استمتع عشاق فن العندليب بروائع أغانيه منذ بداياته وحتى آخر ما غنى، سواء فى الأفلام أو الحفلات أو الصور الغنائية، وما يزيد سعادة جمهوره هو الاطلاع على كواليس وحكايات تلك الأغانى، كيف وُلدت، ولمن كتبت، ولماذا تم تعديل نهايات بعضها، فى ذكراه الـ45 نسعد قراء «الكواكب» بسرد أسرار وحكايات بعض أغانى حليم فى السطور التالية...
لا تكذبى.. وحبيبها
غنى حليم ثلاث روائع من كلمات الشاعر الكبير كامل الشناوى، ومن المعروف أن الكثير من أشعاره وُلدت عن تجارب شخصية عاشها الشاعر بنفسه، وإن كان حليم قد شارك المطربة نجاة الصغيرة فى أغنية «لا تكذبي»، وهى الأغنية الشهيرة التى دار حولها الكثير من الأقاويل لتؤكد أنها تجربة عاطفية للشاعر، فقد كتب بعدها مباشرة قصيدة «حبيبها»، وذلك حسبما أكده الكاتب الصحفى جليل البندارى فى مقال له بباب «ليلة السبت» تحت عنوان «نجاة وكامل الشناوى بين الوهم والحقيقة»، فقال إن عز الدين ذو الفقار اشترى أغنية «لا تكذبى» لتغنيها نجاة فى فيلم «الشموع السوداء» بثمن كبير، وشعر الشناوى أن غريمه لم يعبأ بسياط «لا تكذبى»، فقرر أن يوجه إليه قذيفة تخصه فكتب له «حبيبها.. لست وحدك حبيبها»، وكانت الأغنية من نصيب حليم ليغنيها وحده.
لست قلبى
أما الأغنية الثالثة وهى «لست قلبى» فكانت القذيفة الموجهة من الشاعر كامل الشناوى لقلبه هو، وأكد حليم فى تسجيل إذاعى فى برامج «حكاية غنوة» الذى كان يعده ويقدمه الإذاعى القدير إبراهيم حفنى، أنه عاش كواليس ولادة تلك الأغنية، وذلك لقربه الشديد من الشاعر كامل الشناوى، وقد اختارها حليم ليغنيها ضمن أحداث فيلم «معبودة الجماهير»، لأن وقائع ولادتها كانت تعبر عن نفس الحدث والتأثير فى الفيلم، أما عن سر اختيار حليم للموسيقار محمد عبد الوهاب ليصيغ لحن القصيدة، فقد قال إن عبد الوهاب أيضاً عايش ميلاد القصيدة ولن يجد أفضل منه ليعبر بالموسيقى عن روعة كلماتها.
بتلومونى ليه
فى إحدى زيارات حليم لمدينة الإسكندرية، وعلى أحد شواطئها الساحرة، التقى بفتاة من المؤكد أنها أسرت فؤاده، وكان اسمها «ديدى الألفى»، وربما بسحر جمالها وقع حليم فى غرامها، ومع طرح فكرة فيلم «حكاية حب» أوعز حليم للشاعر مرسى جميل عزيز بكتابة أغنية تصف جمال محبوبته، وتعبر عن غرامه بها، فكتب له «بتلومونى ليه»، ليغنيها حليم كإحدى روائعه فى الفيلم.
فاتت جنبنا
وأكدت الدكتورة حامدة، ابنة الشاعر الكبير حسين السيد، لـ«الكواكب» أن والدها كان قد صاغ آخر أغانيه لحليم وهى «فاتت جنبنا» بعد ست سنوات من آخر فيلم كتب الشاعر حسين السيد أغانيه لحليم، وأنه قد صاغ نهاية الأغنية لتكون درامية، وبعد أن اطلع عليها حليم والموسيقار محمد عبد الوهاب طلبا من الشاعر تغيير نهايتها الدرامية، لأنها ستذاع فى عيد الربيع، ولا يجب عليهم كمبدعين أن يجلبوا الحزن للجمهور فى يوم كهذا، وبالفعل غير الشاعر نهاية الأغنية من القطيعة والفراق إلى الأمل فى اللقاء.
توبة
وروت د. حامدة أيضاً كواليس ميلاد أغنية «توبة»، فقالت إن والدها الشاعر حسين السيد كان يبنى عمارة جديدة، وقد مر على المقاول ليعطيه قسطاً من المبالغ المستحقة للبناء، وكان الموسيقار عبد الوهاب يجلس معه فى سيارته، ورأى استياء حسين السيد من كثرة الأقساط التى يأخذها المقاول والمصاريف المهولة من أجل بناء العمارة، فطيب عبد الوهاب خاطره وقال له: «لا تحزن.. تعيش وتبنى عمارة تانية وتالتة».. وبشكل عفوى قال الشاعر: «توبة.. توبة.. إن كنت أفكر تانى توبة»، فصمت عبد الوهاب قليلاً ثم قال له: «افتكر الجملة اللى قلتها دى ولا تنساها.. لأنها تنفع مطلع أغنية»، وبالفعل ولدت أغنية «توبة» من ذلك الموقف.
يا سيدى أمرك
روى الكاتب الصحفى عبد الله أحمد عبدالله، حكاية أغنية «يا سيدى أمرك» فى البرنامج الإذاعى «حكاية غنوة» أيضاً، وذكر أنها من تأليف الشاعر الغنائى فتحى قورة وألحان الموسيقار محمود الشريف، وأن الأغنية جاءت كلماتها ساخرة من الطرب القديم، وأن الشريف لحنها وهو غير مقتنع تماماً بمضمونها، فهى تسخر من الفن القديم الذى كان الشريف نفسه يعشقه وكان له فيه ألحان بديعة، فما كان عليه إلا أن يلحن تلك الأغنية بلحن يمزج بين القديم والحديث فى آن واحد، وكانت ضمن أغنيات فيلم «ليالى الحب».
تخونوه
كشف الموسيقار بليغ حمدى فى برنامج «حكاية غنوة» حكاية أغنية «تخونوه» التى كتب كلماتها الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك، والتى عرضت ضمن أحداث فيلم «الوسادة الخالية»، فقال إنه أول لحن احترافى قدمه لحليم، وقد أعجب حليم بمطلع اللحن وطلب منه إكماله، وفى موعد البروفة الأولى للأغنية ذهب بليغ إلى الأستوديو، وعندما دخل لم يكن أحد من الفرقة «الماسية» يعلم أنه هو الملحن، فأخبروه أن هذه بروفة لإحدى أغنيات حليم.. فلماذا تتواجد؟، فقال لهم إنه يعلم بذلك، وتدخل سريعاً ساحر الكمان أنور منسى ليؤكد للفرقة أن بليغ مشارك فى الفيلم بهذه الأغنية، لأن منسى نفسه كان قد عزف اللحن كتجربة بينه وبين بليغ، ورحبت الفرقة بالملحن الجديد وكان ذلك أيضاً أول تعاون بينه وبين الفرقة الماسية.
على قد الشوق
روى حليم بنفسه قصة ميلاد أغنية «على قد الشوق»، فقد كان حليم والموسيقار كمال الطويل فى مطلع الشباب على شاطئ الإسكندرية، والتقى الطويل بغادة هيفاء ملكت فؤاده، وكان لا يكف عن الحديث عنها، وفى أحد الأيام جلس الاثنان على الشاطئ وكان الطويل يدندن بأحد الألحان، ومرت محبوبته أمامه ولم تعره انتباهاً، ومن شوقه لها وشغفه بها دندن على الفور «على قد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم»، وأشار حليم على الطويل بأن ذلك المطلع يصلح لأغنية، ونصحه بأن يذهب إلى الشاعر الرقيق محمد على أحمد، وأتم الشاعر الأغنية فى أيام، واستغرق الطويل فى تلحينها عامين،، وذلك حسب ما نشر من مقالات حليم التى أُعيد نشرها فى مجلد «عبد الحليم حافظ أيام من عمره» الصادر عن مركز التراث بـ«دار الهلال».
تعالى أقولك
أما الأغنية الأخيرة التى نشرت كواليسها فى نفس المجلد فكانت أغنية «تعالى أقولك» من فيلم «لحن الوفاء» وهو أول أفلام حليم، وقد خرج للتصوير الخارجى لأول مرة مع المخرج إبراهيم عمارة، وكان ذلك فى حديقة الأسماك، ودهش حليم من وجود الكثير من الجمهور فى الحديقة، وعند بدء تصوير الأغنية ومع اقتراب حليم من شادية أو إمساك يدها أو النظر فى عينيها كأوامر المخرج يجد تعليقات من الجمهور، منها: «ابعد.. ابعد»، ويصيح آخر: «امسك حرامى».. وهنا اضطر المخرج للاستعانة بفرقة من البوليس لإبعاد المتابعين، وأكد حليم أن التصوير لم يكن بالصورة المرسومة له بسبب وجود ما يقرب من ألف متابع.