخول السياسة إلى الجيش، فلا ينبغي علينا السماح بإدخال الانقسامات والجدالات الداخلية إلى الجيش”.

ورغم كل هذه الكلمات البراقة التي صدرها جانتس وكوخافي للعالم، إلا أن نشطاء يساريين تمكنوا من التقاط صور لعدة جنود يضعون ملصقاً غير عسكري على ظهور ستراتهم العسكرية كُتب عليها “طلقة واحدة. قتل واحد. لا ندم. أنا من يقرر”.. وهذا مؤشر في غاية الخطورة.. عن ارتفاع معدلات السادية والتمذهب والتسييس في جيش الاحتلال، والذي يفقد شكل المنظمة العسكرية مع الوقت، وبالتالي أتوقع كوارث معقدة بخلاف انهيارات غير مستبعدة داخلية في الجيش الإسرائيلية، ليعود لما كان عليه في بدايته، مجرد مجموعة من العصابات والميلشيات المسلحة، لكن يجب أن علينا لسيناريوهات كهذه أو حتى أقل.