تحل اليوم الذكرى المئوية للعلاقات «المصرية - الأمريكية»، التي تمتد جذورها إلى القرن التاسع عشر، وتعود بداية هذه العلاقات إلى توقيع المعاهدة الأمريكية – التركية التجارية في 7 مايو 1830، حيث كانت العلاقات الأمريكية بمصر محدودة عندما كانت الأخيرة تحت حكم الدولة العثمانية وبريطانيا.
مراحل من العلاقات المصرية الأمريكية
وجاء أول تمثيل أمريكي في مصر بالإسكندرية في 12 يناير 1832، وكان الوكيل القنصلي بريطاني يدعى جون جليدون، وفي أبريل 1947، زار رئيس أركان الجيش المصري القواعد العسكرية والمصانع الأمريكية، وفي سبتمبر 1947 طلبت مصر رسمياً بعثة عسكرية أمريكية لتدريب القوات المصرية.
وبداية من سنة 1965، تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بعد المساندة الأمريكية لإسرائيل في عدوانها على مصر في 5 يونيو 1967.
وتم استئناف العلاقات بين مصر والولايات المتحدة في مارس 1974، ومنذ استئناف العلاقات بين البلدين وهناك إدراك متبادل بأهمية كل منهما للآخر، وأن الحفاظ على علاقات طيبة بينهما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.
وتنوعت العلاقات المصرية الأمريكية بين مختلف المجالات خلال العقود الثلاث الأخيرة من القرن العشرين من التى نرصد بعضها فيما يلي:
العلاقات السياسية
جرت أول محاولة في هذا المجال في عامي 1988 و1989 بعقد جلستين في القاهرة وواشنطن للتحاور حول القضايا السياسية الدولية والإقليمية علي مستوي الخبراء من الجانبين، غير أن هذا الحوار توقف بعد الغزو العراقي للكويت.
وفي يوليو 1998 تم إحياء فكرة الحوار الإستراتيجي بين الدولتين في أول جولة للحوار في واشنطن، ثم عقدت الجولة الثانية في القاهرة في ديسمبر 1998، تلاها الجولة الثالثة في فبراير عام 1999 بواشنطن.
ومع بداية الألفية الثالثة اكتسب الحوار الإستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة أبعاداً علي درجة كبيرة من الأهمية، ً لخطورة تطور الأوضاع في المنطقة وضرورة وضع قاعدة للمصالح المشتركة من خلال لقاءات وتشاورات مستمرة بين البلدين، وعدم الاكتفاء بلقاء واحد كل عام، نظم هذه اللقاءات وزيرا خارجية البلدين.
وقد حرصت مصر والولايات المتحدة معا على تحديد ثلاثة أهداف كبرى لتعاونهما وهي: السلام والاستقرار الإقليمي ـ التصدي للإرهاب ـ الإصلاح الاقتصادي.. كما قررت الدولتان مجالات العمل المشترك وهي: التحالف الإستراتيجي _ الالتزام بالسلام_ تنفيذ برنامج وطني مصري للإصلاح الاقتصادي
العلاقات الاقتصادية
ترجع بداية المساعدات الأمريكية لمصر إلي أوائل سنوات ثورة يوليو عام 1952 وبالتحديد عقب صدور القانون الأمريكي العام للمعونة رقم 480 لسنة 1953 والذي تم إقراره بدافع المحافظة علي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلي أن قامت الولايات المتحدة في أواخر عام 1956 بتجميد المعونة وسحب عرضها لتمويل مشروع السد العالي لعقد مصر صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا.
وفي عام 1974 ومع عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة طلب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون من الكونجرس اعتماد مبلغ 250 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر توزع بين تطهير قناة السويس وتعمير مدن القناة وأيضاً لشراء المنتجات الغذائية والصناعية.
وفي يناير1988 خلال زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة، وافقت الإدارة الأمريكية علي تعديل نظام تقديم المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر لتحصل عليها نقداً، بعد ذلك تطور التعاون الاقتصادي بين البلدين ليشمل مجالات عديدة وأصبحت مشاركة الولايات المتحدة في تنمية ودعم المشروعات الإنتاجية والصناعية المصرية مؤشراً هاماً يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية في كافة المجالات.
وفي سبتمبر عام 1994 وأثناء زيارة آل جور نائب الرئيس الأمريكي لمصر لحضور مؤتمر السكان تم التوقيع علي مشروع اتفاقية الشراكة من أجل النمو الاقتصادي والتنمية، حيث تم تشكيل ثلاث لجان تتولي تنفيذ اتفاق المشاركة بين البلدين وهي: اللجنة المشتركة للتنمية الاقتصادية ـ المجلس المشترك للعلم والتكنولوجيا ـ المجلـس الرئاسي المصري الأمريكي.. بالإضافة إلى عدد من اللجان الفرعية في مجالات البيئة والتعليم والتجارة والتكنولوجيا.
العلاقات العسكرية
بدأت العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1976، وما لبثت هذه العلاقات أن تطورت حتى أصبحت مصر تحتل المركز الثاني في قائمة الدول التي تتلقي معونات عسكرية أمريكية بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين يتم بمقتضاه تنفيذ خطة تطوير القوات المسلحة المصرية، والذي أصبحت مصر بموجبه من بين الدول التي تستطيع الحصول علي قروض أمريكية لشراء سلاح أمريكي وهي القروض المعروفة باسم قروض المبيعات العسكرية الأجنبية.
واستمراراً لهذه العلاقات بدأت منذ عام 1994 المناورات العسكرية الأمريكية المشتركة المعروفة باسم «النجم الساطع» حيث جرت أكثر من مناورة شاركت فيها قوات عسكرية من الجانبين، استهدفت التدريب علي العمليات الهجومية والدفاعية الليلية والنهارية وتدريب القوات الأمريكية علي العمليات القتالية في الظروف الصحراوية في الشرق الأوسط.
العلاقات المصرية الأمريكية في عهد السيسي
تبنت القيادة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجها جديدا في السياسة الخارجية المصرية، حيث أولى أهمية كبيرة للتوازن في علاقات مصر الدولية من خلال نظرة استراتيجية للولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة، والتأكيد على التزام مصر بشراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وحرصها على تنميتها وتعزيزها في مختلف المجالات، استنادا للأهمية الاستراتيجية المتبادلة بين البلدين، حيث تربطهما علاقات قديمة تتميز بخصوصية شديدة تنبع من حجم المصالح المشتركة والتشابكات المختلفة التى تربط بينهما منذ القرن الـ19.
كما أن الرؤية المصرية الجديدة تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة انعكست في تصريحات ولقاءات الرئيس السيسي التي ركزت على أن العلاقات المصرية الأمريكية، هى علاقات استراتيجية تقوم على ثوابت يحرص عليها الطرفان، والتأكيد على تفهم الأمريكيين خلال السنوات الثلاث الماضية لحقائق الوضع فى مصر، وسياستها التى تتسم بالتعقل والتوازن والحرص على تلك العلاقات.
ويشار إلى أن مستقبل هذه العلاقات جيد في ضوء أنه كلما يمر الوقت تتحسن الأمور، وتأكيد الرئيس السيسي اعتزاز مصر بعلاقات الشراكة مع الولايات المتحدة ومسيرة التعاون الممتدة عبر عقود، فضلا عن أهمية الارتقاء بتلك العلاقات إلى مرحلة جديدة تتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة وما تفرضه من تحديات ومخاطر، ومرحبا بنتائج الحوار الاستراتيجى بين البلدين الذى عقد خلال شهر أغسطس 2015، حيث عكست تلك النتائج حرص الجانبين على دعم الشراكة والتعاون بينهما فى مختلف المجالات.
وقد شهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطورا كبيرا خلال العقود الثلاث الأخيرة من القرن الـ20 من خلال التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث عملت دبلوماسية الدولتين على إيجاد إطار مؤسسي يتسم بصفة الاستمرارية، وهو ما يطلق عليه "الحوار الاستراتيجي"، لتحقيق التفاهم بين البلدين بمعزل عن التفاصيل اليومية لإدارة العلاقات المصرية - الأمريكية.
القمة الافريقية الأمريكية
وفي ذات السياق تنطلق فعاليات القمة الإفريقية الأمريكية، التي تجمع قمة قادة الولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا من مختلف أنحاء القارة الأفريقية، اليوم الثلاثاء، في واشنطن وتستمر حتى 15 ديسمبر 2022.
وتناقش القمة مجموعة من الملفات الهامة بهدف تعزيز التعاون والعلاقات بين القارة السمراء وواشنطن، بمشاركة نحو 50 من قادة الدول الأفريقية.
كما تتطرق لقضايا التخفيف من تأثير وباء كوفيد-19 والأوبئة المستقبلية، والعمل بشكل تعاوني لتعزيز الصحة الإقليمية والعالمية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتعزيز السلام والأمن، والاستجابة لأزمة المناخ.
ومن المتوقع أن تجمع القمة الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص؛ للسعي إلى تحقيق رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وأكد الرئيس السيسي فى العديد من الفعاليات، إستراتيجية العلاقات الممتدة منذ عقود بين مصر والولايات المتحدة، وحرص مصر على تعزيز تلك العلاقات بكل جوانبها، وذلك في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، لاسيما في ظل الواقع الإقليمي المضطرب في المنطقة وما يفرزه من تحديات متصاعدة، وعلى رأسها عدم الاستقرار وخطر الإرهاب، فضلاً عن التداعيات السلبية على الاقتصاد وأمن الطاقة والغذاء التي سببتها العديد من الأزمات العالمية المتلاحقة وعلى رأسها جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يستدعي التكاتف لمواجهة تلك التداعيات.