الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

أحمد الفيتوري: رواية «آلام يهوذا» تجسيد لشخصية قناع لأطروحة فكرية دينية

  • 30-11-2022 | 19:24

أحمد الفيتوري: إن آلام يهوذا رواية فكرية وما يهوذا إلا الشخصية القناع لأطروحة فكرية دينية

طباعة
  • عبدالله مسعد

قال الكتاب الروائي أحمد الفيتوري: في رواية "آلام يهوذا" السياق السردي مبتدأه إشكال ولادة "يهوذا"، وذروته انتحار "يهوذا" بعيد خيانة المسيح فصلبه، وما بينهما التوسط أي معالجة حياة "يهوذا" ومعاناته الحياتية والفكرية الدينية. البنية السردية الكلاسيكية واضحة وصارمة، وممسك بزمامها من خلال النسق السردي من الصفحة إلى الأخرى ومن الحدث إلى الآخر، ومن هذا تنجح الرواية في خلق تماهي بين الشخصية الروائية وسياقها السردي، ومعاناة الشخصية والأحداث والأطروحات الفكرية الدينية، ولأنها رواية سيروية غيرية، فهي رواية الشخصية بامتياز كما أشرنا، لكن كثيرا ما تتمظهر تناقضات "يهوذا" كتناقضات خارجية تستدعيها الأحداث، فليس ثمة في مجمل الرواية تركيز على وهن داخلي للشخصية، مما ساهم في جعلها شخصية ذات بعد أحادي، تفكر فيما يحدث ولا تعيشه، فـ"يهوذا" لا يكذب أبدا حتى على نفسه، فالشخصية فاعلة متماسكة وليس في داخلها أي عطب فإنها صلبة صلدة، ومن هذا وبه تواجه العالم المعطوب، هكذا هي شخصية فكرية مثلما شخصيات طه حسين، وتوفيق الحكيم، وسارتر ومن في حكمهم.

وأضاف الفيتوري خلال الندوة النقدية في مقر منتدى المستقبل للفكر والإبداع؛ لمناقشة رواية "آلام يهوذا" للكاتب ماجد وهيب مساء أمس قائلا: "رواية في مثل حالها، تستدعي القاريء المتفكر في مسائل فكرية وفكرية دينية، وهذا يرسل للمتلقي والقاريء المؤول رسالة معينة، قد تبعث إلى مناقشة المرجعية التاريخية والدينية، مما يزيح النص عن سياقه السردي إلى النسق الفكري، كما حصل مثلا مع رواية يوسف زيدان "عزازيل" الحائزة على البوكر العربية 2009م، ما فجرت مسائل فكرية دينية، مختلفا عليها، فراجت في مجال غير مجالها، وكان قرائها إن لم يكن مانحوها الجائزة أيضا، قد طالعوها ضمن النسق الذي عالجته وأثارته، وليس ضمن السياق السردي المفترض باعتبارها رواية. وتعتقد أن كاتبا ما قد يتغرض الأطروحات الفكرية التي يتضمنها النص كسارتر من همه الجلي الرسالة المحمول الوجودي ونظرته فيه، وقد فلح حتى أن بعض من نقاده يحسبه كاتبا روائيا أيضا".

وأشار الفيتوري إلى أن "الأم يهوذا" تنحى، إلى أن تكون سياقا سرديا ينتج من سياق فكري ديني، قائلا: "فتكون الشخصية الرئيسة كما فكرة تمشي على قدمين... " أراح يهوذا ظهره إلى جذع الشجرة، التي كانا جالسين تحت ظلها:

-الخلاص هو أن يكون العالم بلا أحزان أو متاعب، ألا ينام إنسان باكيا، أو مهموما وخائفا الا يكون هناك فقر وجوع وأمراض وحروب أن ينتهي الشر تماما. وأن يكون لكل شيء شيء هنا على الأرض معنى أن يكون العالم جنة، الناس فيها جميعهم سعداء. جميعهم بلا استثناء، ومتساوون حتى هؤلاء الرومان الذين يحتلون بلادنا. أنا لا أحبهم لكني أريد أن أحبهم وهذا لن يحدث إلا إذا امتلكت قلبا جديدا لا يعرف الكره، وأنا أريد لكل الناس أن يمتلكوا قلوبا كهذا القلب".

هذا مقتطع من النص، مما كتب على الغلاف الأخير للرواية، ما يختزل خطاب الرواية محمول نظرة "يهوذا" للخلاص في مواجهة خطاب المخلص المسيح، وهذا الخطاب يشكل متن الرواية في شكل حوارات ومناقشات تجربها الشخصية الرئيسية مع شخصيات أخر منهم اصدقائه والمسيح نفسه. والرواية تعنى بالخطاب، فتجعل من الأحداث كما خلفية لطرحه، وتنسج نسقا سرديا كقماشة لمشغول "يهوذا" الفكري، فإن مارس يهوذا الزنا فذلك الحدث ذا بعد فكري ديني وليس نائج زلل أو خلل في الشخصية، وهكذا حتى إن خان المسيح المعلم، فالبنية السردية نسقها الخطاب الروائي ما قناعه "يهوذا" كما أشرنا.

فهل بهذا ننزع عن "آلآم يهوذا" تصنيف الرواية التاريخية؟، وهل لو ذلك كذلك يمكن القول أيضا أنها ليست رواية سيروية غيرية؟، وهل بهذا المنزع نصنفها رواية فكرية؟، وهنا اتذكر مما قرأت من الروايات العربية "حي بن يقظان" لإبن طفيل "السد" للتونسي محمود المسعدي، ما كتب طه حسين مقدمتها، "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، كفاح طيبة" لنجيب محفوظ، "في المنفي" الرواية الوجودية لليبي رجب بودبوس، وطبعا هناك أيضا روايات عالمية وتعلل الروائية أيريس مردوخ هذا التوجه الروائي، بأن الأدب يمكن أن يقرا من قبل كثيرين، وليس كالفكر ما يقرأ من النخبة فيكون هذا خلفية أن يلبسوا لبوس السرد وطبعا ليس من داع أن يخطر ببال أحد، أن الرواية الفكرية ليست رواية، خاصة وأن الرواية غدت نثر العالم، الذي تناثر وتكشفت ملامحه، حتى أن المرء يمكن أن يضمه بين كفيه برغم تراميه ومن هذا فإن المقاربة الشعرية، التي تعنى بالغموض والمبهم، ضمت أيضا إلى النسق السردي، فصارت القصيدة نثرية تعني بالسرد أيضاء، كما يلاحظ في الكثير من المنتج الشعري، فيما نعرف من شعر عربي ومترجم.

واختتم الفيتوري حديثه قائلا: "آلام يهوذا، رواية فكرية، وما يهوذا إلا الشخصية القناع لأطروحة فكرية دينية، هذا ما يفصح عنه ويوكده السياق السردي، ولأجل ذلك يطفو النسق الفكري على بحر الأحداث المتلاطمة. ومن هذا فإن يهوذا الشخصية الأولى والأخيرة، وصلته بالمسيح صلة الفكرة بنقيضها، فتكون الأحداث في هذا النص كما الشخصيات الأخرى ظلالا لفكرة يهوذا عن الخلاص وعن المعيش، وعن ما يجب وما لا يجب أي عن الصيرورة البشرية المفقودة، في زحم حياة ناقصة إن لم تكن عبثية! أي هكذا حدث فقال نص الروائي ماجد وهيب "آلام يهوذا".

وناقش الرواية الكاتب والناقد الدكتور يسري عبدالله، والكاتب الروائي والناقد أحمد الفيتوري، وأدار الندوة الكاتب والإعلامي عمرو الشامي.

وقد صدرت «آلام يهوذا» حديثا عن دار المرايا، وتعد الرواية الثالثة للكاتب الشاب ماجد وهيب بعد روايتيه «المرج »، و«أخوة الرب»، فضلا عن مجموعته القصصية «العالم في حفلة تنكرية».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة