مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية واختفاء أي بارقة ضوء مشجعة في نفقها المظلم، بات تعزيز القدرة الدفاعية للجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) هو الأولوية الأهم بالنسبة للحلف في الوقت الراهن، والتي لا تنافسها أولوية أخرى سوى دعم الصمود الأوكراني في ميادين القتال.
لقد تجلى في ختام اجتماعات وزراء خارجية الحلف في بوخاريست - المنعقد في 29 – 30 من شهر نوفمبر الماضي - ما للجناح الشرقي للحلف من أهمية استراتيجية لدعم مناعتها و تعزيز قدرتها على الصمود في وجه أية عدائيات، فقد وافق وزراء خارجية الحلف على مخطط دعم لكل من البوسنة والهرسك وجورجيا ومولدافيا عسكريا ولوجيستيا والعمل على بناء القدرات الأمنية والدفاعية في البلدان الثلاثة وتدريب جيوشها وتطوير مؤسساتها وأجهزتها الدفاعية والأمنية و المعلوماتية بما يجعلها عصية على أية خروقات أمنية خارجية وقادرة على الصمود في وجه أية عدائيات محتملة.
ويتوقع المراقبون أن تشهد دول منطقة البلقان الغربي والبحر الأسود مزيدا من الدعم من جانب دول الناتو الكبرى في المرحلة القادمة انطلاقا من اجتماعات بوخاريست 2022 وهي المدينة التي استضافت في العام 2008 قمة مهمة لقادة حلف الناتو انتهت بتدشين استراتيجية "الباب المفتوح" وهو الباب الذي خطت عتبته كل قرارا ت الحلف الخاصة بأوكرانيا و جورجيا فيما بعد، واستمدت منه كافة دول شرق أوروبا أشكالا من الدعم لاستقلالها السياسي الوليد عن الفلك السوفيتي السابق، ومن هذا الباب كذلك سعت فنلندا والسويد للانضمام إلى الحلف وكان لافتا حضور وزراء خارجيتهما للمشاركة في اجتماعات بوخاريست كبلدين مدعوتين للانضمام.
وفي الوقت ذاته يجابه حلف الناتو نوعية جديدة من العدائيات التي تتمثل في استهداف بنيته الحيوية التحتية والتي كانت في السابق بعيدة من تقديرات المحللين كهدف محتمل في أية صراعات، وقد وصف يانس ستولينبيرج الأمين العام للحلف اتفاق ألمانيا والنرويج على إقامة مركز للتنسيق لحماية البنية التحتية للاتحاد الأوروبي في أعماق البحار بأنه "لحظة فارقة وتحول خطير من شأنه رفع مستوى تنبه دول الحلف تجاه أية تهديدات أو أنشطة هدامة لمنشآت البنية التحتية في المياه الأوروبية بما في ذلك أنابيب نقل النفط والغاز وكوابل الوصل الكهربي والاتصالات، والعمل على مجابهة أية تهديدات له بأي أنشطة هدامة تستهدف النيل منها بصورة سريعة و حاسمة ..... " .
وبحسب بيان صادر عن سكرتارية الناتو التنفيذية في بروكسيل ، فقد رحب الأمين العام لحلف الناتو بمبادرة ألمانيا بزيادة إنفاقها الدفاعي تماشيا مع توجهات الحلف وما يواجهه من أخطار وتهديدات، وقال إنه قد بحث هذا الأمر في اللقاء الذي جمعه والمستشار الألماني أولاف شولتز في الأول من ديسمبر الماضي والذي كان الدعم الألمانى للجهد الحربي الأوكرانى موضع إشادة خلاله.
وفيما يتعلق بتعزيز قدرة الجناح الشرقي للحلف، قال ستولينبيرج إن الحلف يثمن الدور القيادي الذي تقوم به ألمانيا لقوة القتال المتعددة الجنسيات التي تعمل في ليتوانيا وأن ما قامت به ألمانيا من نشر وحدات دفاع جوي متطورة ومقاتلات متعددة المهام في ليتوانيا جاء كدرع واق لحماية أمن الجناح الشرقي للحلف من العدائيات، كما شدد أمين عام الناتو على أهمية استمرار عمليات الدعم الاقتصادي جنبا إلى جنب مع الدعم العسكري للأوكرانيين.
ويجمع المراقبون أن تعظيم عمليات الإسهام المشترك لحلف شمال الأطلسي دعما لصمود بلدان شرق أوروبا باعتبارها الجناح الشرقي للحلف وكذلك أوكرانيا قد بدأت في تحقيق القدر اللازم المطلوب لحشد طاقات العون من جانب دول الحلف القوية وفي مقدمتها ألمانيا، وكذلك تقود النرويج جهودا مشتركة يرعاها الحلف لتعزيز دور "آلية الناتو للتنسيق والتصدي للكوارث عبر الأطلنطي" حيث تبرعت النرويج بمبلغ 300 مليون دولار لدعم المركز في اجتماع وزراء خارجية الحلف الذي استضافته بوخارست في نوفمبر الماضي لرسم استراتيجية تسريع وتيرة العمل الإنساني والإغاثي لحماية المدنيين من الأنشطة العسكرية العدائية .
إلا أن اعتبارات المصالح الاقتصادية لا تزال في أعين المراقبين قائمة في حسابات صناع القرار في منظومة الناتو عند تقرير سياساتهم، ففي اجتماعهم الأخير في بوخارست أواخر الشهر الماضي أكد وزراء خارجية الحلف أهمية استمرار التبادل التجاري والتعامل الاقتصادي مع الصين شريطة ألا يغيب عن أذهان القادة الأوروبيين ما قد تمثله بكين من تهديدات لأوروبا سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق دعم القوى المعادية للحلف مثل "روسيا" بحسب ما أورده البيان، وقد وعبر عنه يانس ستولينبيج في ختام أعمال وزراء خارجية الحلف أنه "لا يجب أن تغيب عن أعينا خارطة التهديدات ذات الطابع العالمي التي يتعين علينا مواجهتها معا في الناتو كحلفاء في أوروبا والشمال الأمريكي ..... " .