نحن أمة اقرأ لكننا للأسف لا نقرأ، ولو كُنّا نقرأ بالفعل لعلمنا بمؤتمر "كامبل بنرمان 1907" الذي نظمه حزب المحافظين البريطاني في ذلك الوقت، ودعا سبع دول أوروبية استعمارية للمشاركة فيه، وهي: بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، بهدف التوسع في آسيا وأفريقيا، واحتلال العالم العربي وإبقائه في مستنقع الجهل والتخلف والتبعية!
انعقد المؤتمر في "لندن" عام 1905، واستمرت جلسته ومناقشاته حتى عام 1907، وفق قول عبدالرحمن العصيل، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الملك فهد للبترول، بدعوة من حزب المحافظين البريطاني، وانبثقت عن المؤتمر وثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك السير هنري كامبل بنرمان الذي خطب في الحضور، قائلاً: تبدأ الدول مرحلة الصعود والتربع على القمة ثم تبدأ الانحدار، ونحن الآن في مرحلة انحدار، نعم، يجب علينا أن ننتبه لذلك، وأن ننحي الخلافات الكبيرة بيننا جانبًا ونلتفت إلى الأهم وهو أن نبقى على القمة، وليس أمامنا سوى ذلك، والبديل هو المزيد من الانحدار ثم السقوط.
وتساءل: هل تريدون البقاء على القمة، أم تريدون مواصلة السقوط؟ فقالوا بالطبع نريد البقاء في القمة، فأشار لمساعديه بأن يوزعوا خريطة الوطن العربي على وفود الدول المشاركة.
وقال لهم: هذه المنطقة، ويقصد الوطن العربي، من الخليج إلى المحيط هي سر قوتنا وسر ضعفنا، وهذه المنطقة ضعيفة الآن، يتقاتل أهلها على قطرة ماء، لكنهم يمتلكون كل مقومات النهضة، يمتلكون ما لا نمتلك، فكلهم يتبعون دينًا واحدًا، بينما في أوروبا عشرات المذاهب، فضلاً عن أنهم يتحدثون لغة واحدة، ولهم تاريخ مشترك واحد، ناهيك عن أن المنطقة تشرف على أوروبا من الشمال، وعلى أفريقيا من الجنوب وعلى شبه القارة الهندية وعلى آسيا، هذه المنطقة تحتوي على كل المواد الخام التي يحتاجها الغرب.
كما تستطيع هذه المنطقة أن تخنق العالم كله من خلال مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس، مضيق جبل طارق. باختصار لدى هذه المنطقة كل مقومات النجاح. ولا تحتاج إلا لقيادة صالحة، متى ما حصلوا عليها ستنهض هذه الأمة ولأننا لا نريد ذلك، لا بد من ثلاثة أمور:
أولاً: زرع جسم غريب يفصل المشرق العربي عن المغرب العربي
ثانيًا: أن يكون ولاء هذا الجسم للغرب
ثالثًا: أن يجعل هذا الجسم الغريب المنطقة في حالة لا توازن، لأن التوازن يولد الاستقرار، والاستقرار يولد النهضة، ونحن نريد أن نخلق أجواء تمنع نهضة هذه الأمة، فنهضتها تأتي على حسابنا.
وكالعادة استغل الصهاينة الفرصة، فذهب حاييم وايزمان وهو أشهر شخصية صهيونية في التراث الصهيوني بعد تيودور هرتزل على رأس وفد إلى بريطانيا، وأبدى استعداده لبريطانيا والدول المشاركة في المؤتمر لأن يكون الصهاينة هذا الجسم الغريب، ووعد بأن يظل ولائهم للغرب على الدوام. بشرط ألا يتركهم الغرب، يعطونهم كل ما يطلبونه منهم، وفي المقابل يتكفّلون بتعطيل نهضة الأمة العربية، يجعلونها دائمًا في حالة لا توازن.
وهنا جاءت فكرة ضرورة إقامة دولة إسرائيل، الدولة العازلة، عدوّة للأمة العربية وصديقة للدول الأوروبية. ولذلك لا يسمح الغرب، وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا بهزيمة إسرائيل، لأن هزيمتها تعني هزيمة وسقوط مشروعهم الاستعماري الذي وضعوا أسسه عام 1907.
ومن يومها ونحن نعاني هذا الأمر المرير. ومما لا شك فيه أن الأمة العربية قد تلقت من الضربات الموجعة ما يكفي ويجعلها تفيق من غفوتها الطويلة وتفكّر في ضرورة قراءة التاريخ والتعلم منه والتحصن به من غدر أعدائها المتربصين على الدوام بشعوبها ومقدراتها، وإن لم تفعل الأمة العربية ذلك فسوف تظل غارقة في هوانها وتبعيتها للغرب، وهذا ما يريده الغرب، ولا تريده الشعوب العربية بالتأكيد.
السير هنرى كامبل بنزمان
حاييم وايزمان