تستقبل مصر عاما جديدا وهي ما زالت تسير في طريق شاق نحو بناء دولة مدنية حديثة قادرة على تحقيق وتلبية آمال شعبها، ومن الحكمة هنا أن يكون استقبال عام جديد محاطا باستلهام ما مضى من دروس شهور وأيام كان البعض يظن أنها لا تمر.
حاول عدونا منذ الثلاثين من يونيو أن يعرقل ذلك المسار وأن يقطع علينا الطريق عبر وسائل متنوعة ليثنينا عن الإمساك بإرادة تكونت وعزمت على إنهاء حالة الدولة محدودة الإمكانات والقدرة والمنشغلة دائما بصراعات داخلية تدفعها للتخلي عن أي محاولات للخروج من تلك الدائرة الواسعة من التخبط لنبقى دائما في خانة شبه الدولة التي تحدث عنها الرئيس السيسي دوما والتي تضع المواطن دائما في خانة اليأس وتقليل الذات وتجعله عدوا غير مباشر لمؤسسات وطنه وتنحصر حالة من العداء بينه وبين وطنه بدلا من أن ينشغل بمعالجة أسباب أوجاعه فيسهل خلالها تسيير مواكب التشكيك وتثوير الحشود والاستعداد للتحرك الخاطئ دوما.
حاول عدونا مرارا وتكرارا عبر موجة إرهاب اندلعت عقب تحرير مصر من تنظيم الإخوان والذي دفعت قوى عالمية به إلى السلطة طمعا في مزيد من إضعاف الدولة المصرية ليسهل أن تقبل ما لا يمكن أن تقبله إن كانت قوية على قلب رجل واحد فأرادوا تخويفنا بالإرهاب وأنه لا يمكن لما تشكل من إرادة في الثلاثين من يونيو أن يبقى أو أن يستمر ويثمر.
وبتماسك المصريين خلق قيادتهم وبتضحيات أكثر من 3 آلاف شهيد و13 ألف مصاب أسقطت مصر وشعبها مخطط إرهاب مصر عسكريا وبتضحيات القوات المسلحة والشرطة انتهت محاولات إبقاء تنظيم الإخوان ومن تحالف معه على قيد الحياة والإصرار على دفعه ليكون أحد أطراف عملية بناء مصر ومستقبلها لينتهي شعبيا وسياسيا وفكريا هذا التنظيم الذي ظل 90 عاما يتأهب للحظة يتستر فيها خلف صفوف الناس كما حدث في 2011.
اليوم يحاولون من جديد عبر حرب اقتصادية شرسة إعادة الكرة لتركيع مصر وإرغامها على قبول ما لا ترضاه وفي كلتا المرتين سواء حرب الإرهاب أو حرب الاقتصاد كان الهدف واحدا وهو المواطن المصري المراد له أن يكفر بمؤسسات وطنه ودفعه لاستعدائها حتى يتحقق ما حذرنا من النبي المعصوم بأنه سيأتي زمان يخون فيه الأمين ويؤتمن فيه الخائن.
هذا هو ما يراد من أزمة اقتصادية وضعت في طريق المصريين في وقت دقيق كانوا فيه على طريق طويل وشاق بدأوه في 2016 حين انطلق إصلاح صعب تحمل فيه المصريون ما تحملوا أملا في كسر دائرة العوز التي بقيت عقودا تؤرق حياتهم وتعقد من مستقبلهم .
توالت الأزمات على دولة تحارب بيد وتبني بالأخرى بدءا من إجراءات اقتصادية صعبة وجائحة كورونا ثم الحرب الأوكرانية لتنطلق من جديد أبواق الفتنة ودعاة اليأس والتشكيك في مسار مصر وأهدافها استغلالا لأوضاع صعبة فرضت علينا ولم نسع إليها أو نختارها.
إن الهدف في العام المقبل هو السعي إلى إنجاز ما فشلت فيه آلة الإرهاب من إسقاط الدولة أو قبولها المساومة لكن ليس بقوة النيران وإنما بقوة قسوة الوضع الاقتصادي وإيهام الناس بأننا بصدد المحطة الأخيرة وأننا موشكون على الانهيار والتحول إلى دولة فاشلة تقبل الإملاءات وهو خيار سيفشل أيضا كما فشل الخيار العسكري من قبل فالمصريون اليوم باتوا على بصيرة بما يحاك لهم وما يراد لدولتهم ويدركون أن شيئا ما يدبر ليخرج المصريون عن مسار الصبر الاستراتيجي الذي يصيب عدوهم في مقتل لينتقلوا إلى حالة التحرك الخاطئ المدمر الذي سبق أن خاضته شعوب حولنا ما زالت إلى اليوم تفتش عن أوطانها فلا تجدها.
إن 2023 لن يكون عاما سهلا بل سيكون عاما فاصلا إن عبره المصريون بوعيهم القائم ستنكسر آخر فصول إسقاط مصر وساعتها فلن يكون أمام أي عدو أو حتى صديق حاقد إلا أن يقبل بإرادة المصريين وأن يتعامل معهم وفق أجندتهم الوطنية فعالم اليوم لا يعرف إلا منطق القوة ولا يفهم إلا أفعال الأقوياء.