قبل أي شيء دعينا نتفق أننا شركاء النقاش وأنا لست صاحبة الشطر الأكبر في العرض أو المعالجة، فكلانا شركاء بنفس القدر ولك منى جزيل التقدير.
مشكلة اختراق المسافات الخاصة والمساحات الشخصية، ذكرتني بعالم الأنثروبولوجيا الأمريكي إدوارد تي هال، والذي أشار أن كل شخص يحيط به فقاعة من الهواء كمنطقة أمان نفسي تفصل بينها وبين الآخرين ويشعر فيها الشخص بالراحة وعدم التهديد، ولكن كثيرين يسعون باجتهاد لاختراق هذه المسافة قولا وفعلا، وكما أشرتِ في مقالك "أن القانون يعاقب التعدي على الممتلكات الشخصية بالاختراق ولا يسمح بسلب حقك في أن يسكن منزلك غريب غير مرحب به أو يقوم بركن سيارته أخر في المساحة المخصصة لسيارتك، فكيف تسمح أخلاقياتنا بتعدي الأخر على مساحتنا الشخصية واختراقها ؟ أم علينا أن نطالب جديا الجهات القانونية بإضافة مواد دستورية صريحة تكفل عقوبة مرتكبي تلك التجاوزات ؟!"
فقد حددت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، مسافة 12 ميلاً بحرياً هي حدود المياه الإقليمية لكل دولة، فلا يحق لأى دولة أخرى اختراق هذه الحدود، كذلك الأشخاص هذه المنطقة نفسية غير مرئية تمثل المسافة الفاصلة بين الشخص والآخرين، فكما للدول حدود كذلك الأشخاص وهي حدود مادية ونفسية.
الحدود المادية هي الاقتراب الفعلي من الشخص وفيها لا يسمح الشخص إلا للمقربين بالاقتراب، أما النفسية فهي المساحات العاطفية الموجودة بين الأشخاص، أين يبدأ وأين ينتهي، والعلاقة تبادلية بين الحدود المادية والنفسية، فالمادية يحدث فيها اقتراب مع اقتراب المساحات العاطفية.
وهنا يأتي دور الإتيكيت، فكيف يسمح شخص لنفسه باختراق الحدود النفسية والمساحات الشخصية للآخرين إن لم يكن هناك قرب نفسي؟ يخترق البعض المساحات الشخصية للآخرين فأثناء وقوفهم أو حديثهم تجدهم يقتربون ثم يقتربون بالمقابل يشعر الآخر بالحرج لا يعرف ماذا يفعل والحل هنا هو أن يرجع خطوة للوراء وينتظر ثواني وأن استمر الآخر مقتربا يكرر رجوعه على شكل حرف z وبين كل خطوة ثواني فاصلة، وأشارت دراسة أنه في هذه الحالة يحتضن الشخص كتبه أو حقيبته كميكانيزم دفاعي للفصل بينه وبين هذا الآخر الذي يقترب دون احترام للمساحة الشخصية.
ومن الاقتراب الجسدي إلى الاقتراب بالقول، حيث يعطي كثيرين الحق لأنفسهم إشباعا لفضولهم، في السؤال والدخول في تفاصيل الآخر ومن فعل ومن ذهب وماذا قال؟ وهو سلوك غير مقبول إذ أن ما يقتضيه الإتيكيت أو حسن السلوك هو عدم السؤال أو التداخل إلا إن كانت العلاقة تسمح أو كان هناك قبول من الطرف الآخر للحديث في الموضوع محل السؤال، عدا هذا فمن الصواب عدم التطرق لأي أمر شخصي بحجة الاطمئنان على الآخر، فمجرد حتى السؤال بغرض الاطمئنان قد يهدد سلام وأمن الآخر الذي لا يرغب بالحديث. وإذا تم التطرق للموضوع فمن الإتيكيت الإشارة للشخص "إذ لم ترغب بالحديث .. فلا تتحدث".