فاروق يوسف - شاعر وناقد عراقي
لم تفشل الثورات العربية التي كانت استحقاقا تاريخيا، بل فشلت الشعوب العربية في احتواء نتائجها. لم تكن تلك الشعوب على استعداد للانتقال إلى مرحلة، عنوانها صنع المصير.
كان رهان الثورات شعبيا في ظل غياب مفهوم النخبة عن الحياة العربية.
لقد تأكد ذلك الغياب حين ذهبت نتائج صناديق الاقتراع في مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين وفي تونس إلى حركة النهضة. أما في ليبيا ومن بعدها سوريا فإن الفوضى كانت ولا تزال من صنع الجماعات الدينية المتشددة التي تحظى بدعم خارجي غير محدود.
من المؤكد أن العراقيين كانوا سباقين في طرح سوء الفهم بديلا لفكرة التغيير السلمي. لقد احتل بلدهم فيما لجأوا إلى ممارسة هوايتهم التي حرموا منها عبر سنوات حكم البعث. كان العنف هو وسيلتهم الوحيدة للتعريف بأنفسهم في مواجهة التاريخ.
لقد استهل العراقيون عصرهم الجديد بحرب أهلية، لا تزال ممكنة في أية لحظة. وهو ما يمني الطاقم السياسي الذي جلبه المحتل الأمريكي في الاستمرار في إدارة ماكنة فساده.
وإذا ما كانت الشعوب العربية قد أطاحت بنفسها بأنظمة الاستبداد التي حكمتها فإنها لم تتعلم شيئا من الدرس العراقي. ذلك الدرس الرديء الذي كشف عن فشل الشعب العراقي في اختبار الوطنية.
"لسنا مواطنين. لذلك لن نكون مسؤولين عن ضعف وطنيتنا" جملة لم يقلها إنسان عربي، غير أن سلوكه يقولها كل لحظة.
لقد ارتجل الربيع العربي أحزابا في مصر وتونس بالتحديد، غير أن تلك الأحزاب لم تكن تملك مشروعا وطنيا. لذلك ذهبت أصوات الناس إلى التجارة. كان العرض الديني واضحا في مقابل غموض العرض اليساري.
حين اكتشف الشعبان التونسي والمصري أنهما قد خانا وعدي ثورتيهما كانت هناك قوى مؤهلة ومستعدة لإدارة البلدين، من غير أن تكون ذات صلة بالثورة. وكما يبدو فإن الشعبين، بسبب خيبتهما بالديمقراطية قد رضيا أن يتم ركن فكرة الثورة جانبا تفاديا للفوضى.
كان ذلك الخيار اعترافا علنيا بالفشل.
واقعيا فإن ما نجحت فيه الثورات كانت الشعوب قد أفسدته.