الجمعة 3 مايو 2024

مدينة منف قديما


صبرى محيى الدين مدير عام منطقه آثار سقارة

مقالات12-1-2023 | 17:12

د. صبرى محيى الدين

تزخر جبانة منف بالعديد من العناصر الأثرية بما تضمه من أهرامات ومعابد ومقابر وغيرها تنتمي لحقب مختلفة تغطى معظم فترات التاريخ المصرى القديم منذ العصور الموغلة في القدم

كان الملوك الثلاثة الأوائل للأسرة الأولى يدفنون في جبانة منف التى على ما يبدو اتخذوا منها مقـراً لهم. ومع بداية الأسرة الثالثة صارت منف عاصمة مصر والمقر الملكى وبيت الإدارة

كانت منف عاصمة للإقليم الأول من أقاليم مصر السفلى إنب حدج،  وظلت طوال  التاريخ المصرى القديم مركزاً سياسيا وإدارياً رئيسياً وقاعدة لإعداد القادة والجيوش

 

تعتبر جبانة منف واحدة من أشهر الجبانات في مصر القديمة خاصة وأن مدينة منف كانت العاصمة الرئيسية لمصر خلال معظم فترات التاريخ المصرى القديم.

 

وإذا كانت مدينة طيبة هي العاصمة الرئيسية في عصر الدولة الحديثة إلا أن منف ظلت العاصمة الإدارية ومركز قيادة الجيش والأسطول خلال تلك الفترة وإن كانت بعض الآراء تشير إلى أن منف كانت العاصمة السياسية لبعض الفترات خلال عصر الدولة الحديثة وبقيت طيبة كعاصمة دينية ومن ثم فقد نالت جبانة منف شهرة مدينتها وامتدت تلك الجبانة علي ما يزيد على مائة كيلو متر مرورا من الشمال بأبو رواش، الجيزة ، زاوية العريان، أبوصير، سقارة، دهشور، اللشت وجنوبا حتى ميدوم .

 

تعد جبانة منف من أهم المناطق الأثرية في مصر بل والعالم كله، وأكبر دليل على ذلك هو أنها تتصدر قائمة المواقع المسجلة كتراث عالمي بمنظمة الأمم المتحدة " اليونسكو". وتزخر الجبانة المنفية بالعديد من العناصر الأثرية بما تضمه من أهرامات ومعابد ومقابر وغيرها تنتمي لحقب مختلفة تغطي معظم فترات التاريخ المصري القديم منذ العصور الموغلة في القدم والتى تمتد منذ ما قبل التاريخ حتى نهاية العصر البيزنطى، وبقدر ثراء الجبانة الذي لا يعادله مكان آخر بقدر ما كانت الأبحاث المتواترة التي شملت جميع المناحى.

 

أولي مسميات عاصمة مصر هو (الجدار الأبيض) إنب حدج. 

 

ويرجع أصل اسم "منف" إلى عهد الأسرة السادسة. فهو اختصار لاسم مدينة هرم ﭙﭙـي الأول  التي كتبت كاملةً  " نيوت-مري-رع ، من-نفر/ﭙـﭙـي "، أى المقر الجميل مدينة محبوب رع- ﭙـﭙـي الأول. ثم فيما بعد أطلق على العاصمة.

 

وقد أكد منير بسطا الذى كان كبير مفتشر منطقة سقارة وميت رهينة الأثرية والذى قام بالعديد من الحفائر هناك ، حيث يؤكد أن اسم ميت رهينة الحالي معناه باللغة المصرية القديمة ’طريق الكباش‘ حيث كان هناك في العصور المتأخرة طريقاً للكباش يمتد من ميت رهينة إلى سقارة ووجد بقايا للطريق وتماثيله في منطقة هرم تتي. 

 

إن الملوك الثلاثة الأوائل للأسرة الأولى كانوا يدفنون في جبانة منف التي على ما يبدو اتخذوا منها مقـراً لهم. ومع بداية الأسرة الثالثة وتحت حكم الملك زوسر، وبمعرفة مهندسـه إيمحتـﭖ صارت منف عاصمة مصر والمقر الملكى وبيت الإدارة.

 

واستمر هذا الوضع حتى نهاية الأسرة السادسة حيث كان الملوك يدفنون في الجبانات القريبة: سقارة، الجيزة، أبو صير. وأما الأسرتان السابعة والثامنة طبقاً لمانيتون، وبالرغم من أن الفوضى كانت تعم العاصمة منف إلا أنهما اعتبرتا أسرتان منفيتان وفيما بعد انفصام عرى وحدة البلاد في عهد الأسرتين التاسعة والعاشرة، أعاد أحد ملوكهم، الملك خيتي الثالث الإدارة المركزية مرة أخرى إلى مدينة "منف".

 

أسس ملوك الأسرة الثانية عشرة عاصمتهم إثيت - تاوي بالقرب من منف، تبعد عنها قليلاً إلى الجنوب، كما أنهم شاركوا في بعض الإضافات المعمارية في معبد المعبود ﭙتاح. وأقاموا في المدينة وبداخل معبدها تماثيلهم. ثم اكتسبت المدينة في عهد الملك خنـﭽر  حوالي عام 1750ق.م -وهو أحد ملوك الأسرة الثالثة عشرة- مكانة خاصة بخلاف ما مضى، حيث يرجح أن الملك قد بنى قصراً في المدينة  كما أنه دُفِنَ في هرمه الواقع في سقارة على مقربة من مصطبة فرعون 

 

أعاد الملك أحمس الأول فتح أعمال محاجر طرى مرة أخرى بعد ما توقفت لفترة طويلة، وكان ذلك في العام 22 من حكمه، وقد أقام منشأة جديدة ضمن منشآت معبد المعبود ﭙتاح ومع مجىء عهد الدولة الحديثة، استعادت منـف نسبياً بعد قرون مظلمة دورها السياسى، وليس هذا فقط، بل لقد أُضيف عليه أدوار حربية وعسكرية لطابع نشأتها وموقعها الاستراتيجى، بجانب تلك الأدوار التي لعبتها على المسـتوى الاقتصادى، مما جعل منها عاصمة مصر الثانية.

 

وبداية من عهـد تحتمس الأول كان الابن البكر والوريث الشرعى للملك يقطن غالباً في منـف. وأصبح آمون- مس ابن تحتمس الأول القائد العام للجيش فيها، وأمنحتـﭖ الثانى ولد فى هذه المدينة وقد توفى فيها مبكراً أخوه تحتمس الرابع، وقُلِّدَ الأمير تحتمـس ابن الملك إمنحتـﭖ الثالث بها كبيـراً لكهنـة ﭙتـاح  .

 

لقد أثار اكتشاف العديد من مقابر أشراف الدولة الحديثة في سقارة التساؤل من جديد عن الدور الذى لعبته مدينة منف في عصر الدولة الحديثة والمكانة السياسية والإدارية والعسكرية التى تمتعت بها في تلك الفترة .

 

وقد كانت منف عاصمة للإقليم الأول من أقاليم مصر السفلى إنب حدج وظلت طوال  التاريخ المصرى القديم مركزاً سياسيا وإدارياً رئيسياً وقاعدة لإعداد القادة والجيوش انطلاقا من موقعها الجغرافى المتميز بين شطرى مصر الوادى والدلتا وقد كانت منف العاصمة السياسية صراحة فى عصر الدولة القديمة , ولكنها لم تفقد أهميتها بانتقال مركز الحكم إلى أهناسيا فى عصر الانتقال الأول وإلى إثت تاوى فى عصر الأسرة الثانية عشر وإلى طيبة وأخت أتون فى عصر الأسرة الثامنة عشر وإلى بررعمسيس فى عصر الرعامسة  بل استمرت كما ذكر أحمد بدوى تلعب دوراً إدارياً مؤثراً كعاصمة ثانية لمصر طوال هذه العصور.

 

عاش حور - م - حب فيها عندما كان قائداً للجيش مُعِدّاً لنفسه قبراً في جبانة سقارة.

 

وقد عثر بين أنقاض المدينة على آثار منقوشة تحكي قصة تتويجه فيها مبدئياً قبل تتويجه الكامل في طيبة. وفي نفس الوقت نمت أكبر حامية عسكرية بمصر ﭙا- خبش، والمعروفة منذ الأسرة الثامنة عشرة والتي ازدهرت طوال الأسرة التاسعة عشرة في ﭙـرو- نـفـر  ذلك الميناء النهري المدني الحربي الذي نشط خاصة في عهد الملكين تحتمس الثالث وإمنحتـﭖ الثاني.

 

وبدون أي شك كانت الحملات الآسيوية تنطلق حين ذلك من منـف وكان نتيجة تلك الحملات الناجحة تنشئة مستوطنات أجنبية سورية وحيثية على أرض المدينة منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة  مثل معسـكر الحيثيـين.

 

ولقد تعددت الطرق التي تصل منف بما حولها، بين طرق برية وطرق نهرية، كانت تستخدم في حالات السلم والتجارة ووفود الأجانب، كما فى حالات الحرب والأمور العسكرية من تحركات الجيش انطلاقاً منها أوعودةً إليها.

 

أما عن الطرق الشمالية فتتمثّل في طريقين أحدهما برى والآخر نهرى يتجه كلاهما نحو الجنوب من حوت-وعرت أفاريس إلى منف.

 

أما في أيام الأسرة التاسعة عشرة، فقد كانت منف مقر حكم الملك رعمسيس الأول وقد كان يرجع إليها آفلاً هو وولى عهده سيتي الأول مثلما حدث بعد شروعهم في بناء بهو أساطين الكرنك بطيبة.

ومن منف انطلق الأمير سيتى إلى معسكرات الجيش بالدلتا حيث شاهد التدريبات وقام بتعبئة الجيش وتوحيد هدفه.

وعندما أصبح هذا الأمير ملكاً يحمل اسم سيتى الأول أضاف لاسمه الشخصي صفة مرتبطة بالمعبود ﭙتاح هي محبوب ﭙتاح مما يدل على ميله إلى منـف ومعبودها  أكثر من ميله إلى آمون ومدينته طيبة.

 

ولقد توفى هذا الملك وقد توقفت القافلة التي تحمل جثمانه بقيادة ابنه وخليفته رعمسيس الثاني في منـف وكذلك في هليوبوليس سنة 1279ق.م تقريباً. من أجل إعلان الوضع الجديد في البلاد.

 

وقد شيع أهلها الملك الراحل بالدعوات واستقبلوا الملك الجديد بالترحاب. وبعد الانتهاء من طقوس جنازة سيتي الأول ودفنه بمقبرته المعدّة له في وادى الملوك بالأقصر عاد رعمسيس الثاني إلى منف

 

وأقام فيها كملك متوّج مثلما أقام فيها قبل أن يصبح ملكاً حيث كان قد اعتاد وهو أمير أن يمضي وقته - كما يعتقد "كتشن"- بين قصره الصيفى في منـف حيث الهواء العليل في الصيف ثم ينتقل إلى قصره الشتوى في طيبة حيث يجد الدفء ويحتفل بعيد أوبت الكبير عيد آمون في أشهر الشتاء. قبل أن يستقر في مدينته ﭙر-رعمسيس. واحتفل بيوبيله الأول في منـف وظل مقيماً بها طوال الأعوام الثلاثة الأولى من حكمه.

 

من أهم آثار الدولة الحديثة فى منف معبد بتاح ذى المساحة الكبيرة ويرجع لعصر الرعامسة وبالتحديد من عصر رمسيس الثانى  وبجوار معبد بتاح الكبير معبد خصص لعبادة بتاح صغير بنى فى عهد رمسيس الثانى بالقرب منه مقابر أمراء من الأسرة الثانية والعشرين وعلى الجانب الآخر من السور الجنوبى لمعبد بتاح يوجد مقصورة صغيرة للملك سيتى الأول بداخلها تمثال لثالوث يتوسطه المعبود بتاح وعلى جانبيه معبودتان يجلس على حجر كل منهما الملك سيتي الأول بهيئة طفل .وشمال المقصورة مبنى تحنيط الثور أبيس الذى قد ترجع أصوله إلى عصر الأسرة التاسعة عشر.

وجنوب معبد بتاح الكبير يوجد معبد صغير من عهد الملك رمسيس الثانى مكرس لعبادة حتحور كما أن هناك بقايا قصر كبير ومعبد من عهد الملك مرنبتاح فى كوم القلعة وفى غرب كوم القلعة يوجد معبد صغير من عهد رمسيس الثانى مكرس للمعبودين بتاح وسخمت.

Dr.Randa
Dr.Radwa