الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

«الدبلوماسية الرئاسية».. النموذج الملهم

  • 10-12-2022 | 21:13
طباعة

النجاحات الكبيرة التى تحققها الدبلوماسية الرئاسية فى بناء علاقات قوية، وشراكة استراتيجية مع دول العالم خاصة القوى الكبرى تجسد عبقرية السياسة الدولية المصرية فالقاهرة بسياساتها وثوابتها ومصداقيتها تربطها علاقات قوية مع القوى الكبرى تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، واحترام السيادة، فما بين مشاركة الرئيس السيسى فى القمة العربية ــ الصينية ومشاركته خلال هذا الأسبوع فى القمة الأمريكية ــ الإفريقية.. يحمل الكثير من الرسائل التى تجسد فى النهاية ملامح السياسة المصرية الدولية وعبقرية الدبلوماسية الرئاسية.. التى تفوقت فى بناء علاقات وشراكات استراتيجية مع واشنطن، وبكين وموسكو وأوروبا رغم اختلاف التوجهات، وما يشوب علاقاتها البينية من توجهات مختلفة.
 
السياسات العربية والإفريقية فى التعاطى مع دول العالم خاصة الكبار.. باتت تنطلق من قاعدة النموذج المصرى فى ترسيخ التوازن والانفتاح على الجميع، وعدم الاستجابة لمحاولات الاستقطاب الدولى الحاد، إنها مدرسة مصرية جديدة.


 «الدبلوماسية الرئاسية».. النموذج الملهم

استوقفنى حدثان مهمان يجسدان عمق وعبقرية السياسة الدولية المصرية التى تمضى بميزان من ذهب، من خلال رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأول مشاركة الرئيس السيسى فى القمة العربية ــ الصينية التى استضافتها المملكة العربية السعودية، وتوجيه الأمير محمد بن سلمان ولى عهد المملكة العربية السعودية الشكر والتقدير للرئيس السيسى لمساهمته فى إنجاح القمة العربية ــ الصينية وجاءت كلمة الرئيس السيسى فى القمة قوية ومعبرة عن عمق العلاقات العربية ــ الصينية، ووضع مبادئ مهمة لمنظومة العمل الدولى والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الإقليمى والدولى وسبل حل الأزمات فى المنطقة، والتعاون الدولى لمجابهة تداعيات الأزمات العالمية خاصة الأمن الغذائى والمائى والطاقة، وأهمية التوجه والتعاون نحو البناء والتنمية المستدامة وإيجاد نظام دولى يرتكز على العدالة وميثاق الأمم المتحدة.
الحدث الثانى المهم، وينطلق خلال ساعات هو القمة «الأمريكية ــ الإفريقية» بمشاركة وحضور الرئيس السيسى والتى تركز على قضايا دعم الفرص الاقتصادية لتجاوز آثار جائحة كورونا ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف مع البيئة والانتقال العادل للطاقة، بالإضافة إلى قضايا وشواغل إفريقية أخري، لتجسد اختلاف السياسات والتوجهات والنظرة الأمريكية لإفريقيا فى ظل التنافس مع الصين وروسيا على قلب القارة السمراء التى تعد ركيزة المستقبل فى مجال الاقتصاد والتنمية.
أتوقف عند ثلاث نقاط مهمة فى حضور مصر ومشاركتها ومساهمتها فى إنجاح القمة العربية ــ الصينية وتوجهها للمشاركة فى القمة الأمريكية ــ الصينية وقبل ذلك رصيد من العلاقات القوية والتى تمثل الشراكات الشاملة مع الصين وأمريكا وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى علاقات قوية مع الأشقاء العرب والأفارقة كالتالي:ــ
الأولى: قدرة مصر على بناء علاقات دولية ترتكز على التوازن، والشراكة رغم أنه قد يكون هناك خلافات وصراعات بين هذه الدول وبعضها البعض، إلا أن مصر تحتفظ بعلاقات يسودها الاحترام المتبادل والندية والشراكات الاستراتيجية والدليل على ما أقول علاقات مصر القوية والتاريخية مع الصين، وروسيا وفى نفس الوقت مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والدول الأوروبية، وهو نجاح كبير، وإنجاز فريد فى ظل حالة الاستقطاب الدولى الحاد.. إلا أن مصر احتفظت بمبادئ، وثوابت لم تحد عنها على الإطلاق، حيث جعلت علاقاتها مع القوى الكبرى المتصارعة، فى أقوى حالاتها، فى إطار من العلاقات التى تتسم بالشراكة الاستراتيجية وتبادل المصالح المشتركة فى نفس الوقت فى ظل احترام متبادل للسيادة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
الحقيقة أن هذا البند لابد أن يحظى باهتمام أكبر وأوسع من المفكرين والسياسيين والمثقفين، لشرح أبعاد هذا الإنجاز والتوثيق والتأريخ له، وأيضاً ثمار هذه السياسات الذكية.
ثانياً: إن مصر على مدار 8 سنوات أصبحت جزءاً لا غنى عنه فى المنظومة الدولية، وركيزة المنظومة الإقليمية وحاضرة فى كل القمم والمحافل الدولية بقوة وتوهج، وتشترك بفاعلية ورؤية ولديها ما تطرحه، فلم تأت من فراغ دعوة مصر لحضور القمم العربية ــ الصينية أو الأمريكية ــ الإفريقية أو مجموعة الصين وقبلها عشرات القمم والفعاليات الدولية التى يتحدث فيها الرئيس السيسى بشموخ مصرى ويضع حلولاً ورؤى مصرية لمواجهة التحديات والتهديدات الدوليةالتى تؤثر سلباً على حالة الأمن والسلم الإقليمى والدولي.
ثالثاً: توجهات السياسات العربية ــ الإفريقية على الصعيد الدولى تنطلق من قاعدة السياسة الدولية المصرية، وثوابتها وعدم استجابتها لحالة الاستقطاب الدولي، فالعرب يتجهون إلى السياسات الدولية  المتوازنة، وعدم الوقوع كأسرى لأحد المعسكرات على حساب المعسكر الآخر، فباتوا أكثر قرباً من الجميع وعلى مسافة متساوية من الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا يبحثون عن مصالحهم وما يحقق تطلعات الشعوب العربية ويحفظ للأمة أمنها واستقرارها وسلامتها، ويعزز قوة وقدرة الأمة العربية فى مواجهة التحديات والتهديدات.
لم يعد العرب يعبأون بمحاولات فرض الهيمنة والإملاءات و التابوهات التى لا تناسب الأمة العربية التى لديها حضارة وقيم ومبادئ ذات خصوصية شديدة.. ولم يعد العرب أيضاً يبالون بمحاولات فرض أنماط شاذة من الثقافات والسلوكيات وأصبحت لديهم رؤيتهم وتصورهم الخاص حيال قضايا معينة مثل حقوق الإنسان التى اعتبرها الغرب فزاعة، رغم أنهم غارقون فى الازدواجية، والانفصام السياسى يخرجون علينا، بشعارات لا يطبقونها فى بلدانهم.. فعلى سبيل المثال نجد رئيس الوزراء البريطانى ريش سوناك يقول «اجتمعت مع جميع رؤساء الشرطة لأوضح لهم أنهم يحظون بدعمى الكامل للتعامل بحسم مع المظاهرات غير القانونية» فمن غير المقبول أن تضطرب حياة المواطنين العاديين بسبب أقليات أنانية فمن وجهة نظرى أن هؤلاء الذين يخرقون القانون ينبغى أن يشعروا بالقوة الكاملة له وذلك ما أصر على تحقيقه.. وأكد سوناك أنه منح ضباط الشرطة صلاحيات أو سلطات جديدة تمكنهم من مواجهة هذه التظاهرات وكرر دعمه فى التعامل بحسم وسرعة مع تلك الاحتجاجات.. وسبقه إلى ذلك رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون عندما قال: عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا فلا تسألنى عن حقوق الإنسان.. ولعل ما حدث فى فرنسا فى احتجاجات السترات الصفراء من قمع وسحل واعتقال لا يظهر أى مبالاة بحقوق الإنسان ثم ما حدث فى أحداث محاولات اقتحام الكونجرس الأمريكي، ولك أن تتخيل إذا وقعت مثل هذه التظاهرات والاحتجاجات غير القانونية فى دول أخري، تجد على الفور التشويه والمثالية المزعومة من الغرب والتشدق بحقوق الإنسان، والإدانات والتقارير المفبركة لنكتشف فى النهاية أننا أمام ازدواجية غريبة وشاذة ومريضة ينطبق عليها القول يقولون ما لا يفعلون.
أعود لموضوعى الأساسي، وهو عبقرية السياسة الدولية المصرية فى توازنها وثوابتها، وعدم تورطها فى الانحياز لمعسكر على حساب آخر وعدم استجابتها لمحاولات الاستقطاب الدولى الحاد، لكن المدهش هو انعكاس سياسة مصر الدولية على السياسات العربية والإفريقية فى تعاطيها مع المجتمع الدولى والقوى الكبرى ورفضها القاطع لمحاولات التدخل فى الشئون الداخلية.. أو الابتزاز بملف حقوق الإنسان، أو فرض الإملاءات أو إبداء النصائح حول منظومات القيم والأخلاق التى تمثل خصوصية شديدة فى المجتمعات الشرقية والعربية وتختلف عن الأنماط الغربية.
فى كلمة الرئيس السيسى فى القمة العربية ــ الصينية، نتوقف بالقراءة عند الكثير من الرسائل المهمة، التى تعكس المبادئ والثوابت المصرية، والتى ترسم ملامح ومعالم نظام دولى جديد يقوم على العدل و الاحترام المتبادل بين الدول والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلام وإنهاء الأزمات والتحديات السياسية وأيضاً أزمات الغذاء والطاقة والمياه.
ويضع الرئيس السيسى إطاراً أخلاقياً شريفاً لتعظيم التعاون والشراكات وإرساء السلام والاستقرار كالتالي:
أولاً: إقرار نظام عالمى أكثر عدالة يتأسس على القيم الإنسانية وقواعد القانون الدولي.
ثانياً: تعظيم الاهتمام بمفهوم الدولة الوطنية بكامل أركانها والتوازن بين الجانين المادى والروحى للوجود الإنساني.
ثالثاً: تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية.
رابعاً: تقديم أولويات  حفظ الأمن والسلم الدوليين وصيانة النظام الدولى المرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
خامساً: ايجاد حلول سياسية للأزمات الدولية والإقليمية.
سادساً: احترام خصوصية الشعوب وحقها فى الاختيار دون وصاية أو تدخلات خارجية.
سابعاً: رفض التسييس لقضايا حقوق الإنسان، وهى آفة يعانى منها الغرب الغارق فى الازدواجية.
ثامناً: تعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات والتعاون فى مواجهة تحديات التغير المناخى وتفشى الأوبئة وانتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة كلما وجدت وأينما كانت.
لذلك نحن أمام خارطة طريق تضم مباديء ومحاور إنسانية وأخلاقية لتعيد للعالم أمنه واستقراره وتنهى فصول الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية.
تاسعاً: العالم يواجه متغيرات دولية وأزمات عالمية متعاقبة تلقى بتداعيات وتحديات بالغة الخطورة تستوجب أهمية استدعاء كافة قدرات التعاون الكامنة بين الأصدقاء والأشقاء.
عاشراً: اخطر ما يواجه العالم خاصة الدول النامية حالياً أزمة الغذاء وتبعاتها، ومن المهم لمواجهة هذا التحدى تعزيز أطر التعاون متعدد الأطراف لتطوير الاستجابة الدولية السريعة والفعالة لحاجات الدول النامية من خلال تطوير الزراعة والصناعات الغذائية ونقل وتوطين التكنولوجيا وبناء القدرات وتحسين البنية التحتية فى المناطق الريفية ونقل تكنولوجيا الزراعة ونظم الرى الحديثة المستدامة، وهو ما يمثل جل الرؤية المصرية فى البناء والتنمية على مدار ٨ سنوات.
حادى عشر: لابد من دفع المجتمع الدولى لتخفيف عبء الديون على الدول التى تعانى من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة، فقد أثقلت الأزمات العالمية كاهل الدول النامية وموازناتها الحكومية بالإضافة إلى أهمية تعزيز النظام التجارى متعدد الأطراف القائم على القواعد وإعادة صياغة أطر حوكمة الاقتصاد الدولى والمؤسسات المالية الدولية لتكون أكثر عدالة وشفافية لتشمل الجميع ولا تستبعد الدول النامية وتكون أكثر استجابة للتحديات التى تواجه تلك الدول.
ثانى عشر: رغم الاستقطاب الدولى الحاد نجحت مصر فى قمة المناخ العالمية التى استضافتها بشرم الشيخ فى اقناع المجتمع الدولى بالتوصل إلى توافق دولى حول عدد كبير من القضايا والأمور الحيوية وهي:
ــ إنشاء صندوق الخسائر والاضرار.
ــ الاتفاق على خطوات جادة لتفعيل وتنفيذ التعهدات الدولية الخاصة بالتمويل.
ــ الاتفاق على إجراءات التكيف والتخفيف.
ثالث عشر: معالجة الأزمات فى سوريا وليببا واليمن تشكل أهمية قصوي، استناداً إلى مبدأ أو قاعدة احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
رابع عشر: مكافحة ومواجهة الإرهاب بتكاتف دولى بكافة صور وأشكال الإرهاب وانهاء معاناة الشعوب واحلال الأمن والسلام وتعظيم أولويات التنمية على الصراع والتنازع.
خامس عشر: قضية الأمن المائى العربى ترقى إلى حد التهديدات الوجودية لذلك لابد من التعاون لمواجهة هذا التحدى بمختلف الأدوات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية وفى هذا الإطار جدد الرئيس السيسى دعوته للاثيوبيين للانخراط بحسن النية الواجب مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يؤمن للأجيال الحالية والمستقبلية حقها فى التنمية ويجنبها ما يهدد استقرارها وأمنها وسلامتها.. وفى اعتقادى أن الرسالة واضحة فنحن أمام اختيارين لا ثالث لهما طريق البناء والتنمية وطريق يؤدى إلى عدم الاستقرار والأمن والسلام.. ومصر دائماً تسعى إلى السلام والبناء والتنمية.
الحقيقة أن هناك ابداعاً فريداً ترسمه الدبلوماسية الرئاسية فى ملف السياسة الدولية المصرية وعلاقتها بالعالم خاصة القوى الكبري.. والسؤال المهم كيف نجحت مصر باقتدار فى أن تحتفظ بعلاقات قوية من الصداقة والتعاون ترقى إلى الشراكة الاستراتيجية مع القوى الكبرى التى تعانى من وجود صراعات ونزاعات بينها، وتتمتع مصر رغم ذلك بعلاقات قوية من الاحترام المتبادل والندية والمصالح المشتركة وكيف انطلقت التوجهات الدولية والأفريقية فى علاقاتها الدولية مستلهمة روح ومباديء وثوابت السياسة المصرية التى لا تميل أبداً إلى الانحياز ولا تقبل الاستقطاب ولكنها تحظى بعلاقات قوية ومتوازنة مع الجميع لنرى القاهرة فى علاقات قوية وشراكة استراتيجية مع واشنطن وبكين وموسكو وبروكسل والعواصم الأوروبية الأخري.
نحن أمام انجاز كبير حقق لمصر مكانة عظيمة وثقلاً ومصداقية دولية فريدة، بالإضافة إلى الاستفادة من امكانيات وقدرات وخبرات وتجارب متقدمة فى دعم مسيرة البناء والتنمية وتجربة مصر الملهمة.
الحقيقة ان الرئيس السيسى نجح فى قيادة مصر إلى مكانة دولية وإقليمية مرموقة، وسطرت الدبلوماسية الرئاسية، مدرسة جديدة لتعليم اصول السياسة والدبلوماسية الدولية وبناء علاقات وشراكات استراتيجية مع القوى الكبرى فى العالم ترتكز على الصدق والشرف وعدم الاستجابة لمحاولات الاستقطاب والاصرار على مباديء السيادة واحترام الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية والحرص على التعاون وبناء المصالح المشتركة من أجل التنمية والبناء والأمن والاستقرار والسلام وحل الأزمات والصراعات وفق تسويات سلمية وسياسية لتعظيم التنمية بدلاً من الصراع والتنازع وهو أمر يهدر الوقت والموارد والثروات ويضيع فرص ثمينة للبناء والتنمية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة