الخميس 25 ابريل 2024

في الممنوع .. مجدي مهنا

مقالات19-1-2023 | 10:08

الصحافة الحقيقية تلك التي تعبر عن آلام وآمال الوطن، وتحترم عقل المتلقي، فتصنع من الصحفي أميرا في بلاط صاحبة الجلالة، هكذا أصبح صاحب «في الممنوع» الكاتب الراحل مجدي مهنا، واحدا من بين أمرائها على مدار تاريخ المهنة، كان يحمل قضايا المواطن اليومية على سن قلمه، وصنع من عموده اليومي وجهه لعشاق الكلمة الحرة. 

كان «مهنا» يكتب في الصفحة الأخيرة من «المصري اليوم» عموده اليومي «في الممنوع»، ولم يكن مجرد عنوان براق لأحد الأعمدة الصحفية بقدر ما كان مساحة اشتباك يومية تعبر عن الرأي العام المصري تجاه مختلف القضايا، وميزانا حساسا لـ«آلام وآمال الوطن». 


كنت وأبناء جيلي ننتظر أن نتنفس يوميا نسائم الحرية التي تفوح من بين سطور ذلك المقال اليومي الذي جعل الكثير من القراءة يبدأ مطالعة الصحيفة من «في الممنوع»

كان الراحل العظيم خارج المنافسة بالرغم من وجود العديد من الكاتب وشيوخ المهنة العظام آنذاك بين معارض ومؤيد للسلطة، لكن صاحب «في الممنوع» كان يؤمن أن القارئ وحده هو صاحب السلطة الحقيقية علي القلم. 


لم يكن هناك أحد لديه القدرة علي وضع «مهنا» في خانة بعينها، كان الرجل مؤمنا بضرورة استقلالية الصحفي، لم يقبل بعلاجه آنذاك علي نفقة الدولة، رحل جسد مجدي مهنا في 8 فبراير عام 2008 و ظلت كلماته باقية تشكل جانبا من الضمير المهني و الانساني لكل صاحب قلم. 


وحينما رحل قال عنه «هيكل» «فقدنا مقاتلاً باسلاً من كتيبة جيل الصحفيين الجدد، لقد كان اهتمامي به شديداً، ورجائي فيه واسعاً، إذ كنت أراه ومعه عدد من رفاق جيله «بشارة» بعودة الأمل للصحافة المصرية، بعد سنوات تبدى فيها، لي ولغيرى، خطر بقاء الأرض خلاء موحشاً»، ورحل «هيكل» في فبرابر 2016 وتظل الصحافة أشبه بموجات الصعود والهبوط بين جيل وآخر، هناك من نتذكر بصماتهم العظيمة، وهناك من تصاب الذاكرة أمامهم بـ«الزهايمر». 


عزيزي مجدي مهنا، كنت نموذجا حقيقيا للصحفي القابض علي المهنية، اليوم أسطر بعض الكلمات عنك وعن صاحبة الجلالة، و بعض الكلمات، تحمل آمال و أحزان، تكاد شمس الصحافة الورقية تغرب، لصالح شكل جديد من الصحافة الإلكترونية بحكم التطور الكبير الذي يشهده العالم في تكنولوجيا المعلومات، ولا يمكن للصحافة أن تتجاهل التقنية الحديثة التي أصبحت محورا جوهريا من الحياة اليومية للمواطن، ومصدرا من مصادر تمويل صناعة الصحافة، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في المحتوى الذي يتم تداوله ومعالجته على المنصات الصحفية، يمكننا تقيم ذلك المحتوى عبر القراءة الحقيقية لتعليقات القراء، لا يمكن أن تقدم موضوعات بعيدة عن دوائر اهتمام المتلقي وتجد منه تفاعلا حقيقيا، أو يستمر في متابعة المنصة الصحفية و حساباتها الرسمية علي وسائل التواصل الاجتماعي. 
 
 الواقع الذي يجب أن ندركه جميعا، أن هناك معايير ومجموعة من القيم الصحفية لا يمكن أن نتجاوزها كي نقدم الصحافة التي تحظى باهتمام المتلقي واحترامه، بل و تفاعله أيضا، لا يمكن أن تقدم محتوى الهدف منه صناعة التريند على غرار «استفزاز المشاهير» أو الجري خلف «زواج و طلاق» آخرين، واختراق الحياة الخاصة، هكذا تتحول الصحافة من صناعة الرأي العام إلى صناعة «التخلف العام»، علينا إدراك أن صناعة الصحافة والإعلام يقودها التريند الآن أيًا كانت طبيعة ذلك التريند، و أن السياسة التحريرية لمعظم المنصات الصحفية في حالة غثيان وتراجع أمام حجم المشاهدات أيًا كان المحتوى المقدم.


إحدى مقدمات البرامج، أصبحت تصريحاتها « غير المنضبطة» في برنامجها التليفزيوني، مقررًا يوميًا على الصفحات الرسمية لغالبية البوابات الإخبارية.

 
 إن الأزمة التي تمر بها صناعة الصحافة لا تكمن في ارتفاع معدلات تكلفة المنتج النهائي وضرورة البحث عن تمويل فقط، إنما بشكل جوهري في غياب المهنية لدى البعض منها، والاستسهال لدى البعض الآخر، مما فتح الباب لتدول بعض مواد الفيديو المنتقاة من بعض محطات التليفزيون والتي تثير الجدل، بهدف تحقيق أرباح. 
 

عزيزي مجدي مهنا..  لا يزال القارئ يذكرك يبحث عنك ربما يأتي من هم على غرارك يوما ما لتشرق من جديد صحافة «في الممنوع» 


 

Dr.Randa
Dr.Radwa