السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

منتدى الحضارات العريقة وصراحة وزيرة الثقافة المصرية

  • 8-12-2022 | 18:32
طباعة

شهدت بغداد انعقاد منتدى الحضارات العريقة بنسخته السادسة، وخلاله كان استقبال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لوزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني، بمقر الحُكم العراقي.

العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين والحضارات الخالدة على ضفاف النيل والفرات، تؤكد تماما أن اللقاء والحدث يعبران عن صميم المنتدى وهدفه وغايته، ناهيك عن ضرورة تبادل الخبرات بين شعبين يحملان إرثا حضاريا عريقا يميزهما عن دول أخرى.

من هنا كانت أهمية لقاء الدكتور أحمد فكاك البدواني وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي مع الوزيرة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني لتدعيم أوجه التعاون المشترك، وحوارها مع مسؤولين آخرين على هامش الفعاليات.

ومنتدى الحضارات العريقة هو مبادرة يونانية ظهرت رسميا في 2017 بأثينا، بغية استثمار التواصل الحضاري والثقافي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول، وفي العراق اجتمع مسؤولو الثقافة بدول مصر والصين واليونان وإيطاليا وإيران والمكسيك وأرمينيا وبيرو وبوليفيا، لحشد الجهود بغرض حماية الممتلكات الثقافية والقضاء على ظاهرة الاتجار غير المشروع في الآثار، ومما لفت الانتباه ويستحق الإشادة خلال المنتدى، كلمة وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني التي أكدت خلالها على الموقف المصري من أن المُمتلكات الثقافية ليست مجرد شهادة فحسب على ما حققته الحضارات القديمة، ولكنها تُعد انعكاسًا لتاريخِ مجتمعاتنا العريقة وذاكرتها وماضيها الذي يصعب في غيابه فهم الحاضر وتُشكل جزءًا أصيلًا من هويتنا الثقافية والوطنية، كما أن ملكية الشعوب لتراثها، تُمثل حَقًّا من حقوق الإنسان الذي يجب العمل على احترامه عبر إعادة هذه الممتلكات إلى بلدانها الأصلية.

الوزيرة أكدت أيضا أن ظاهرة الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية بلغت حدًا مقلقًا للغاية خلال السنوات الماضية نتيجة لحالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها بعض التجار ببعض الأسواق عالميًا وبسبب تعرض العديد من المواقع التراثية للسرقة والنهب والحفائر غير القانونية. وأن الانعكاسات السلبية لاستمرار هذه الظاهرة لا تقتصر على دول منتدى الحضارات العريقة فحسب، بل تمتد إلى العالم أجمع، بما في ذلك الدول التي تشهد عمليات بيع علني لتراثنا المسروق، وفي ضوء ما تُمثله من تهديد مباشر للأمن والسلم  والسلم الدُوليين، حيث أقر المجتمع
الدُولي منذ عدة سنوات بالعلاقة الوطيدة بين العوائد المالية لهذه الظاهرة الإجرامية من ناحية، وتمويل الجماعات الإرهابية من ناحية أخرى.

إن الموقف المصري من هذه القضية ممثل في كلمة معالي الوزيرة المصرية يتفق تماما وما يواجهه العراق من تحديات مستمرة في هذا الملف، وهو البلد الذي خاض حروبا وشهد حصارا عبر سنوات وعقود، ثم تعددت مشاهد سرقة تراثه وإرثه الثقافي وآثاره منذ أبريل 2003 وحتى مرحلة ما بعد 2011 وظهور تنظيم داعش الإرهابي خلال سنوات تالية على ما سمي بالربيع العربي.

العراق بلد الحضارات من أقصى كردستان إلى أقصى الجنوب. وشهدت كردستان بحضاراتها مهد البشرية ووجود أدلة تؤكد وجود الإنسان في هذه المنطقة، فهناك مناطق تدعى كهف شاندر حيث أقدم مأوى للبشر. وكذلك الأبحاث التاريخية والاستكشافات تؤكد وجود حضارات في كردستان كما في بلاد الرافدين، ومن الأدلة قلعة أربيل التي يعود تاريخها إلى سبعة آلاف سنة وكانت مأهولة بالسكان، وهكذا العراق بكردستانه كان مهدا للحضارات.

لقد جاء منتدى بغداد ومعه كلمات الوزيرة المصرية وتوصيات ممثلي البلدان المشاركة لتضع حكومات وشعوب وأهل الحضارات والثقافات العريقة أمام مسؤوليات واضحة، وكذلك حكومات البلدان التي تسمح بالتعامل على الإرث المنهوب عبر تجارة غير مشروعة على أراضيها أمام مسؤولية أخلاقية تدينها خطوة تنسيق المواقف في المحافل الدولية في مواجهة الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية واستعادتها.

وهي خطوة يكملها إعلان دول الحضارات القديمة آليات تعاون مشترك لاستعادة تراثها، كاستحداث منصة لتبادل الخبرات القانونية والمعلومات حول عمليات الاسترداد، بمشاركة ودعم حقيقيين من قبل اليونيسكو والإنتربول والإليكسو والإيسيسكو.

إن جهود العراق في هذا الملف طويلة وتحتاج إلى تعزيزات أكبر على الأرض، وهو أمر ربما تدركه حكومته الجديدة التي ستتخذ بالضرورة خطوات لتأصيل التعاون الدستوري بين أربيل وبغداد في عدة ملفات، منها الأمن وحماية الحدود واستقلال التراب الوطني، وهو ملف أصيل في تأكيد جهودها في التعاون المشترك مع دول الحضارات العريقة لأجل حماية الممتلكات الثقافية والآثار وعصابات الإرهاب المنظم التي تستبيح إرث الشعوب وتحارب الفكر والثقافة والتنوير، وتقف جرائمها بحق الآثار والمناطق ذات الطابع الديني والحضاري، وحجم مكاسبها من تهريب الآثار ودمجها في دعم عمليات إرهابية مسلحة جديدة بمناطق وبلدان أخرى، أكبر دليل وحجة على ضرورة إنجاز تعاون دولي في هذا الملف.

الاكثر قراءة