الخميس 16 مايو 2024

مكاسب المونديال

مقالات19-12-2022 | 14:03

كان للمونديال الأخير وقعا إيجابيا على نفسية المواطنين في عالمنا العربي. واتضح ذلك من خلال التظاهرات العفوية المؤيدة للمنتخب المغربي، الذي وقع على حضور غير مسبوق من شأنه أن يغير الكثير من الأمور في الوسط الرياضي العربي. حين أتحدث عن الوسط لا أستثني أي مكون من مكونات المجتمع.

انطلاقا من اليوم لا ينبغي النظر الى الرياضة على أساس وسيلة لإلهاء الشعب عن مشاكله اليومية والحقيقية لأن هذه النظرة عفا عنها الزمن، ولا ينبغي أن نمارس وصاية على المواطن العربي ونقرر مكانه، ونحدد ما ينبغي أن يسعده، وما يحق له أن يفتخر به، وما يجب أن يتذكره، وما عليه أن يمحوه من ذاكرته، ونذهب إلى حال سبيلنا لنسعد حياتنا الخاصة في طقوس خاصة.

إننا بصدد ظاهرة اجتماعية تتطلب وتستحق أن نمعن في دراستها؛ فالمواطن الذي يشكو قساوة الحياة ويعيش تحت وطء ضغوط لا حصر لها في هذا الزمن بات في حاجة ماسة إلى جرعات أمل وسعادة لينظر إلى المستقبل بنوع من التفاؤل. وإن لم نوجد له هذه الجرعة فإنه يؤدي مقابل الحصول عليها، وهذا ما حدث مع الكثيرين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية الذين لم يتحكموا في أنفسهم وخرجوا بمحض إرادتهم ومن مواقع مختلفة في العالم للتعبير عن السعادة والفخر للتمكن من تحقيق ما كان يبدو مستحيلا وليس صعبا فقط.

ينبغي أن نفهم كيف أن مواطنين مغاربة ليسوا ميسوري الحال تجشموا عناء السفر إلى قطر وما يتطلبه ذلك من مصاريف، وأن نلتمس العذر لمن اقترض مصاريف الرحلة التي طالت ليعيش لحظات سعيدة، ويشعر وكأنه يملك الدنيا وما فيها، لأنه ينتمي إلى بلد أبلى منتخبه البلاء الحسن وأزاح من طريقه منتخبات كبيرة.

علينا أيضا أن نجتهد لتفسير إقبال المواطنين على باعة الأعلام الوطنية رغم توفرهم عليها في منازلهم وأماكن العمل، وعلى الأقمصة التي تشبه أقمصة أسود الأطلس (أصلية ومضروبة) والافتخار بارتدائها.

وعلينا أيضا أن نجتهد لفهم الحركية التي شهدتها صناعات وأنشطة تجارية بعينها، وكيف صارت أمور كانت بالأمس من الكماليات أساسية كيف وكيف وكيف...
انتهى المونديال وأنا على يقين أنه سيكون له ما بعده، وهذا ليس جديدا.

بينما تطوي الجماهير صفحة شهر من المتعة الكروية ينبري الخبراء لتحليل الأساليب، والظواهر ولعل أبرزها بالنسبة لمونديال قطر 2022 تألق المنتخب المغربي، الذي فعل العجب وأنهى خرافة وجود منتخبات كلاسيكية وجدت لتتنافس حول الألقاب، وأخرى يجود عليها الاتحاد الدولي بمقاعد لتؤنس الأبطال المحددين سلفا ليس إلا.

سيدرسون التألق المغربي لتفادي تكراره من قبل أي منتخب عربي أو أفريقي، ونؤمن نحن أن ما حدث في قطر لا حكم لها. لهذا تكرر معنا في تصريحات وليد الركراكي عن وعي أن ما فعله المنتخب المغربي ينبغي أن يتكرر مع منتخبات عربية وإفريقية.  

نعم كانت تلك التصريحات دعوة لنفض غبار الخضوع وكسر الهيمنة وأيضا دعوة لمزيد من الاجتهاد وتغيير النظرة إلى الذات وفرض التغيير على الآخر.
لابد من الإقرار بأن الرياضة أصبحت صناعة متعددة المناحي والأهداف، فهي ترسخ الشعور الحقيقي بالانتماء للوطن رغم الاغتراب، وهذا عبر عنه بصدق حفظ النشيد الوطني من قبل لاعبين مغاربة لا يتحدثون العربية، بل أن الحضور الجماهيري الكبير والطريقة اللافتة التي كان يؤدى بها النشيد الوطني المغربي حفز بعض الغربيين الذين لا علاقة لهم بنا إلى حفظ النشيد الوطني المغربي.

الرياضة تصنع السعادة والفخر والتقدير من طرف لآخر وتوحد الصفوف بغض النظر عن العائدات المالية التي لا ينبغي حصرها في ما يحصل عليه المشاركون من الاتحاد الدولي، بل علينا نأخذ بعين الاعتبار الترويج للبلد في الخارج دون الحاجة إلى الدعاية وما تتطلبه من اعتمادات مالية، وهذا من شأنه أن يدفع إلى إيلاء مزيد العناية لأبناء الوطن ليواصلوا مسيرة البلاء الحسن. 

رئيس تحرير صحيفة الصحراء المغربية