الخميس 2 مايو 2024

نجم الكوميديا عبد المنعم إبرهيم ..ودموع فراق الأحباب

عبد المنعم ابراهيم

6-1-2023 | 13:14

خليل زيدان

رغم أن الدافع الوحيد لحبه لمهنة التمثيل كان الرائد الكوميدي على الكسار، إلا أن الفنان عبد المنعم إبراهيم لم يكن يحبذ أن يطلق عليه لقب الفنان الكوميدي أو نجم الكوميديا، فقد فضل عليه فقط لقب «الفنان»، فقد رأى بعد مسيرة فنية طويلة، تنوعت فيها أدواره بين الكوميديا والتراجيديا والأدوار الجادة، أنه من الظلم له أن يكون كوميديانا فقط ومن الأفضل حسب مسيرته أن ينال لقب فنان شامل.

 

الكسار دفعه للتمثيل

لكل فنان دافع حبب إليه فن التمثيل، ونجمنا الفنان عبد المنعم إبراهيم الذي ولد في بني سويف في 24 أكتوبر 1926، رغم أن قريته الأصلية هي ميت بدر حلاوة بمحافظة الغربية، فقد رأى المسرح لأول مرة وعمره تسع سنوات من خلال والده الذي كان يهوى مشاهدة مسرحيات على الكسار بشارع عماد الدين، وقد انتقلوا إلى القاهرة، وفي تلك السن بدأ عنده حب التمثيل، وغالبا ما كان يقضي مع أسرته الصغيرة أجازة الصيف في بلدته في الريف، فيتخذ هو وأقرانه الأطفال جزءا من جرن الحبوب مسرحا لهم يقيمون فيه مسرحيات تقليد صغيرة تعبر عن متاعب الفلاحين وشكواهم للعمدة ..

أنا .. قناة السويس

 أما في مدرسة عابدين الإبتدائية بالقاهرة فقد فشل الطفل الصغير في استخدام الآلات الموسيقية، والتحق بفريق التمثيل ليشارك فيه بدور في مسرحية عن قناة السويس مع فريق مدرسته، وأذيعت المسرحية في الإذاعة التي كانت تقوم بتغطية أنشطة المدارس الفنية، والطريف في الأمر أنه لم يقم بدور شخص بل قام بدور قناة السويس نفسها، التي كانت تناشد وتناجي الخديو إسماعيل لبدء حفرها لتعم فائدتها على مصر والعالم، ومع إذاعة المسرحية نال عبد المنعم إبراهيم جائزة عبارة عن كتاب موسوعي ضخم بعنوان «أئمة العلم والإختراع».

الضحية .. على مسرح الأزبكية

مع مضي مرحلة الصبا وتحديدا في عام 1941 حسبما أكد عبد المنعم إبراهيم في حديث له بتليفزيون دبي، أنه التقى مع هاوي الفن مثله عبد المنعم مدبولي، الذي كان يتجه للإخراج المسرحي ويبحث عن هواة لتقديم مسرحية على مسرح حديقة الأزبكية، وبالفعل شارك عبد المنعم إبراهيم في دور بارز بمسرحية «الضحية»، وهي أول لقاء له مع الجمهور، ثم توالت مشاركته في مسرحيات أخرى على نفس المسرح منها مسرحية إخراج جورج أبيض وهي «أولاد السفاح»، وفي عام 1944 افتتح المعهد العالي للفنون المسرحية، وبعد تروي وتفكير التحق مع صديقه مدبولي بالمعهد، وقد تقدما ضمن 1500 طالب، وكان يجب اختيار عشرين فقط منهم، واجتاز التصفية الأولى .

أول دموع للفراق

مع بداية التصفية الثانية للإلتحاق بالمعهد وهم أربعون طالبا سيتم اختيار عشرين  منهم، جاء أول المواقف القاسية له حيث توفيت والدة عبد المنعم إبراهيم، وبعد يومين أو ثلاثة كان لابد أن يقف أمام لجنة التحكيم وأساتذة المعهد ومنهم زكي طليمات ويوسف وهبي وجورج أبيض وحسين رياض ونجيب الريحاني، ليمثل دورا كوميديا، وكيف للشاب الممتلئة عيونه بدموع مأساة رحيل الأم أن يمثل مشهدا كوميديا؟ لكن لحسن الحظ طلب منه طليمات أن يمثل شيئا جادا، وقال عبد المنعم جملة واحدة جادة، وأشار بعدها طليمات له بالتوقف ثم تظهر النتيجة وينجح عبد المنعم إبراهيم ويكون ضمن الدفعة الأولى للمعهد مع مدبولي.

نجم الكوميديا الراقية

يجد الراصد لمسيرة عبد المنعم إبراهيم أنه قد اختار طريق الكوميديا كنمط أو قالب فني، وكانت الفترة التي بدأ فيها مشواره الفني مليئة بنجوم ظهر تصنيفهم أمام عينيه، فقد زامله في معهد التمثيل فاتن حمامة التي انسحبت من المعهد في السنة الثالثة لزواجها من عز الدين ذو الفقار وأيضا سميحة أيوب وفريد شوقي وشكري سرحان وغيرهم، وبالطبع رأى نمط أداء كل منهم واختار أسلوب الإضحاك رغم وسامته، أما عن نجوم الكوميديا في ذلك الوقت فقد كان هناك إسماعيل يس في أوج مجده مع عبد السلام النابلسي وحسن فايق وعبد الفتاح القصري، إذن يحتم عليه العقل أن يكون صاحب لون مميز في الكوميديا ليكون مقبولا ومختلفا عن نجوم عصره.

أستاذ الكوميديا الإنسانية

أطلق على عبد المنعم إبراهيم الكوميديان الأكاديمي، وقد أسعده هذا اللقب، فقد اختار عن اقتناع أن ينتهج الكوميديا الإنسانية أو الأخلاقية التي تعتمد على علاج المشاكل الإنسانية والمجتمعية، ورأى أن كوميديا الفودفيل هي من النوع الساخر، والفارس تعتمد على حركات المؤدي بجسده ووجه ومنها  ظهوره ببنطلون قصير أو جاكت ضخم مثل أسماعيل يس أو فؤاد المهندس، لذلك قرر أن تكون أدواره الكوميدية بعيدة عن الفارس والفودفيل، منها دوره في فيلم «إشاعة حب» وفيلم «آه من حواء» وياسين عبد الجواد في فيلم «بين القصرين» .. وأصبح عبد المنعم إبراهيم بلونه الكوميدي المتميز أن يوازي ويشارك نجوم الكوميديا في أعمال كثيرة، فقد كانت المشاركة الثانية له سينمائيا مع إسماعيل يس في فيلم «إديني عقلك»، أما المشاركة الأولى له فقد كانت في فيلم «ظهور الإسلام»، وقام بدور جاد .

نجم الدور الثاني

سبع سنوات كاملة في السينما بدأها عبد المنعم إبراهيم سنة 1951 بأدوار ثانوية، تطورت بعد ذلك إلى بطولة الدور الثاني وهو السنيد صديق بطل الفيلم، ومنها دوره في فيلم «الوسادة الخالية» مع عبد الحليم حافظ و»السفيرة عزيزة» مع شكري سرحان، وزاهر صديق فريد الأطرش في فيلم «انت حبيبي» وتوفيق في فيلم «هذا هو الحب» مع يحيى شاهين ولبنى عبد العزيز، وزادت مساحة أدواره في تلك الأفلام بسبب تميز أدائه، حتى حصل على البطولة المطلقة في فيلم «سر طاقية الإخفاء» عام 1959، ومن الواضح أنه لم يجد كاتبا سنيدا لموهبة عبد المنعم إبراهيم بعد تلك البطولة، فسرعان ما عاد إلى أدوار صديق البطل في سبعة أفلام في نفس العام، ثم جاءته فرصة المشاركة في فيلم «سكر هانم» ليتغلب بروعة أدائه في دور سكر على أبطال الفيلم وهم كمال الشناوي وسامية جمال وعبد الفتاح القصري وحسن فايق.

دموع الفراق الثاني

من خلال تحقيق مطول عن حياة عبد المنعم إبراهيم وبداياته الفنية بمجلة الموعد، فقد أكد الكاتب الدعم الكبير الذي لاقاه من زوجته وأم أولاده، التي كانت تقف وراءه بكل قوة ليستمر في طريق الفن والسينما، مؤكدة له أنه سيكون يوما ضمن نجوم الكوميديا، لكن دعمها لم يستمر طوال مسيرته، فقد أصيبت بمرض خبيث ورحلت بعد تشخيصه بعدة شهور، ليجد نفسه مسئولا عن أولاده الأربعة منهم طفل عمره عامان، وتنساب دموعه وتتملكه الأحزان على رفيقة عمره، فيتزوج من شقيقتها لترعى أولاده، لكن سرعان ما يتم الانفصال عنها.

فلوس السينما أكثر

إن كانت مجمل أعمال عبد المنعم إبراهيم قد قاربت على 315 عملا، فقد نجد بها رصيدا مسرحيا كبيرا، سواء كانت أدوارا ثانية أو بطولة مطلقة، وقد برع بالفعل في أدواره المسرحية الجادة منها مسرحية «الست عايزة كده» و«خميس الحادي عشر» و«سهرة في الكراكون» و«أنا عايزة مليونير» و«عيلة الدوغري» وبطولة مسرحية «حلاق بغداد» و«معروف الإسكافي» إلا أنه كان يقبل بأدوار سينمائية بسيطة، وعلل ذلك بأنه في المسرح كان موظفا يتقاضى راتبا محدودا لا يناسب جهده المسرحي، أما الأدوار السينمائية فقد كان يتقاضى عنها نقودا أكثر، مما يجعله يداوم عليها ويقبلها ليحدث التوازن المادي له ولأسرته.

بداية الأدوار الجادة

مع بداية فترة السبعينيات بدأ عبد المنعم إبراهيم مرحلة مغايرة للنمط الكوميدي، ففي عام 1974 نراه بدور محوري كبير في فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» وأيضا فيلم «الوفاء العظيم» مع محمود ياسين ومنها إلى دور مدير تحرير في فيلم «جفت الدموع» ، لتكون تلك الفترة بداية الأدوار التراجيدية التي ظهرت في الدراما التليفزيونية ومنها دوره في مسلسل «زينب والعرش» و«محمد رسول الله» و«ميراث الغضب» و«أبواب المدينة» و«الشهد والدموع» و«أولاد آدم»، أي أن الرجل عرف كيف يغير جلده بأدوار جادة تناسب مراحله العمرية ومنها مرحلة التقدم في السن والتي لا يليق فيها أن يقدم الكوميديا.

دموع على بكاكا داسا

اعترف عبد المنعم إبراهيم بفضل بعض المخرجين عليه، فمنهم من منحه مساحة أكبر في أدواره، مثل صلاح أبوسيف وكمال الشيخ، ويتأكد لنا ذلك من خلال تقرير مجلة الكواكب في عدد 20 سبتمبر 1960، بعنوان «قلب عمر حائر بين نادية وشويكار»، والتقرير يرصد كواليس تصوير فيلم «حبي الوحيد» الذي شارك فيه عبد المنعم إبراهيم مع عمر الشريف ونادية لطفي وشويكار، وجاء في التقرير أن دور عبد المنعم إبراهيم تم تطويله فجأة حسب الصدفة، فخلال التصوير في مطار القاهرة حضرت الممثلة بكاكا داسا نجمة زنزبار الأولى من الهند على ظهر إحدى الطائرات بعد أن حضرت مهرجانا سينمائيا هناك، ورآها كمال الشيخ فأعجب بها وعرض عليها القيام بدور خطيبة عبد المنعم إبراهيم، ورحبت على الفور بالدور ورفضت أن تتقاضى عنه أي أجر، والطريف في الأمر أنه أثناء التمثيل وبعده أعجب بها عبد المنعم إبراهيم وأحبها فعلا، وطلب يدها للزواج ويبدو أنها أيضا أعجبت به، وأخبرته أنه لابد أن تستشير أهلها أولا في مسألة الزواج منه، وذهب يودعها في المطار وفي عينيه دموع الوداع، ولم يهدأ حتى وعدته بأنها سترسل له رسالة بموافقتها بعد أن تستشير أهلها.