السبت 18 مايو 2024

طقوس الأدباء.. إبداع بين المقابر وإلهام بدورات المياه

15-8-2017 | 19:21

كل وجع إنساني له ملامحه التي تشكله في النهاية ليخرج إبداعًا لا يتصور أحد أنه نبع من رحم مفارقات وظروف وأمكنة حفرت في تجربة المبدعين لتصل في صورتها النهائية المرتبة والمثيرة والمشوقة، وطقوس الكتابة لدى الأدباء والمبدعين تكشف أسرارًا وحكايات وغرائب لم يكن ليتخيلها القارئ وهو مندمج في قراءة عمل مثل ثلاثية نجيب محفوظ التي كتبها في عوامته الشهيرة والتي ظهرت في إحدى روايات الثلاثية "قصر الشوق والسكرية وبين القصرين" و تحولت إلى أفلام خلدت في تاريخ السينما العربية، كما لعب المقهى دورًا كبيرًا في كتابات أديب نوبل، فكثيرًا ما استعار من المقهى شخوصًا وأفكارًا لأعماله الأدبية، وعرف عنه حبه لاستماع الموسيقى قبل الكتابة، أما أثناء الكتابة فكان يشرب القهوة ويدخن بشراهة.

ومن طقوس الكتابة المرتبطة بالإلهام والرومانسية، تفوق الشاعر الكبير نزار قباني في تلك الطريقة بالكتابة، ولمَ لا؟ وهو أفضل من كتب عن النساء، واقتحم أسوار قلوبهن وعقولهن، فكان "نزار" يكتب على ورق ملون أصفر أو زهري، وكان يعيد الكتابة على الورقة الواحدة عدة مرات، وينفصل تمامًا عن كل ما هو محيط به حتى ينهي كتابة قصيدته، فيما لم يكن المسرحي الكبير محمد الماغوط يكتب إلا في وجود دفتر وقلم أنيقين، مستخدمًا حبرًا مختلفًا في كل مرة يكتب فيها فكرة.

وكان الكاتب محمد حسنين هيكل يقرأ همسًا ما يكتبه.

ومن الكتاب العالميين، دوستويفسكي، الذي كان يقرأ الرواية التي يكتبها بصوت عالٍ حتى يحفظها عن ظهر قلب قبل أن ينتهي من كتابتها، لكن أجاثا كريستي كانت لا تستحضر أفكارها إلا في الحمام.

هناك طقوس أخرى للكتابة غير اختيار الأمكنة وهي طقوس الورق، على سبيل المثال كان أسامة أنور عكاشة لا يكتب إلا على ورق مسطر له ملمس خاص، من عادته إذا واجهته مشكلة أثناء الكتابة أن يستغرق في رسم خطوط أو دوائر.

ود.زكي نجيب محمود كان يبدأ بكتابة اسمه على يمين الصفحة، والعنوان في منتصفها، وكان يقطع الورقة التي يكتب عليها إلى نصفين، وعرف عن توفيق الحكيم أنه يكتب على ورق بحجم الكف، كذلك كان عباس محمود العقاد يكتب على ورق في مساحة الكف وغير مسطر، فإذا لم تعجبه لفظة أو عبارة لا يحذفها، بل يطمسها بشكل لا يغير من معالمها.

وكان مصطفى أمين يحذف ويشطب بعض الكلمات، وقد يمزق الأوراق إذا لم يعجبه المقال في النهاية، وأحمد بهاء الدين يكتب المقال على دفعة واحدة، لكنه يشطب الكلمات التي لا تروق له، ولا يرمي الورق ولا يستبدله.

أما إبراهيم عبد المجيد، فلا يكتب إلى الآن إلا على الورق الأبيض، وقد أعاد كتابة روايته (بيت الياسمين) عشرات المرات، أما يوسف القعيد، فيكتب على مراحل، يبدأ بالتسويد ثم الصياغة على ورق أصفر.

وكان للكاتب الراحل خيري شلبي طقس غريب اشتهر به بين الكتاب، فقد اتخذ من المدافن مكتبًا له وكان يذهب بقدميه للعيش بين القبور، وقد كانت المدافن مصدر إلهام له، وكتب كثيرًا من رواياته الشهيرة هناك، مثل “الوتد” و”وكالة عطية” وغيرها.

وتحكي ابنته "ريم" أن الصدفة وحدها قادته إلى المقابر، بعد أن تعطّلت سيارته في شارع صلاح سالم، فانحرف إلى أطراف منطقة المقابر للعثور على من يصلحها.

وبينما كان "الميكانيكي" منهمكًا في إصلاح الخلل، كان هو يخرج أوراقه من حقيبته، ويجلس على كرسي صغير عند باب "الجراج"، ليواصل الكتابة في رواية كان قد بدأها.

وقد أدهشه أن الهواء الطلق لمنطقة المقابر أسهم في إطلاق طاقته الكتابية بشكل بدا له سحريًا، فقرر منذ تلك اللحظة، الانتقال للسكن في تلك المنطقة.

وبمساعدة "الميكانيكي" نفسه، وفِّق للعثور على مسكن مناسب.

 

    الاكثر قراءة