الأربعاء 15 مايو 2024

عاصمة الهكسوس.. حت وعرت - أواريس


عاصمة الهكسوس

مقالات12-1-2023 | 18:00

أ.د علاء الدين عبد المحسن شاهين

• أعمال  الحفر الأثرى،  وأهمها  البعثة الأثرية النمساوية بإشراف مانفريد بيتاك كشفت عن العديد من المنشآت المدنية  والعسكرية بالمدينة
• احتوت البقايا الأثرية بالمكان علي العديد من غالجعارين الهكسوسية الطابع  عليها أسماء موظفين  مصريين فى فلسطين

شهدت الحضارة المصرية في نهاية عصر الدولة الوسطى مرحلة انكسار وتفتت للحكومة المركزية وتوزع للسلطة السياسية عبر وادى النيل  بين عديد من  المراكز والقوى السياسية  الداخلية  خلال ما عرف باسم عصر الانتقال الثانى التي شغلت الأسرات  الثالثة عشرة إلي السابعة عشرة  (1786- 1576 ق.م) .

وازداد الأمر تعقيدا بفقد مصر سيادتها وسيطرتها علي حدودها الشمالية الشرقية عبر شبه جزيرة سيناء باتجاه مراكز شرق حوض البحر المتوسط  الآسيوية، وبالمثل تلك  الجنوبية باتجاه بلاد النوبة، وما ترتب عليه من تداخل لمجموعات بشرية آسيوية عرّفتها النصوص المصرية  تحت اسم HkAw xAswt حقاو خاسوت بمعنى حكام الأراضى الصحراوية (الأجنبية) والتي حُرفت فى  اليونانية نقلا عن مصادر تاريخ مانيتون  إلي هك سوس: ملوك الرعاة، وما عُرف اصطلاحا في التاريخ المصرى  بفترة الهكسوس.

وقد اتخذ هؤلاء الرعاة البدو من شرق دلتا نهر النيل موطنا لهم بحثا عن  الكلأ والمرعى كعادتهم عبر العصور، وزادوا علي ذلك  أن أسسوا نمطا سياسيا  كان سائدا في حضارات الشرق الأدنى القديم  باسم دويلة المدينة City-state  اتخذوا  لها عاصمة ما  عُرف في المصادر اليونانية باسم أواريس أوأفاريس تحريفا عن اللفظ في النصوص المصرية القديمة  باسم حت وعرت Ht- wart  ، والمرجح لها وفقا لغالبية الآراء  في نطاق تل الضبعة، الختاعنة وقنطير في شرق دلتا نهر النيل. 

وشغلت الأسرات الخامسة عشرة إلى السابعة عشر الإطار الزمنى لتلك الفترة، وحفظت المصادر النصية والأثرية بعض من أشهر أسماء ملوكها خاصة الملك خيان (أبوفيس).

يمكن القول بصفة عامة أن السيطرة الهكسوسية  لم تكن ناجمة عن غزو خارجي مفاجئ، وعن طريق جيش آسيوي الأصل، بل كان راجعا  فى المقام الأول  إلى ذلك  التسلل البشرى  إلى داخل الدلتا  خلال فترة الانهيار التدريجي في أواخر عصر  الدولة الوسطي، ومن مجموعات بشرية آسيوية عدة  سامية الأصل  والتى انتشرت بعد ذلك في شرق دلتا نهر النيل  بصفة خاصة.

ارتبط موقع  حت وعرت أيضا باعتباره  أحد خطوط الملاحة  الرئيسية من مصر القديمة  عبر الفرع التانيسي  ومن ثم عبر بحيرة المنزلة ومن ثم  إلى  أهم مينائى شرق حوض البحر المتوسط  في كل من بيبلوس (جبيل ) وأوجاريت (رأس الشمرة) في لبنان وسوريا علي التوالي.

وهناك احتمالية أيضا لتواصل ملاحي مع الحضارة المينوية خلال العصر البرونزى الوسيط وبدون شك خلال المرحلة الزمنية التالية في العصر البرونزى الحديث (المتأخر) فى موقعيها الرئيسيين في جزيرتى قبرص وكريت.

وعرّفت النصوص  ذلك الميناء النهرى المهم  الذي كان نقطة  الانطلاق والتواصل الملاحى النهرى السلمي  أو الحربي تاليا  لمصر القديمة   ولتلك المجموعات الآسيوية  تحت اسم برو – نفر prw- nfr  والذى يتطابق  اللفظ أيضا  مع ذلك الميناء النهري  المهم في العاصمة الإدارية النمطية المعروفة باسم من – نفر (منف) ميت رهينة الحالية بمحافظة الجيزة.

تميز موقع تلك العاصمة بتحصينات  نمطية لتلك  المعروفة عن دويلة المدينة  في شرق حوض البحر المتوسط  خلال العصر البرونزى الوسيط  خاصة من المواقع الأثرية فى فلسطين حماية لها من الأعداء، ورجحت صلة حضارية للهكسوس وأهل المكان، وإن ذهب رأى آخر إلى أن تلك البقايا المعمارية لما يعتقد أنه تحصينات خاصة بالهكسوس من منطقة تل اليهودية بصفة خاصة  ذات أصول مصرية وربما كانت أساسا لمعبد مصرى. ويمكن القول إن مثل النمط لفكرة المدينة المحصنة في ارتباط بدويلة المدينة (حت وعرت) انعكست الدلائل عليها من   نصوص حرب التحرير  تاليا من خلال  النشاط الحربي للملك كامس وحصاره لتلك المدينة  التي أغلقت أبوابها أمام جيشه وأسطوله  وعصت علي السقوط بين يديه.

أجريت العديد من أعمالا الآثرى بالمكان  لعل من بين أهمها  تلك الخاصة بالبعثة الأثرية النمساوية بإشراف مانفريد بيتاك والتي كشفت عن العديد من المنشآت المدنية  والعسكرية  وعما يرتبط بأرصفة الميناء النهري  بالمكان وبدون شك تلك الزخارف المينوية  الطابع ضمن بقايا قصر  الحكم بالمكان والذي اعيد النظر في تأريخه بفترة تالية من الأسرة الثامنة عشرة (!)، والتي دعمت وجهة النظر المنادية باستمرارية تواصل المكان (حت وعرت)  خلال فترة الوجود الهكسوسي بشرق دلتا نهر النيل الملاحي والحضارى مع الحضارة المينوية بمركزيها الرئيسيين في جزيرتي قبرص وكريت خلال منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.

ارتبطت حت وعرت  كعاصمة استثنائية  في مصر القديمة  بمجموعات بشرية أجنبية الأصل وكان لها من التميز الحضارى النسبى ما لها  برغم قصر المدة الزمنية  التي كانت عليها لعاصمة سياسية  خلال عصر الانتقال الثاني  فيما يوازي خاصة الأسرات الحاكمة الهكسوسية السادسة عشرة والسابعة عشرة، واحتوت البقايا الأثرية بالمكان عن أنماط مميزة من أنماط الجعارين بزخارفها  المميزة.

وعثر علي العديد من الجعارين الهكسوسية الطابع  عليها أسماء موظفين  مصريين في فلسطين مما دعي جيفيون إلى افتراض نوع من الإدارة المصرية علي فلسطين خلال تلك الفترة الزمنية .

وعثر أيضا علي مجموعة من الجعارين في أريحا ، تل العجول ، لخيش وجزر. 

 إضافة إلي ذلك عثر بالمكان وخارجه علي  الأنماط  المميزة من الأواني الفخاريةا اصطلاحا باسم فخار تل اليهودية  الأسود الشكل بخطوط بيضاء أحيانا عليه كان منتشرا أيضا في فلسطين، جبيل  وساحل سوريا خاصة في ميناء رأس الشمرة. 

ارتبط المكان أيضا بما كشفت عنه أعمال الحفر الأثري في حت وعرت  بالعثور علي أدوات هكسوسية الطابع  بصفة خاصة الخنجر الذي حمل خرطوش الملك أبوفيس الآسيوي الطابع ، والعثور أيضا علي وحدة خاصة للموازين.  وأيضا بما كشف عنه من دلائل علي مفهوم التعبد إلى ما يوازي المعبود المصرى ست فى هيئة المعبود سوتخ.                                  

أوضحت نصوص كل من أحمس بن أبانا وأحمس بن نخبت المراحل النهائية للصراع الحربي ضد الهكسوس من طيبة عاصمة الجنوب  للأسرة السابعة عشر المصرية حيث قاد  أحمس لواء الجهاد ضدهم وحاصرهم في عقر عاصمتهم حت وعرت والتي دارت المعارك حولها برا ونهرا عدة مرات، وتمكنه من السيطرة عليها ومتابعة فلول الهكسوس إلى خارج حدود مصر، ومحاصرته لهم في شاروهين (تل الفرعة الحالية )  وتمكنه من اجلائهم عنها بعد حصار دام سنوات منهيا بذلك فترة من فترات الانهيار السياسي فى تاريخ مصر القديمة. انهارت حت وعرت عاصمة الهكسوس تحت ضغط الهجمات المصرية خلال حروب التحرير بدء من سقنن رع وولديه كامس وأحمس  الأول (الثاني؟) لتبدأ مصر دورة جديدة من تاريخها السياسي ومجدها العسكرى خلال عصر الدولة الحديثة  وتأسيسها لإمبراطورية  ضخمة امتدت من حدود مياه نهر الفرات (المياه المعكوسة ) mw kdw في النصوص المصرية في القطاع الآسيوي الي نباتا (جبل برقل) علي الجندل الرابع علي نهر النيل في القطاع الأفريقى.

Dr.Radwa
Egypt Air