الأحد 19 مايو 2024

كنيسة القيامة .. أعظم المقدسات المسيحية في العالم

12-2-2017 | 19:04

عرفة عبده علي - كاتب مصري

  القدس العتيقة.. زهرة المدائن التى ألهمت الأنبياء والأدباء والشعراء والرحالة والفنانين والمصورين، أصبحت مدينة تسكنها الأفاعى وتهيمن عليها مخططات صهيونية تلمودية رهيبة لتهويدها فى ظل صمت عربى وعالمى مريب!

   نشأنا على حب هذه المدينة المقدسة وعلى تذكرها دائما  والشوق الدائم لها بكل ما تحمله من معان ورموز، تعيش فى وجدان أتباع الديانات السماوية، وتتمثل فى الوجدان المسيحى فى بيت لحم أو كنيسة القيامة وحياة السيد المسيح وما تحمله من آلام.

    وكنيسة القيامة هى أقدس المزارات المسيحية فى القدس وفى العالم كله، وقبل الحقبة الصهيونية السوداء كان الحاج إليها من أقباط مصر يحظى بلقب "مقدس"، وكان لها مع كل زائر موعد وكل "مقدس" حكاية.

    تقع الكنيسة بالقرب من باب الخليل، والطريق المؤدى إليها يسمى حارة النصارى، ويوصل إلى "سوق القيامة" وهو مكان فسيح يقف فيه باعة التحف والمسابح والأيقونات والشموع التى تباع للحجاج والسياح، وأمام الكنيسة ميدان فسيح مربع يسمى "ساحة القيامة" كان يقف فيه الزوار منذ عهد السلطان سليمان القانونى لدفع رسوم دخول الكنيسة، حتى عهد إبراهيم باشا الذى ألغى هذه الرسوم سنة 1832 بعد خضوع المدينة المقدسة للحكم المصرى. وعند المدخل، نجد ثلاث درجات عليها آثار أعمدة المدخل القديم، ومنها عمود قائم حتى الآن ويرجع للقرن التاسع الميلادى، ويحيطه جدار من جهاته الثلاث، حيث توجد كنيسة مار يعقوب الصغير وكنائس مار يوحنا ومريم المجدلية والأربعين شهيدا. وفيها مكان قديم للعماد وقبور لبعض بطاركة الروم الأرثوذكس بالقدس، وفى اليمين، ثلاثة أبواب، يوصل أحدها لدير الروم المسمى: دير القديس إبراهيم، والثانى يوصل لجرس المنارة، ومن الباب الثالث ندخل كنيسة الملاك ميخائيل القبطية ثم كنيسة الإفرنج، التى يصعد إليها باثنتى عشرة درجة حجرية، حيث كان مدخل الجلجثة الذى سده اللاتين سنة 1187 ميلادية وجعلوه هيكلا باسم "أم الأحزان ويوحنا الحبيب" وتحته هيكل باسم القديسة مريم المصرية.

    وأول رحلة مدونة إلى الأراضى المقدسة، تلك التى قام بها الأب "دانيال الراهب" الروسى فى عام 1062 ميلادي، وسجل في يومياته بعنوان "وصف الأراضى المقدسة فى فلسطين" وصفا لمدينة بيت المقدس "الواقعة فى وديان قاحلة وسط جبال صخرية".. وعند اقتراب الزائر منها "يشاهد أولا  برج داود ثم يتقدم قليلا  فيرى جبل الزيتون إلى أن ترتفع أمام عينيه أقدس المقدسات: كنيسة القيامة التى يوجد بها الضريح المقدس... وكنيسة القيامة تتخذ شكلا  دائريا  وتحتوى على اثني عشر عمودا  على شكل مسلات وستة أعمدة أخرى تزدان بالرخام الجميل، وللكنيسة ستة أبواب وستة عشر رواقا  بأعمدة، وتحت السقف رسوم للأنبياء الطاهرين ويعلو المذبح رسم للمسيح من الفسيفساء.. وفى القوس فى الأعلى رسم يصور رفع المسيح ورسم للبشارة من الفسيفساء على جانبى مذبح الكنيسة، وقبة الكنيسة مفتوحة من القمة والضريح المقدس مستقر تحتها".

    ثم يصف الأب دانيال الراهب الضريح المقدس بأنه "عبارة عن مغارة صغيرة منحوتة فى الصخر ومدخلها منخفض جدا. لا بد للزائر أن ينحنى بصعوبة لاجتيازه، ومساحة المكان لا تزيد على أربع أذرع، وبعد أن يدخل الزائر يشاهد أريكة منحوتة فى الصخر والتى سجى عليها جثمان السيد المسيح، والمكان مغطى بقطع من الرخام الفاخر، وهذه الصخرة المقدسة يمكن رؤيتها من خلال ثلاث فتحات مستديرة من جانب واحد، وتضيء المكان ليلا  ونهارا  خمسة قناديل زيتية معلقة...

    وعلى مسافة ثلاثة أقدام يقع مدخل المغارة الحجرى الذى جلس عليه الملاك الذى ظهر للسيدة مريم وأعلن لها عن بعث المسيح، والمغارة من الخارج مغطاة بالرخام الفاخر يحيط بها اثنا عشر عمودا من الرخام يعلوها برج جميل مستقر على أعمدة تنتهى إلى قبة مغطاة بصحون مموهة بالفضة على قمتها تمثال للمسيح من الفضة أقامه الفرنجة خلال الغزو الصليبى". وكان الأب دانيال حريصا  على التأكيد أنه لم يصف فى رحلته سوى الأماكن المقدسة التى زارها وشاهدها بعينيه!

    ومن الطريف أن سدنة كنيسة القيامة ومكانهم فى شمال الباب الرئيسى، هم مسلمون ينتسبون إلى أسرة الصحابية الجليلة "نسيبة بنت كعب" وقد توارثت هذا الشرف منذ عصر صلاح الدين الأيوبي عقب اختلاف الطوائف المسيحية على إدارة الكنيسة.

    وقد شهدت كنيسة القيامة خلافات بين الروم الأرثوذكس واللاتين خلال الاحتلال الصليبي، حتى تمكن اللاتين من السيطرة عليها، إلى أن أعادها السلطان صلاح الدين إلى الروم الأرثوذكس، إلا أن الخلافات استمرت بين الطوائف المسيحية، ولذا قام الحكام المسلمون بتنظيم ملكية الطوائف بكنيسة القيامة ومنع الصدامات فى أحقية إحداها فى دخول القبر المقدس يوم سبت النور، فعقد مجلس بدار المحكمة الشرعية سنة 1542 برئاسة مجموعة من القضاة المسلمين وبحضور ممثلى الطوائف، وحدد المجلس طريقة الدخول إلى القبر المقدس ومواعيد الزيارة.

   إنها حقا أهم وأعظم المزارات المسيحية التاريخية، وبما تمثله من ترف البناء، ومقتنياتها من تيجان الذهب والمجوهرات الكريمة النادرة، وما تزدان به من قناديل وثريات فاخرة ومجموعات من أندر الصور والأيقونات والتماثيل المرمرية، وكل ما فيها بلغ نهاية الروعة والإبداع الفني.