الأحد 28 ابريل 2024

العنف على شاشة السينما.. حضور لافت وجدل مستمر

من مسلسل ملوك الجدعنة

10-12-2022 | 11:23

عمرو والى

شهدت الساحة الفنية خلال الآونة الأخيرة العديد من الأعمال السينمائية والدرامية، والتى كان فيها العنف والأكشن هو اللون الأكثر رواجا، حيث حظيت باهتمام كبير من متابعة الجمهور، وحققت أعلى الإيرادات بعد تصدرها لشباك التذاكر، وعلى الرغم من ذلك إلا أنها كانت مثارًا للجدل الدائم بسبب اتهامات البعض للسينما بالتسبب فى زيادة السلوك العدوانى والجريمة لاسيما بين فئات المراهقين والشباب، ورد البعض الآخر بأن الفن مرآة للواقع وأن تلك الأفلام هى مجرد تجسيد لما يحدث فى المجتمع أحياناً... «الكواكب» طرحت مجموعة من التساؤلات حول هذا الأمر، ومنها هل نجحت هذه الأعمال فى مناقشة قضية العنف بشكل عام، أم لا؟ وما سر إقبال الجمهور عليها؟ وتأثيرها عليه؟ وأسباب انتشارها؟ وهل ستظل حاضرة بقوة أم أنها مجرد موضة مرتبطة بفترة زمنية وستنتهى!، وناقشتها مع المتخصصين من خلال السطور القادمة. 

«ثقافة غربية»

فى البداية اعتبر الفنان محمود قابيل أن اقتباس كتّاب السيناريو للأفلام الأجنبية التى تحتوى على الكثير من مشاهد العنف وراء انتشارها فى الأعمال الدرامية والسينمائية، ووجود موضة أفلام العنف، التى تعود من حين لآخر، لافتا إلى أن هذه الأعمال لها آثار سلبية على المجتمع، لأن الثقافة الغربية مختلفة تماما عن مجتمعنا المصرى.

وأضاف قابيل: أن معظم المنتجين يختارون الأعمال الفنية على معيار الربح التجارى فقط ، بغض النظر عما يقدم للمجتمع من قيم ورسائل هامة، وقيمة يحملها العمل.

«تشابه الموضوعات»

وقالت الفنانة إلهام شاهين: إن السينما فى الستينيات كانت الرومانسية فيها الأساس والآن أنجح الأفلام هى أفلام الأكشن وقبلها كانت الأفلام الكوميدية، موضحة أن الجمهور فى الوقت الراهن يميل إلى مشاهدة أفلام العنف، مشيرة إلى أن هذه النوعية  من الأفلام لا تتناسب معها تماما، مستطردة بالقول: «أنا ضد سينما العنف والدم والأكشن المبالغ فيه رغم أننى أدخل السينما وأتابع كل ما يقدم».

وواصلت شاهين: أنا لست ضدها من حيث النجاح والأهمية، ولكننى أكره العنف والدم وأحب الأفلام الاجتماعية، وأتمنى وجود كل الأنواع بدلا من سيطرة نوع واحد، ولكن للأسف هذه الفترة لا نجد إلا هذه النوعية، فأين الأفلام الرومانسية والإنسانية والتاريخية والغنائية من كل ما يتم تقديمه حاليا؟ للأسف هناك اختفاء، والأدهى أن الدراما أيضا أصبحت كل موضوعاتها تقريبا مشابهة للسينما من حيث العنف والأكشن، وأرى أنه يكفينا ما نراه فى نشرات الأخبار من تدمير ومشكلات وعنف

.

«استخدام مبرر»

وأكد الفنان ماجد المصرى أن توظيف مشاهد العنف مهم حتى يتقبلها الجمهور، وتساهم فى مناقشة موضوع العمل، بحيث لا تكون مجرد ترويج أو تقليد لنوعية من الأعمال التى قد تُكسب مشاهدين مثل الأطفال والشباب أنماطًا عنيفة، لاسيما وأن العنف اللفظى سهل التداول على ألسنة المشاهدين، لذا فإنه من الضرورى أن يتم توظيف أى مشهد حتى لا يتأثر الجيل الحالى بأى عنف درامى ينعكس بالسلب عليه.

«إيصال رسالة»

ويرى المؤلف والسيناريست عمرو محمود ياسين أن فكرة ربط الأعمال الفنية بالعنف أو ارتباطها بموجة معينة من الجرائم أو الحوادث فى توقيت أو فترة معينة ما غير صحيح، لافتا إلى أن كل الأعمال التى تناولت قضية مجرم أو بلطجى أو ناقشت فكرة العنف كانت حريصة على عرض العقاب، والنهاية السيئة لأبطاله، بالإضافة إلى الضرر الذى سيقع على المحيطين به، وهو ما يهدف إليه الفن فى توصيل رسالة ما أو رفع الوعى للجمهور بهذه القضية.

واستطرد ياسين: فى مسلسل إللى مالوش كبير، ناقشنا قضية العنف ضد المرأة، وهنا أطرح تساؤلا كيف يمكن أن أناقش قضية العنف ضد المرأة أو العنف الأسرى أو البلطجة وغيرها من هذه القضايا دون عرضها، وفكرة ضرب المرأة كان فى مشهد واحد وقتها، وبعدها كنا نهرب من الأمر دون لقطة كاملة بالاكتفاء بالإشارة له فقط، وفي النهاية ليس معنى أن أطرح الفكرة أو أناقشها أننى معاها بالعكس فأنا ضدها تماما.

وواصل حديثه قائلا:  أنا لا أكتب موضوع تعبير أنا أصنع دراما، لابد أن تكون مثالية، ولابد أن أظهر هذه المشاهد، وتأثير هذا الأمر ظهر على الشخصيات، وفى النهاية يتم إظهار هذه المشاهد ولكن بحساب.

«الفئات العمرية»

وأكد المؤلف والسيناريست أحمد مراد أن هناك أزمة كبيرة تواجه الأفلام والدراما التليفزيونية بشكل عام، وهى أنه لا يجوز أن تطرح لكل الفئات العمرية مرة واحدة، موضحا.. «جرعة الأكشن أو المشاهد العنيفة لايجوز أن تعرض لكل المستويات، والأعمار لأنها ترسخ ثقافة غير محسوبة».

وأضاف مراد قائلا: السينما مثل المرآة لها تأثير على المجتمع، حيث إن هناك دراسة حدثت فى أمريكا، وأذيع فيلم أكشن قوى يوم خميس مساءً فوجدوا أن العنف فى ذلك اليوم قل تمامًا وخرج الجمهور من السينما دون حدوث عنف.

وقال: وجد العلماء أنه عند عرض فيلم رومانسى وجدوا العنف موجود ولم ينخفض عكس أفلام العنف، حيث بدأوا يدرسون أكثر ووجدوا أن العنف يُفرغ الشحنة الموجودة عند المشاهد، كما وجدوا أن الأفلام الرومانسية أو الكوميدية أو أى نوع غير الأكشن والعنف لا تخرج الشحنة الموجودة لدى هذا الشخص الذى يشاهد الفيلم، لذا فإن أفلام الأكشن والعنف لا تؤدى إلى حدوث عنف.

وأشار مراد إلى أن أفلام الأكشن والحركة تجتذب فئة عريضة من الجمهور لاسيما الشباب والمراهقين، والنوعية الفنية من الأكشن المصرى الجيد، نفتقده جدا منذ فترة طويلة، واهتمام الشباب بهذه النوعية يرجع لوجود الشغف تجاه المعرفة، وهو موجود لدى هذا الجيل، الباحث عن الرغبة للمعرفة، ففى أى فن من الفنون، أو خوض المغامرات، تجد الشباب هم الأولوية، لرغبتهم الشديدة فى معرفة العالم، واستكشافه.

«معيار النجاح»

وقال المخرج مجدى أحمد على إن أفلام الأكشن والعنف تحظى بإقبالٍ جماهيرى كبير، حيث حققت إيرادات ضخمة الفترة الماضية، مُعرباً عن استيائه الشديد قائلاً: «الأمر غير مُرضٍ تماماً على مستوى الإنتاج، لأن البحث عن المال فقط يدمر الصناعة».

وشدد المخرج الكبيرعلى ضرورة تحقيق التوازن بين تقديم أعمال جيدة وتحقيق الأرباح، ما يُسهم فى ازدهار السينما بشكلٍ حقيقى، موضحا أن هذه الأفلام شكلت موضة من خلال تأثر صناع السينما بأفلام العنف الأمريكية، بالإضافة إلى تعلق الجمهور بنجومها، مما ساهم فى زيادة انتشارها، تماما مثل موجة الكوميديا التى اجتاحت السينما، وبالتالى نجاح أى نوع يجعله موضة على الرغم من أن الساحة قادرة على استيعاب كل الأشكال والألوان الدرامية.

«إبهار المشاهد»

واعتبر المنتج عصام شعبان أن تصدّر أفلام الأكشن والعنف فى شباك التذاكر مؤخراً، يرجع إلى قِلة الموضوعات الفنية الأخرى سواء رومانسية أو كوميدية، حيث إنها لا تحظى بالنجاح المرجو، والكوميديا كانت المنافس الأقوى لهذا اللون، لكنها تُعانى حالياً من أزمة كبيرة فى الكتابة.

وأضاف شعبان أن الجمهور يُقبل على هذه النوعية من الأفلام ، بشكلٍ مكثف مقارنة بغيرها من الأعمال، كونها تُقدم بتقنيات حديثة تعمل على إبهار المُشاهد وبشكلٍ جذاب.

«قيمة حقيقية»

وأكد الناقد الفنى طارق الشناوى أن الأعمال الفنية عندما تقدم العنف تدينه فى نفس الوقت، وهناك الكثير من الأمثلة على هذا الأمر، ومنها أفلام ناقشت ظاهرة العنف ضد المرأة ومنها: «المرأة والساطور»، فالفنانة نبيلة عبيد انتقمت من زوجها والجمهور تعاطف معها، وكذلك قدمت الفنانة نادية الجندى قضية العنف ضد المرأة من خلال منظور مختلف فهى دائما ما تظهر مقهورة ثم تنتصر فى النهاية، وبالتالى يمكن القول إن الأعمال السينمائية والدرامية أنصفت المرأة وأعادت لها حقها.

وطرح الشناوى. تساؤلا هل الأفلام والمسلسلات ونجوم العنف والأكشن هم الذين صدّروا للشارع كل هذه البشاعة والجرائم والدماء، أم أنهم قدموا محاكاة لما ينوء به حقًّا الشارع من وقائع أحياناً؟!، مستطردا حديثه: فكرة المنافسة بين صناع الأعمال الفنية أفرزت فى فترة زمنية معينة طرح قصص فيها إثارة وتشويق ومواقف صادمة، بحيث تجعل الجمهور يتعلق بمسلسل ما عن غيره، وظهر ذلك فى بعض مشاهد العنف التى تابعها المشاهد فى الآونة الأخيرة، والتى سبب بعضها صدمة، ومثل هذه الأعمال تتأثر بها الفئات الأقل نضجاً فى المجتمع.

وأشار الشناوى إلى أن العنف اللفظى والعنف الجسدى وأدوار البلطجة كانت مواد ثرية فى بعض الأعمال، وفى الوقت نفسه مارس بعض أفراد المجتمع هذا النوع من العنف على سبيل التقليد ليس إلا، إذ إن هناك بعض المشاهدين الذين لا يفرقون بين محتوى الهدف بمناقشة قضية لها جذورها فى المجتمع، وبين العمل نفسه على أنه صورة يجب محاكاتها فى الواقع، ويؤكد أنه ليس ضد تصوير مشاهد عنف فى الأعمال الدرامية إذا تم توظيفها بشكل جيد، وعلينا أن نفرق بين الأعمال الفنية التى هدفها الرئيسى النجاح تجارياً، وتلك التى تحمل قيمة حقيقية للدراما وللمشاهد، وتعالج القضية بشكل حقيقي.

وختم الشناوي حديثه قائلا: هناك قاعدة معروفة وهى أنه إذا زاد الشيء على حده انقلب ضده، بمعنى أنه لو زادت جرعة العنف أو الأكشن على حدها تصل بالجمهور إلى مرحلة التشبع وأخيرا النفور.

«اعتقاد خاطىء»

ويرى الناقد الفنى محمود قاسم أنه من الأخطاء الشائعة لدى بعض السينمائيين هو اعتقادهم بأن أفلام العنف بضاعة رائجة فى السينما، يقبل عليها المشاهد والمعلن على السواء.

ويؤكد قاسم أن السينما صورة من الواقع وربما تسبقه أحياناً، فلو نظرنا إلى الجرائم البشعة التى تحدث اليوم، وقرأنا صفحات الحوادث سنجدها مليئة بالعنف والدموية، والسينما من جانبها تجسّد تلك الحوادث أو الجرائم بتفاصيلها وأبعادها كافة.

واستطرد قاسم حديثه قائلا: الخطورة تكمن فى تجسيد السينما للعنف بصورة نافرة أكثر من الواقع، وهذا يعود إلى تأثر عدد كبير من المخرجين المصريين منذ بداية ثمانينيات القرن الماضى بالسينما الأمريكية، وتحديداً مع أفلام الحركة والمطاردات.

وختم الناقد الفنى حديثه:« وجود العنف على أرض الواقع حتمى، وبالتالى نراه على الشاشة، لأنه موجود فى قطاعات المجتمع كلها وبأشكال مختلفة، ما يجعل تصديره إلى الفن أمرا واردا، فى أحيان كثيرة تبدو الصورة أكثر مبالغة عما يحدث واقعيا وغير قابلة للتصديق، لكن تجسيده فى السينما أو الدراما مسألة طبيعية لا يجب أن نشعر بالقلق تجاهها، من أجل معالجة القضية من الأساس»