الخميس 25 ابريل 2024

فساد من نوع خاص

مقالات15-12-2022 | 13:01

توجد قناعة عند الكثيرين ويمكن ملاحظة ذلك على وسائط السوشيال ميديا أن المجتمعات الغربية مجتمعات شبه خالية من الفساد بكافة أنواعه من سياسى إلى اجتماعى إلى اقتصادى كأن من يعيش فى هذه البلاد ملائكة وليسوا بشرًا. دائما ما تحدث المقارنات بين الحال هنا وهناك وتجد أغلب من يعقدون هذه المقارنات لم يتابعوا أى وقائع متعلقة بالفساد فى هذه المجتمعات ولا يعلمون أن روائح الفساد فى الغرب تزكم الأنوف والكشف عن هذه الوقائع لا يحدث إلا فى ظروف خاصة سببها الصراع السياسى بين أطراف متعددة كعملية تصفية حسابات أما إذا جلس المتصارعون على طاولة واحدة وعقدوا الصفقات فيما بينهم تعود ملفات الفساد إلى الإدراج فى هدوء ويختفى المفسدون فى ظروف غامضة بعيدًا عن أى قضاء أو هيئات رقابية.هذه الصورة حول ملائكية المجتمعات الغربية وخلوها من الفساد لم تصنع صدفة وبناء هذه القناعة عند بعض من يستعملون وسائط السوشيال ميديا ورائها حملات دعاية سوداء منظمة تقف خلفها الفاشية الإخوانية وغرض الفاشية واضح من وراء هذه الحملات و هو التشكيك وهز الثقة فى مؤسسات الدولة الوطنية عن طريق عقد مقارنات مغلوطة واستخدام معلومات كاذبة تحاول التأثير فى المتلقين لتشعرهم بأن دولتهم لا تحارب الفساد كما يحدث فى بلاد الغرب الملائكية. كعادة حملات الدعاية السوداء على السوشيال ميديا فهى تتحرك بشكل ممنهج ومستمر لترسيخ قناعات معينة عند المتلقى وعلامة التأثير لهذه الحملات تظهر فى تحليل التعليقات والتفاعل معها فإما يصاب المتلقون بحالة من الإحباط وفقدان الثقة فى أن مجتمعاتهم لا تستطيع فى يوم ما الوصول إلى الحالة المثالية الموجودة فى المجتمعات الغربية أو الانبهار بهذه المثالية المزعومة، بالتأكيد هناك من يشكك فى صدقية المعلومات المزيفة التى تروج لها هذه الحملات الدعائية الموجهة، لكن على الفور تجد مطاردة لهذه الأصوات العاقلة الواعية من لجان الفاشية على وسائط السوشيال ميديا لأجل أن تستمر الحملة السوداء فى تنفيذ أغراضها. لا تتيح وسائط السوشيال ميديا التحليل الدقيق للحدث أو الظاهرة التى يراد إلقاء الضوء عليها لأن الحملات الموجهة والمستمرة تستخدم المعلومات المبتورة والإثارة بلا مضمون وصناعة الصدمة والضجة فى زمن ومدد لا تتجاوز الساعات والأيام أو ما يمكن أن يطلق عليه أسلوب التريند لكن مع مرور الوقت وتراكم الصدمات والتشويش على الحقائق تبدأ المعلومات المزيفة تتحول إلى معلومات أصيلة والإثارة الفارغة تصبح أمرًا عقلانيًا وطبيعيًا وتؤدى الصدمات المتوالية إلى إصابة المتلقى بحالة من الخنوع فيتقبل كل ماهو معروض عليه دون نقد. بعيدا عن الدعاية السوداء الموجهة عندما تبدأ تحليل وقائع الفساد بكافة أنواعه داخل المجتمعات الغربية نجد أننا أمام فساد من نوع خاص فهو فساد متأصل ومؤسسى وهناك من يحميه ويعمل دائمًا على تسوية النزاعات بين المفسدين المتصارعين وإخفاء أثر هذا الفساد حتى لو وصل الأمر لارتكاب جرائم القتل والحقيقة أن نماذج قضايا الفساد فى الغرب متنوعة ومتعددة المستويات من حيث درجة خطورتها وحجم الوقائع المخزية فيها. لاداعى للعودة إلى تاريخ بعيد من أجل ملاحقة نماذج هذه القضايا فقبل ثلاثة أعوام تم إلقاء القبض على الملياردير جيفرى أبستين فى الولايات المتحدة بتهمة الإتجار فى البشر وتحديدًا استخدام القاصرات فى تجارة الجنس، عندما تنظر فى تاريخ ابستين الشخصى تنتهى على الفور فكرة المجتمع الصالح الذى يعطى الفرصة للناجحين فابستين لم يكمل تعليمه وعن طريق علاقات غامضة بينه والطبقة الغنية فى مدينة نيويورك يتحول الشاب الفقير إلى ملياردير يدير شركة للاستثمار المالى تتولى إدارة أموال هؤلاء الأغنياء مقابل أرباح يحققها لنفسه بالتأكيد الأسئلة لا محل لها من الإجابة كيف لأباطرة المال أن يجدوا فى شاب لم يكمل تعليمه خبيرًا فى إدارة أجزاء من ثرواتهم؟ الإجابة الوحيدة المعقولة أنه كان يقدم خدمات لايمكن لغيره أن يقدمها لإرضاء رغبات بالتأكيد غير طبيعية عند من يعطونه المال، امتلك ابستين القصور والمنتجعات وجزيرة والطائرات الخاصة والأهم تطوير العلاقات مع طبقة جديدة وهى طبقة السياسيين حيث كان على اتصال بآل كلينتون ودونالد ترامب و أوباما و وأقوى السياسيين فى الولايات المتحدة ورغم اللختلاف السياسى الذى يصل إلى درجة العداء بين هذه الشخصيات إلا أنهم لم يختلفوا على ابستين وخدماته وغير السياسيين كان نجوم هوليوود واباطرة شركات المعلومات وعلى رأسهم بيل جيتس بعد إلقاء القبض على ابستين ستقول إن الفساد لم يستمر وتمت مواجهته لكن الحقيقة غير هذا فابستين قبل إلقاء القبض عليه بأكثر من عشر سنوات وجهت له أسرة فقيرة اتهامًا بأنه استغل ابنتهم القاصر التى لم يتجاوز عمرها 14 عامًا ورغم كل الدلائل التى تثبت تورطه فى هذه الجريمة تم تسوية القضية فى اتفاق سرى اعتبر سابقة فى تاريخ القضاء الأمريكى، أما لماذا أعيد القبض عليه فالأمر ليس له علاقة بأعماله القذرة بل بالحرب السياسية التى بدأت تشتعل مع قرب موعد الانتخابات الأمريكية بين ترامب وبايدن وفجأة تتحرك الآلة الدعائية التابعة للمعولمين فى الولايات المتحدة وتربط بين ابستين ودونالد ترامب الرئيس وقتها للقضاء عليه سياسيًا، وتصور المعولمون أن خطتهم نجحت بسبب تصريحات ترامب الحمقاء بعد أن قال إن ابستين صديقه بالفعل رغم أن الصداقة الحقيقية لابستين كانت مع الجانب الآخر الذى قرر حرقه من أجل الفوز بالانتخابات وكادت الخطة أن تنجح لكن من أفشلها هو ابستين نفسه بعد بدأ يعلن عن طريق محاميه أنه يملك أوراقًا على الجميع وسيفضح الجميع ،هنا وجدت الطبقة السياسية الأمريكية أن الكل سيخسر بسبب هذا الثرثار ابستين ،بعد سجنه بأيام قليلة وجد ابستين "منتحرا" ليغلق الملف بالكامل. عندما تعبر الأطلنطى ونذهب إلى أوروبا فالآن تتفجر فضيحة من العيار الثقيل داخل البرلمان الأوروبى فعدد من المنتمين لهذه المؤسسة السياسية التى صدعتنا بصياحها حول حقوق الإنسان يتلقون الرشاوى والهدايا من أجل الإشادة بهؤلاء أو الهجوم على آخرين من خلال التقارير التى يصدرها البرلمان بمعنى آخر ادفع وعلى المرتشين كتابة ما تريده وفى أى وقت، لكن هل كانت النزاهة هى الدافع لكشف هذه الفضيحة ؟ إنها نفس لعبة السياسة وليست النزاهة فمع صعود تيارات اليمين فى أوروبا ووصولها إلى السلطة فى العديد من الدول الأوروبية أو أصبحت رقمًا مؤثرًا فى معادلة الحكم قررت تصفية الحسابات مع خصومها من اليسار فكل المتورطين فى فضيحة البرلمان الأوروبى من اليسار، ووقائع قضية الفساد الأوروبية مخزية و المتورطين فيها وصلوا إلى درجة العصابات المنظمة فى إدارة هذه الأعمال وحصلوا مقابلها على أموال طائلة ويكفى أن نائبة رئيسة البرلمان عثر فى منزلها ومنزل أسرتها على أكياس مكدسة بالأموال. بالعودة مرة أخرى إلى الولايات المتحد فهناك أيضا فضيحة سياسية تجرى أحداثها الآن وتمس كل قيم الديمقراطية التى تتغنى بها واشنطن، وهى فضيحة ملفات تويتر التى نشرها ايلون ماسك صاحب تويتر الجديد أو أعطاها للصحفى مات تيبى لينشرها على الموقع، وباختصار منعت إدارة تويتر السابقة الموالية لبايدن وتحديد لنائبته كامالا هاريس نشر أى معلومات عن فضيحة ابن الرئيس هانتر بايدن المتورط فى قضايا فساد دولية وأن هذا المنع لم يتوقف فقط على قضية هانتر بايدن بل كل مايمس جو بايدن أثناء حملته الانتخابية وبعد فوزه أيضا، ومن أشرف على هذه العملية هى رئيسة الشئون القانونية والسياسات داخل الموقع فايجاى غاد صديقة كامالا هاريس والمتبرعة الدائمة فى حملاتها الانتخابية وكانت فايجاى أول من طردهم ماسك بعد أن اشترى تويتر بـ 44 مليار دولار.لم يتغير السبب الذى كان وراء كشف هذه الفضيحة التى تثبت بلا شك أن حرية الرأى داخل واشنطن لها حسابات فالأمرلايتعلق بشفافية أو نزاهة، فالكشف تم لأن أيلون ماسك هو العدو اللدود لتيار اليسار المعولم وأن معركة شراء تويتر أو السيطرة عليه من ماسك ومن ورائه كان هدفها طرد الوجود اليسارى المعولم من هذا الموقع الأكثر أهمية بين وسائط التواصل الاجتماعى، كما هو معتاد على الطريقة الغربية سيصل المتصارعون إلى صفقة تنهى الأزمة حتى لوكان الثمن اختفاء البعض أو "انتحار" آخرين فى ظروف أكثر غموضًا. قد يظن البعض أن هذا المستوى من الفساد طارئ على المجتمعات الغربية لكن تاريخ الغرب منذ الحقبة الاستعمارية يقول إن اللصوصية وسرقة أموال الشعوب المستضعفة ونشر الفساد فيها طابع أصيل فى هذا الغرب المتبجح بإدعاء النزاهة ويكفى أن أكبر تاجر مخدرات فى التاريخ هو بريطانيا العظمى وانضمت لها بعد ذلك فرنسا والولايات المتحدة الذين فرضواعلى الامبراطورية الصينية فى القرن الـ 19 زراعة الأفيون وشرائه منهم بقوة السلاح والاساطيل وحولوا الشعب الصينى الى مدمن مخدرات لتمتلئ خزائن لندن وباريس وواشنطن بأطنان من الذهب من وراء بيع هذه السموم على حساب تدمير أمة بكاملها .الحقيقة أن الغرب حاضر ومنذ القدم له تاريخ مشين فى اللصوصية ونشر الفساد ولا عزاء للمنبهرين والسائرين وراء الدعاية السوداء بلاعقل أو وعى.
Dr.Randa
Dr.Radwa