مصطفى نظيف أستاذ الفيزياء ورئيس جامعة عين شمس الأسبق (28) (1893-1971)
هو أحد علماء الطبيعة المعدودين فى مصر، ورائد من رواد الهندسة فى مصر والنهضة العلمية العربية، فى العصر الحديث، أختير عضوا بمجمع اللغة العربية سنة 1946.
ولد مصطفى نظيف فى مدينة الإسكندرية عام 1893، تلقَّى تعليمه فى مدرسة رأس التين الأميرية، ولمّا حصل على الشهادة المعادلة وقتها للثانوية العامة عام 1910 أرسلته وزارة المعارف المصرية إلى جامعة بريستول لدراسة الفيزياء، وفى عام 1914 حصل على بكالوريوس العلوم، ثم عادَ إلى مصر بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.
حين عاد مصطفى نظيف إلى مصر عين مدرسا لعلم الطبيعة بمدرسة المعلمين العليا ومكث بها حتى سنة 1930 ثم عمل مفتشا بوزارة المعارف وناظرا لمدرسة الفنون والصنائع ثم عين أستاذا مساعدا بقسم الفيزياء بمدرسة الهندسة والتي أصبحت كلية فيما بعد وضُمت لجامعة فؤاد الأول (هندسة القاهرة الآن) سنة 1934 وحصل على الأستاذية سنة 1944 ثم ترأس قسم الفيزياء، في ذلك الوقت لم يكن الحصول على الدكتوراه شرطاً للتدريس في الجامعة ولكن الأبحاث العلمية كانت تكفي فكان له من الأبحاث ما يؤهله للأستاذية ثم تدرج في الوظائف الإدارية أيضاً حتى صار وكيلاً لجامعة إبراهيم باشا (عين شمس الآن) سنة 1950 ثم مديراً للجامعة سنة 1954.
مؤلفاته
وضعَ مصطفى نظيف عددًا من المؤلفات أبرزها ثلاثة كتب لاتزال تحظى بالقيمة والاحترام. ففى عام 1927 أصدر كتابه "علم الطبيعة: نشوؤه ورقيّه وتقدمه الحديث".. وهو كتاب فى تاريخ العلم.. يدرس تطوّر علم الفيزياء من بداياته الأولى فى الحضارات القديمة، وحتى وقت كتابته فى عشرينيات القرن العشرين. وفى عام 1930 وضع كتابه "البصريات الهندسية والطبيعية".. وهو كتاب تعليمى كان موجهًا بالأساس إلى الطلاب فى مستوى الدراسة الجامعية. وأمّا كتاب مصطفى نظيف الثالث: "الحسن بن الهيثم.. بحوثه وكشوفه البصرية" والذى صدر الجزء الأول منه عام 1924، وصدر الجزء الثانى عام 1943.. فهو يعتبر مرجع عالمى رئيسي، وهو - حسب مؤرخيْ العلم رشدى راشد وعبد الحميد صبرة - أهم كتاب عن ابن الهيثم.. على مستوى العالم وفى كلِّ اللغات. وقد صدر كتاب نظيف عن ابن الهيثم عن مطبعة نورى بمصر.. وبعد نفاده بعدة عقود أعاد مركز دراسات الوحدة العربية نشره.. مع مقدمة للدكتور رشدى راشد.. استكملتْ ما استجدّ من دراسات وبحوث دولية عن ابن الهيثم فى سنوات ما بعد نظيف. وقد عادَ مصطفى نظيف إلى مخطوط كتاب المناظر لابن الهيثم.. ودرس علم ومنهج ابن الهيثم على نحوٍ غير مسبوق. يرى نظيف ان ابن الهيثم أخذ بمنهج الاستقراء قبل فرانسيس بيكون، بل إنَّهُ كان أكثر علميّة من بيكون حيث توافرت لدى ابن الهيثم عناصر البحث العلمى أكثر منها عند بيكون. لقد أبطلَ ابن الهيثم علم المناظر الذى وضعه اليونان، وأنشأ علم الضوء بالمعنى الحديث. وحسب مصطفى نظيف فإنَّ أثر ابن الهيثم فى علم الضوء لا يقل عن أثر اسحق نيوتن فى علم الميكانيكا. ويذهب نظيف - أيضًا - إلى أن ابن الهيثم قد أدرك الوضع الصحيح للنظرية العلمية، كما أنَّهُ أدرك وظيفتها بالمعنى الحديث، وهو بذلك قد سبق فلاسفة العلم المحدثين فى القرن العشرين. إننا حين ننقل من ابن الهيثم فكأنّنا ننقل من كتاب فى فلسفة العلم الحديث. ثم يصل نظيف إلى أن ابن الهيثم هو أهم عالم فيزياء نظرية لعدة قرون وأنَّه هو من أقام أسُس بناء علم الضوء.
مصطفى نظيف واللغة العربية
وضعَ نظيف بحثًا بعنوان نقل العلوم إلى اللغة العربيّة.. وعكف على وضع العديد من الألفاظ والمصطلحات، ثم إنَّه قام بتدريس المقررات العالميّة فى علم الفيزياء باللغة العربية، ولقد مضَى رشدى راشد وراء مصطفى نظيف فى قضية تعريب العلم استنادًا إلى أن الجامعات الأجنبية لن تؤدى إلى إيجاد بيئة علمية وطنية. وأن دولًا كبرى فى مجال العلم والتكنولوجيا مثل الصين وروسيا واليابان وألمانيا وفرنسا، كلها تستخدم اللغة الوطنية كلغة للعلم. وكان أن نجحَ فى تأسيس المدرسة المصرية فى تاريخ العلم،وجعلَ من الماضى الأقوي.. منهجًا وسندًا للحاضر الضعيف. وجعلَ من التقدّم الكبير فى البيئة ذاتها، دينًا وأعراقًا وثقافةً. مددًا لاستعادة التقدّم من جديد. مؤكدًا أنَّ الدين والمجتمع لم يقِفَا فى زمن الازدهار حائلًا دون الإبداع والانطلاق.
اهتم د. مصطفى نظيف باللغة العربية في مؤلفاته وكان يعنى بالثقافة العلمية وإتاحتها للجميع ومن نتيجة ذلك إهتمامه بالتدريس والتأليف باللغة العربية حتى لا تقف اللغة عائقاً أمام من يريد أن يتعلم، كما كان حريصاً على تبصير طلابه بدور العلماء في العصر الذهبي للدولة الإسلامية لقلة من يذكرهم في أوروبا، وكان أن أنشأ الجمعية المصرية لتاريخ العلم وأشرف على إصدار المجلة التي تصدرها هذه الجمعية (ستة أعداد) كما حاول إنشاء قسم لتاريخ العلوم في الجامعة ولكن لم ير هذا المشروع النور للأسف...!
وتتويجا لتلك الجهود، وفى عام 1946 تم إختياره عضواً في مجمع اللغة العربية وعضواً مراسلاً للمجمع العلمي العراقي وتولى رئاسة المجمع العلمي المصري والأكاديمية المصرية للعلوم والجمعية المصرية لتاريخ العلوم والإتحاد العلمي المصري والكثير من الجمعيات واللجان المعنية بالشأن العلمي وما ذكرناه مجرد أمثلة لأنشطة هذا العالم الفذ.
وعند استقباله لأول مرة بالمجمع قدمه د. أحمد أمين قائلا: "مصطفى نظيف أستاذ فى الطبيعة ألف فيها كتابه الضخم فى البصريات ولا يزال مرجع الباحثين الى اليوم، وعكف على دراسة علماء الطبيعة عند العرب يكشف نظرياتهم ويقرنها بالنظريات الحديثة فكان لنا منه البحوث المستفيضة فى أبن الهيثم وتوضيح نظرياته واستخدام مصطلحات".
كان مصطفى نظيف أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم سنة 1958 هذا بالإضافة إلى وسام الجمهورية عام 1955 ووسام الاستحقاق سنة 1959.
وفى الثامن من مارس 1971 أقام مجمع اللغة العربية حفلا لتأبين واحد من أعضاءه المخلصين الذى صالوا وجالوا وقدموا كل شىء يفيد اللغة العربية، حيث كان من تقاليد المجمع ان يقوم احد أعضاءه بالقاء كلمة لتأبين العضو وكانت تلك الكلمة من نصيب الاستاذ الدكتور عبد الحليم منتصر التى بدأها: "أشفقت على نفسى، حين رأيتم أن أقوم بتأبين فقيدنا العظيم مصطفى نظيف، فأين أنا من الاحاطة بهذه الشخصية العظيمة الفذة، التى يعز نظيرها فيمن أعرف من الرجال، وأشفقت عليكم أن تستشعروا قصورى عن تجلية شخصيته، لأنى أعلم إجماعكم على حبه وتقديره، وهيهات أن أرسم صورة ترضيكم أو ترضون عنى من أجلها.