الخميس 21 نوفمبر 2024

أخبار

العاصمة الإدارية الجديدة.. حجر أساس في بناء الجمهورية الجديدة

  • 13-1-2023 | 15:02

الدكتور ياسر شحاتة

طباعة
  • أ.د. ياسر شحاتة

عناوين:
● أدركت الدولة المصرية من أجل تعزيز المجتمعات أن التوسع  والصمود العمرانى والحضارى أحد أشكال التنمية المستدامة وأحد الملامح المميزة للقرن الحادى والعشرين
● هناك ارتباط وثيق بين إنشاء المدن الإدارية الجديدة والتى تتسم بسمات بيئة الأعمال الحديثة من تطور وتنمية ومواكبة للمتغيرات الخاصة وبين التنمية المستدامة
● العاصمة الإدارية الجديدة هى أبرز التجارب المصرية التى تعد رائدة فى هذه الآونة، فهي بحق نموذج للتخطيط العمراني المستدام


إن المدن الإدارية الجديدة هي أحد التحولات التي يشهدها القرن الحادي والعشرون. وتعتبر تعزيز للمجتمعات ظهرت ضمن التنمية المستدامة حيث تعتبر التنمية المستدامة واحدة من أهم الأفكار التى انتشرت خلال الفترة الأخيرة حيث بدأ لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤكدًا على أن الاستدامة هي قضية عدالة اجتماعية لأجيال الحاضر والمستقبل على السواء. وتعتبر عملية شاملة تهدف إلى إيجاد سبل ووسائل تضمن الانتقال من حالة التخلف الاقتصادى والاجتماعى للدول إلى وضعية أكثر ازدهارًا تسودها الرفاهية وتحسن المستوى المعيشي، حاضراً ومستقبلاً، يرتبط فهم مفهوم التنمية المستدامة من الناحية النظرية بالاستدامة البيئية - وهو تطور يوفر الظروف البيئية اللازمة التي تُمكن الحياة من الرفاهية حاضراً ومستقبلاً. هذا أيضًا نهج شمولي لا يلاحظ التنمية المستدامة منفصلاً عن حماية البيئة ويوضع فى سياق اجتماعي واقتصادي. ومع ذلك، من أجل تحقيق الظروف البيئية اللازمة، يجب أيضًا تحقيق بعض الظروف الاجتماعية بالنظر إلى أثرها أو عدم أثرها على الاستدامة البيئية. لقد تمثلت أهداف التنمية المستدامة فى القضاء على الفقر والجوع وتحسين التغذية، توافر الحياة الصحية السليمة، ضمان جودة التعليم، تعزيز فرص العمل، تحقيق المساواة، وتمكين المرأة، توافر الإدارة المستدامة للمياه والنظافة، الطاقة الجيدة، تعزيز استدامة النمو الاقتصادي وتعزيز التوظيف الكامل، توافر البنية التحتية القوية، تقليل اللامساواة، توافر الاستقرار الإنساني المستدام، مقاومة آثار التغيرات المناخية، المحافظة على موارد البحار والمحيطات، مقاومة التصحر وإيقاف خسائر التنوع البيولوجي، تعزيز المجتمعات وتوفير العدالة داخل المجتمعات، تقوية وسائل تفعيل الشراكات للتنمية المستدامة عالمياً. ومن هنا تتلخص أهداف التنمية المستدامة بين الطموح والأهداف، حيث تركز أن تكون المجتمعات مزدهرة تستمد ذلك من خلال زيادة النمو والذى يؤدي بدوره لرفع المستوي المعيشي ومن ثم تحقيق الرفاهية، وضمان الاستدامة، وتوفير بنية أساسية قوية لكونها العمود الفقري للتنمية المستدامة، ومن ثم تعزيزا لاقتصاد القومي الذى يساعد على تحقيق مستوى أفضل من المعيشة. يدور مفهوم الاستدامة البيئية حول البيئة الطبيعية وكيف تظل مثمرة ومرنة لدعم الحياة البشرية. تتعلق الاستدامة البيئية بسلامة النظام البيئي وقدرة تحمل البيئة الطبيعية. يتطلب ذلك استخدام رأس المال الطبيعي بشكل مستدام كمصدر للمدخلات الاقتصادية. والنتيجة هي أنه يجب حصاد الموارد الطبيعية بشكل أسرع مما يمكن تجديدها بينما يجب أن تنبعث النفايات بشكل أسرع من البيئة التي يمكن استيعابها، وذلك لأن أنظمة الأرض لها حدود أو حدود يتم فيها الحفاظ على التوازن. ومع ذلك، فإن البحث عن النمو المطلق يفرض متطلبات أكبر على النظام الأرضي ويضع ضغطًا أكبر على هذه الحدود لأن التقدم التكنولوجي قد يفشل فى دعم النمو المتسارع. 

ولكنني أرى أن جودة حياة الأفراد تتأثر بالسلب أو الإيجاب بفعل جودة البيئة، وقد يظهر ذلك الأثر بسبب عوامل معينة مثل تلوث المياه والهواء ونقص المرافق والأنظمة الصديقة للبيئة وانخفاض جودة المساكن لذلك تقل قابلية الأفراد فى تلك البيئة فى الشعور بالانتماء لها. ولذلك  أصبح الاهتمام بالبيئة من أهم مؤشرات تقييم حضارة الدول، ولهذا فإن إدارة البيئة بشكل سليم أمر لابد من الاهتمام به لعملية التنمية، بالإضافة إلى تحقيق تنمية مستدامة من خلال حماية الموارد الطبيعية، وذلك عن طريق محاولة حسن التعامل مع تلك الموارد وتوظيفها لصالح الإنسان من أجل تحسين المستوى المعيشي. 

من هذا المنطلق أدركت الدولة المصرية من أجل تعزيز المجتمعات أن التوسع  والصمود العمرانى والحضارى أحد أشكال التنمية المستدامة وأحد الملامح المميزة للقرن الحادى والعشرين. حيث التزايد السكانى، وزيادة الاستقرار والتمركز فى المناطق الحضرية ترتب على ذلك استقرار وتمركز للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فى تلك المناطق.. بالإضافة إلى الأنشطة البشرية. كل هذا يؤثر بشكل كبير على استدامة مجالات الصحة، والسكان، والتعليم، والخدمات، وفرص العمل. كل هذه المجالات وضعتها الدولة المصرية فى الاعتبار عند خطتها للتخطيط لبناء المدن الإدارية الجديدة التى تعتمد فى تنفيذها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. والجدير بالذكر أن المدن الإدارية الجديدة والمدن الذكية، والمدن المستدامة أصبحت إحدى مقومات النجاح مستقبلاً للدول الراغبة فى إحداث نمو وتوسع وتنمية مستدامة. ولعل العاصمة الإدارية الجديدة هى أبرز التجارب المصرية التى تعد رائدة فى هذه الآونة. فهي بحق نموذج للتخطيط العمراني المستدام. إن مصر منذ تقييمها للوضع الراهن في عام 2014 حيث حددت خارطة طريق مستقبلي في كل المحاور، فكان اهتمام الحكومة بإنشاء مدن جديدة خضراء تتوافق مع الجانب البيئي منها  العاصمة الإدارية الجديدة. لقد بدأت الدولة المصرية تجربة المدن الجديدة. حيث بدأت فى إنشاء مجموعة من مدن الجيل الرابع والتى شهدت تطورا كبيرا من حيث التصميم والتنفيذ. تجربة المدن الجديدة بدأتها مصر على مدار الأربعين عامًا الماضية فأصبحت تلك المدن أكثر مواكبة للتطورات التكنولوجية الحديثة فقد انتهت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من وضع المخطط النهائي بشكل تفصيلى لإنشاء وتنفيذ 44 مدينة جديدة بجميع المحافظات المصرية فى إطار المخطط القومى للبناء والتنمية العمرانية وخطة الدولة للتنمية المستدامة 2030، فكانت العاصمة الإدارية الجديدة. ففي إطار خطة الدولة لتطوير وتحويل القاهرة إلى مركز ثقافى وسياسى واقتصادى متميز فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وذلك عبر خلق بيئة متطورة اقتصاديًا، فضلاً عن الحفاظ على الأصول التاريخية والطبيعة المتميزة والفريدة فى القاهرة لتحقيق التنمية السياحية المستدامة لذلك تم تخصيص 170 ألف فدان لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة شرق مدينة القاهرة، وقد تم اختيار هذا الموقع لتميزه وقربه من منطقة قناة السويس، بالإضافة إلى الطرق الإقليمية الجديدة. يبلغ عدد السكان المستهدف نقلهم إلى العاصمة خلال المرحلة الأولى حوالى 5 مليون نسمة. بالإضافة إلى نقل من 40 – 50 ألف موظف حكومى. يوجد العديد من الأهداف لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لعل أهم تلك الأهداف تتمثل فى أن تكون مدينة ذكية (إلكترونية فى خدماتها)، مدينة خضراء تراعى المعايير الدولية لجودة الحياة، بالإضافة إلى أن تكون مدينة مستدامة صديقة للبيئة، ومدينة للأعمال بمعنى إنشاء مركز للمال والأعمال يخدم القاهرة وإقليم قناة السويس. إن بناء العاصمة الإدارية الجديدة ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المصرى، وذلك من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات، فضلاً عن تفريغ القاهرة الكبرى من التكدسات، بالإضافة إلى الاهتمام بتعزيز الصناعات الخاصة بالطاقة الجديدة. لقد اعتمد تخطيط العاصمة الإدارية الجديدة على إنشاء مركز إدارى جديد للمال والأعمال، واستعادة ريادة العاصمة، وتهيئة المناخ الثقافى والسياحى للقاهرة الجديدة، ونجد أن هذا التخطيط يركز على بعض المبادئ لعل أهمها: التأكيد على التراث والهوية العمرانية، فضلاً عن مساحات مفتوحة وحدائق عامة، وأخيراً مدينة ذكية من خلال استخدام أحدث التقنيات التكنولوجية فى كل الخدمات والأنشطة. والجدير بالذكر أن أهم مكونات العاصمة الإدارية الجديدة الحى الحكومى – الحى السكنى – حى الأعمال – المحور الأخضر – مدينة المعرفة – منطقة الأعمال المركزية.  مما لا شك فيه أن العاصمة الإدارية الجديدة تمثل نموذجا للمدن الذكية ويرجع ذلك بسبب أن مفهوم الرقمنة أصبح مهما في قطاع الإنشاءات والتنمية العقارية المصري ولا سيما في ظل اتجاه الدولة لزيادة المشروعات العقارية والقومية المستدامة التي تعتمد على التقنيات الذكية والاستدامة التنموية. 

وأخيراً أؤكد على أن هناك ارتباط وثيق بين إنشاء المدن الإدارية الجديدة والتى تتسم بسمات بيئة الأعمال الحديثة من تطور وتنمية ومواكبة للمتغيرات الخاصة وبين التنمية المستدامة. حيث نجد الاقتصاد الذكى والحوكمة الذكية، والبيئة الذكية، والنقل الذكى. تلك المكونات تدعم تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وأيضًا الاستدامة المؤسسية مما لا شك فيه أن الدولة المصرية اتخذت العديد من الخطوات الفعالة للتحول صوب المدن الإدارية الجديدة كمدن ذكية إدراكاً منها بأن هذا الاتجاه له أثر إيجابى كبير على الاقتصاد المصرى. كما أدركت وتحركت صوب التوسع فى استخدام التكنولوجيا المتطورة فى جميع الخدمات، فضلاً عن اهتمام الدولة بتحسين جودة الحياة فى مختلف المدن المصرية واستهدفت الاستدامة من خلال اهتمامها بتوفير وسائل نقل ذكية وصديقة للبيئة وتخفيض التلوث. 
كل ذلك تم إعداده من خلال استراتيجية قومية للدولة المصرية استطاعت أن تضيف للاقتصاد المصرى قيمة مضافة، فكانت ثقافة الإنتاج والعمل والتى شكلت جزءا أصيلا فى فكر ووجدان كل مصرى، وأكدت على أن الدولة التى لديها إدارة حقيقية تستطيع.. فاستطاعت مصر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة