السبت 4 مايو 2024

الطريق إلى النهضة 4.. الثقافة وتشكيل الوعي

مقالات20-12-2022 | 12:56

استكمالا لما سبق من مقالات تمثل ركائز أساسية للنهضة الشاملة والمستدامة، فإن الثقافة والوعي تعتبر من أهم الاحتياجات الملحة لدولة تسعى للنهضة والرقي. وفي رأي أن الثقافة والوعي هما وجهان لعملة واحدة وإن كانت الثانية نتيجة طبيعية للأولى فإن وعي بدون ثقافة أو بمعنى آخر فإن درجة الوعي نتيجة طبيعية لدرجة الثقافة والترجمة السليمة لها.

والثقافة في اللغة الإنجليزية تعني  cultureوهي كلمة من أصل لاتيني معناها نمو أو تحسين، وتأتي منها كلمة زراعة Agriculture وتختلف التعريفات لكلمة ثقافة اختلافا كثيرا حسب كل عصر ومفهوم من عرفها ولكن التعريف السائد والشامل للثقافة والمتفق عليه الآن هو مجموعة القيم والمعتقدات والعادات التي تشكل المجتمع، واتفق معظم علماء الاجتماع على أن الدين هو العامل الأول المبني عليه ثقافة المجتمع وتتشكل على أساسه المعتقدات والعادات والطقوس الدينية منها وغير الدينية والتي تكون وفقا لمفهوم الدين في المجتمع مختلطا مع الأعراف السائدة فيه؛ فممارسة الطقوس الدينية في الدين الواحد تختلف في المجتمعات المختلفة باختلاف الثقافات لكل مجتمع وأحيانا لكل قبيلة أو مدينة بالمفهوم العصري .

وقد قال فولتير الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير، إنه لا توجد دولة بلا ثقافة وهذا صحيح فكل دولة أو مجتمع لديه أعرافه ومعتقداته وعاداته الخاصة بصرف النظر عن صالحية هذه المفاهيم لتشكيل الوعي السليم. والوعي هو درجه الإدراك التي يصل إليها العقل من خلال تواصل الفرد مع الآخرين وقد عرف ديكارت الوعى من خلال مقولته الشهيرة "أنا أفكر إذا أنا موجود"، فالإنسان جوهر مفكر وهذا الفكر هو الوعي، إذًا فتعامل الإنسان مع المواقف المختلفة في حياته ينتج من درجة وعيه أي إدراكه لتلك المواقف؛ أي أن تطور وعي الإنسان هو المسئول عن تطور نظرته وحكمه على الأمور لأن المفاهيم والعادات والموروثات التي تشكل الثقافة تحتاج إلى الوعى السليم الذى يخرج تلك المفاهيم ويعدلها بشكل إيجابي ثم يمارسها لتصبح جزءا من إدراكه أي أن درجه الثقافة بمفهومها التقليدي لا تساوى بالضرورة درجة الوعى بدليل أنك قد تجد شخصا حاملا لدرجة الدكتوراه ويقتل أو شخص آخر على درجة عالية من الثقافة ويتحدث بطلاقة وثبات في أمور علمية معقدة وتتحكم فيه عقدة قديمة لا يستطيع السيطرة عليها، وقد لا وهذا لأن المفاهيم الثقافية لديه بمفهومها الشامل لم يصحبها تطور في درجه الوعى تجعله يدرك الأمور بشكل صحيح .

أن ما نود أن نبينه من مفهوم الثقافة التي نبتغيها في هذا المقال هي الثقافة التي تؤدي إلى الفكر المعتدل والوعي الحقيقي ومن ثم النهضة والحضارة، ومما لا شك فيه أننا نعاني من أزمة وعي حادة وضحالة فكر سائدة أدت لمجتمع لا يعي حقائق الأمور ولا يستطيع الحكم السليم أو النظر لأمور نظرة سليمة؛ فالصواب أصبح خطأ والخطأ أصبح صوابا، والمجتمع أصبح مقسوما نصفين غير متساوين؛ الأول لا يقرأ إطلاقا ويتخذ مواقف متحيزة دون قراءة واعية للموضوع وينتج عن ذلك مصائب كثيرة، والآخر يقرأ من مصادر غير مدققة أو معتمدة أو لكتاب غير متخصصين، فتتولد لديه ثقافة خاطئة ووجهة نظر غير سليمة، وفي الحالتين تحدث الكوارث التي يعاني منها المجتمع ككل من فهم خاطئ في كل مجالات الحياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وينتج عنها التطرف بكل أنواعه الفكري والديني وغيره، والأمثلة في ذلك لا تعد ولا تحصى، والوعى السليم هو الذى يستطيع أن ينقح المفاهيم الثقافية الموروثة والمكتسبة ويعمل على تعديلها وممارستها والاعتياد على ذلك للوصول إلى الفكر السليم والصحي والبناء وهناك نظريات كثيرة في ذلك الموضوع .

أننا أن دققنا في العصر الذى نعيش فيه في عالمنا عموما ومجتمعاتنا العربية خصوصا لوجدنا أننا نمر بمرحلة تردى فكرى وثقافي وعلمي واجتماعي رهيب ينعكس أثره على كل جوانب الحياة لدينا، وذلك لافتقار وجود وعى جمعي سليم حيث تركنا كل فرد لثقافته ومعتقداته الفردية، فنجد الشباب تائهون في التطور التكنولوجي المتسارع دون وعى لاستخداماته السليمة والرشيدة، يتلقون العلم من خلاله والثقافة من خلاله وحتى الدين من خلاله دون تنقيح أو تصويب أو معالجه صحيحة، أن ما ممرنا به من موجات إرهابية وعمليات انتحارية هو نتيجة غياب الوعى الجمعي السليم وأن ما نمر به من تردى سلوكي وفنى وأغاني ليس لها معنى هو نتيجة

غياب الزوق العام.

أن ما نمر به الآن من خلل اجتماعي والارتفاع الرهيب في حالات الطلاق هو نتيجة طبيعية لغياب الوعى الجمعي، أننا لم نعد أن نتذكر خلال العشرين عاما الماضية رواية ذات أثر فكرى عميق أو فيلم يحتوى على معنى رفيع أو صالون أدبى أو مقهى يجتمع فيه الشباب حول المثقفين فأين صالون عباس العقاد وقهوه نجيب محفوظ وأين المسرح الذى كان يعرض أفضل الروايات العالمية، لقد طغت المادة على المجتمعات على حساب والزوق الرفيع.

إنني أعول على الدولة وعلى المثقفين الحقيقيين أن ينتبهوا لما يصدر إلى شبابنا من معلومات على شبكات التواصل الاجتماعي ومن بعض القنوات العالمية ذات الأفكار الغريبة من أخبار ومعلومات موجهة في الدين والسياسة والاقتصاد والفن، وأن نشكل منابر ثقافية مختلفة في كل مجالات المجتمع لتشكيل الوعي الهادف لخلق جيل يعرف تاريخه السليم ودينه الصحيح ويتذوق الفن الرفيع ويستطيع التفرقة بين ما هو صحيح وما هو مزيف.

Dr.Randa
Dr.Radwa