الخميس 16 مايو 2024

مدينة القطائع الطولونية.. ثالث عواصم مصر الإسلامية 254 هجري/ 868 ميلادي

مدينة القطائع الطولونية

ثقافة13-1-2023 | 14:05

د. فاتن محمد البنداري الشيخ - أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

عناوين:

شيد ابن طولون القطائع بعمارة جيدة فتشعبت فيها الشوارع والطرق وعمرت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران والحوانيت

فى مكان مجاور لقصره بنى أحمد بن طولون ميدانا عبارة عن ساحة كبيرة مستديرة تشبه ساحة القتال يستخدم فى تدريبات الجند عند الراحة ووقت السلم حتى يطوروا من فنون الحرب والقتال لديهم عند تعبئة الجيش

 

تنسب مدينة القطائع إلى أحمد بن طولون أول من استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان قدومه كقائد له صولاته وجولاته فى الجيش العباسى، ليصبح واليا ثم مستقلا بمصر عن الخلافة العباسية فور قدومه، فقد سكن أحمد بن طولون فى بداية الأمر بمدينة العسكر، ثم بعد أن ضاقت به وبجنوده مدينة العسكر  أمر ببناء مدينة القطائع الاى هى على قمة جبل يشكر , ذلك الحى الذى يقع فى منطقة السيدة زينب فى الوقت الحاضر.

حرص أحمد بن طولون على اختطاط أرض جديدة ليتوسطها قصره والميدان والمسجد الجامع وقصور كبار أمراء الجيش الطولونى وكبار قواده العسكريين وثكنات الجند، كما أعطى أحمد بن طولون مسئولية الإشراف على البناء لقواده وجنوده لبناء مساكنهم ومخصصاتهم من نفقات البناء لتكون منحة خالصة لهم فكان اختطاهم داخل المدينة الجديدة التى لم يسبقهم إليها أحد بداية جديدة ونموذجا حضاريا للمدينة الإدارية والعسكرية فى مصر فى العصر الطولونى وعن ذلك يذكر البلوى فى كتابه سيرة أحمد بن طولون بقوله: "فاختط بها قصرا" أى أحمد بن طولون "وأمر أصحابه  ......... أن يختطوا لأنفسهم حوله".

فكانت تنمية المدينة الجديدة "القطائع" فى ذلك الوقت دالة على حقيقة تقسيمها إلى قطع خصصت له كمقرا لحكمه وسكنا لجنوده وكبار قواده.

 

وتطور آخر شهدته مدينة القطائع ضمن مراحل العمران لها لتتسع حدودها إلى خارج حيز مدينة القطائع وهذا ما تؤكده المصادر التاريخية منها ما ذكره "أبو المحاسن بن تغرى بردى" فى نجومه بقوله: "وعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والأزقة وعمرت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران والحوانيت والشوارع".. مما يدل على جمال العمران ووفرة الخدمات اللازمة للحياة اليومية داخل القطائع الطولونية بمصر، كما أنها تميزت بخصائص فن العمارة والتخطيط الجيد عند البناء للمدينة الإسلامية فى ذلك الوقت كما وصفها المؤرخون قبل حريق القطائع من قبل قواد بنى العباس لإجبار ما بقى من قواد جيش الطولونى رغم تصدى القائد ابن الخلنجى المصرى لعودة النفوذ الطولونى مرة أخرى فى نهاية العهد إلى أن نجح قواد الدولة العباسية الذى أحرق القطائع وأجهز على جميع معالمها فلم يبقى لنا من  القطائع شيء سوى جامع ابن طولون فهو الأثر الطولونى الوحيد الباقى للدولة الطولونية، ذلك المسجد الذى اشتهر بمئذنته ذات الشكل الملتف على غرار مآذن سامراء بالعراق كما حرص أحمد بن طولون ومن بعده ابنه خمارويه على تخصيص القراء للقران الكريم داخل المسجد الجامع والمعروف بجامع ابن طولون.

 كذلك حرص  على إنشاء المستشفيات لعامة المصريين بها وأجبر جنده على عدم مزاحمتهم لأهل البلاد الذين سكنوا القطائع عند توسعتها وجعل للعامة مستشفياتهم مما يفهم منه أنه كانت فى القطائع مستشفيات خاصة بالجند وكيف لا وهم أساس دولته.

وتأكيدا على الطابع العسكرى للقطائع كان الميدان الذى بناه أحمد بن طولون وهو مكان مجاور لقصره عبارة عن ساحة كبيرة مستديرة تشبه ساحة القتال يستخدم فى تدريبات الجند عند الراحة وقت السلم حتى لا يركن الجند للدعة والراحة وليطوروا من فنون الحرب والقتال لديهم عند تعبئة الجيش ويوجد بداخل الميدان ما يعرف بالبرج وهو برج كبير للحمام وعند تطوير القطائع زمن خمارويه هدم قصر ابن طولون ليحل محله قصر أكبر إلا أن خمارويه حرص على الحفاظ على برج الحمام ونقله إلى الميدان الجديد الذى بناه ويفهم من هذا الأهمية الاستراتيجية والأمنية للبرج والمراسلات السرية من عمل الاستطلاعات العسكرية ولدمج الطيور المختلفة والنادرة داخل البستان الذى به أبراج الحمام الزاجل والمدرب للتمويه عن الغرض الأساسى لأبراج الحمام  وفى ذلك الوقت.

كان للميدان بابان واحد منه خاص بدخول قواد الجيش وساحة الميدان ينطلق منها العروض العسكرية لفرض المهابة وقوة الجيش فى جميع أرجاء البلاد فمع حلول عام 259 هـ /872 ما صبح أحمد بن طولون ورجال دولته ومن ثم ابنه من بعده فى مرحلة القوة والازدهار وعمار مدينة القطائع  وإصرارهم على التأكيد على الصبغة العسكرية لدولتهم وعاصمتها القطائع أن استخدموا ألقابا تؤكد على ذلك فكانت ألقابهم ألقابا عسكرية مثل "أبو الجيوش" لقبا لخمارويه، و"جيش بن خمارويه"، و"أبو العساكر جيش بن خمارويه" وغيرها من الأسماء الدالة على الصفة العسكرية لآل طولون التى على أساسها بنيت القطائع وعلى أساسها قامت دولتهم.

كما شهدت مدينة القطائع العديد من الإنجازات العسكرية والاحتفالات هذا بالإضافة إلى العروض العسكرية الذى كان يجوب شوارع العاصمة بكامل آلاته من الركاب والخيول والأعلام والبنود وغيرها من العتاد كذلك من المناسبات التى شهدتها القطائع الاحتفال بتنصيب كبار القواد داخل الجيش الطولونى الذى يعرف بعقد اللواء فمن النظم المتبعة عند عقد اللواء الذى يعد من أرقى مراتب الترقى، وعقد اللواء أمر اتبعه الطولونيين وهو بالمفهوم العسكرى مرتبة أعلى مكانة للقيادة داخل الجيش، كما أنه أعقد فى الأعباء كما فعل أحمد بن طولون وعن هذا يذكر الكندى بقوله: "فعقد أحمد بن طولون لبهم بن الحسن ...... فبعث  أحمد بن طولون بهم بخلع وطوق من ذهب"، وفعل ذلك أيضا خمارويه بن أحمد بن طولون فذكر أبو المحاسن عن عهد خمارويه بقوله: "وأول ما ملك مصر عقد اللواء لأبى عبدالله أحمد محمد الواسطى على جيش الشام لست خلون من ذى الحجة سنة سبعين ومائتين "واللواء لا يعقد إلا بعد صولات وجولات للقائد الذى أبلى بلاء حسنا فى الجيش المصرى فى العصر الطولونى واللواء للقائد على أن يكون عدد جنده يزيد عن ألف جندى، كذلك مما يستحق الاهتمام أن مع تأسيس مدينة القطائع ومنذ العهد الطولونى وتأسيسه لأول جيش مصرى فى العصر الإسلامى نظام مثبت وله ديوانه  فقد أخذ على عاتقه الحفظ على أمن وسلامة البلاد بل وحماية المنطقة من حوله بل وحماية الخلافة العباسية وخلفاء بنى العباس أنفسهم وهو دور للجيش المصرى  التزم به وعمل على حماية البلاد والعباد والمنطقة جميعها من حوله على مر العصور  التاريخية.