الخميس 21 نوفمبر 2024

شيخ الملحنين زكريا أحمد فى حواره النادر مع الكواكب: أم كلثوم سيدة مطربات الشرق

زكريا أحمد و أم كلثوم

21-1-2023 | 13:09

خالد فؤاد

أشهر حوار له نشر بمجلة الكواكب عام ١٩٤٩ كشف فيه تفاصيل علاقته بكوكب الشرق أم كلثوم عاش طفولة صعبة ووالده انزعج بسبب عشقه للفن وعانى من اضطهاد زوجة أبيه أصبح أحد عمالقة الموسيقى العربية وثالث الخمسة الكبار وموسيقاه خالدة حتى اليوم بشهادة الملحنين الجدد قدم أهم الأغنيات وتعاون مع أهم المطربين فى القرن الماضى والجيل الجديد يتغنى بأعماله قدم لأم كلثوم أهم وأروع القصائد والأغنيات لايمكن أن يختلف اثنان على قيمة وعظمة ومكانة الموسيقار الكبير الراحل زكريا أحمد فى الموسيقى العربية والذى تمر هذه الأيام الذكرى الـ 127 على ميلاده حيث ولد فى يوم 6 يناير 1896 وتحل ذكرى رحيله الثانية والستين فى منتصف الشهر القادم حيث ودّع عالمنا بعد مشوار حافل وعطاء كبير فى يوم 14 فبراير 1961.

 

لم تقتصر إسهاماته وتأثيره خلال القرن الماضى الذى شهد توهجه وإبداعاته العظيمة فحسب، بينما لاتزال مستمرة حتى اليوم باعتراف كل الموسيقيين الذين ولدوا بعده ولم يعاصروه فقد اتفق معظمهم على أنه كان أحد الأسباب الرئيسية فى عشقهم لفن الموسيقى والغناء منذ نعومة أظفارهم وتعد موسيقاه وألحانه بمثابة الكنز الذى يستمدون منه الجُمل الجديدة . ومما يؤكد هذا أن الكثير من المطربين سواء من جيل الوسط أو هذا الجيل يتغنون بألحانه القديمة فى الحفلات الكبرى التى يقومون بإحيائها. فهو بحق وكما تم تلقيبه شيخ الملحنين المصريين وأحد عمالقة الموسيقى العربية فى العصر الحديث وأحد أهم صناع التراث الموسيقى . بل هو ثالث الخمسة الكبار بعد سيد درويش ومحمد القصبجى، حيث قدم ألحانا خالدة لكبار المطربين فى القرن الماضى ويأتى فى مقدمتهم بالطبع كوكب الشرق وسيدة الغناء العربى أم كلثوم. المولد والنشأة والسؤال الآن..

كيف كانت نشأت هذا الموسيقار الكبير وماهى الأسباب التى دفعته لعشق الموسيقى وساهمت فى تكوينه فنيا بهذا الشكل.

اسمه بالكامل زكريا أحمد جعفر وُلد ببلده سنورس محافظة الفيوم فى 6 يناير عام 1896 ، لأبٍ حافظ للقرآن الكريم ويستمع للتواشيح مما أكسب زكريا الحس الموسيقى بينما كانت والدته من أصل تركى وقد أراد له والده الاتجاه نحو المشيخة والعلوم الدينية فألحقه بأحد الكتاتيب ثم بالمدرسة الابتدائية ثم التحق بالأزهر الشريف، فتلقى العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية وأجاد حفظ وتلاوة القرآن الكريم ومن هنا كان لقبه الذى صاحبه طوال حياته لقب الشيخ زكريا أحمد . فقد تأثر بشدة بمنشدى التواشيح الدينية كالشيخ درويش الحريرى وتأثر كذلك بألحان من سبقوه مثل الشيخ سلامة حجازى وكذلك عبده الحامولى . فقد كان يذهب لحفلاتهم بصفة مستمرة ويحرص على شراء كتب الأغانى والموشحات والموسيقى بشكل دائم ويقضى ساعات طويلة فى مطالعتها . ولم يكن طريقه كما قد يعتقد البعض سهلا أو مفروشا بالورود فقد أزعجت هوايته وعشقه للموسيقى والده بشدة مما جعله- أى الشيخ زكريا- يخفى كتب الأغانى وسط الكتب العلمية، لكن سرعان ما اكتشف أمره، وعنفه أبوه بشدة وكان شديد القسوة عليه ووصل الأمر به لترك منزل والده ذات يوم دون أن يعرف إلى أين يذهب حتى ضاقت به الدنيا وتوسط بعض الأقارب وعاد إلى منزل أبيه الذى راح ينصحه بضرورة الابتعاد عن الفن لكونه لا مستقبل ولا أمان له . وسارت به الحياة على هذا النحو حتى ماتت والدته وتزوج والده بأخرى فوجئ به من أول أيام زواجها من أبيه تتفنن فى إثارة والده عليه بصفة مستمرة باستمرار حتى يئس من حياة مستقرة ومع تصاعد المشكلات ترك بيت والده وسار فى طريق الفن .

حيث راح يتردد على المسارح ويذهب للحفلات وأدرك أن هذا هو طريقه ولا طريق أخرى له دونه. حتى جاء عام 1919 فبدأ زكريا أحمد رحلته الحقيقية نحو الفن كملحن بعد أن اكتملت لديه معرفته الموسيقية وتفاصيلها. وقدمه الشيخ على محمود والشيخ الحريرى إلى إحدى شركات الأسطوانات وبدأ فى عام 1924 التلحين للـمسرح الغنائى . حيث قام بالتلحين لمعظم الفرق الشهيرة مثل: فرقة على الكسار، وفرقة نجيب الريحانى، وزكى عكاشة، ومنيرة المهدية. وبلغ عدد المسرحيات 65 مسرحية لحن فيها أكثر من 500 لحن. أجمل أغانى أم كلثوم وفى هذه الأثناء جمعته صداقة قوية وعميقة بالشاعر الكبير بيرم التونسى وكانت من أهم محطات الحياة الفنية بالنسبة للشيخ زكريا أحمد، حيث قدما معا عددًا من الأوبريتات والأغنيات الناجحة، ومن شدة ارتباطهما كانت المفارقة بأن الاثنين فارقا الحياة فى نفس العام 1961 بفارق أيام قليلة، حيث توفى زبيرمس 5 يناير، وسزكرياس ١٤ فبراير. كوّن ثنائيا غنائيا ناجحا بكوكب الشرق عام 1931 بدأ التلحين لأم كلثوم ، حيث لحن لها تسعة أدوار أولها دور ( هو ده يخلص من الله ) و آخرها دور ( عادت ليالى الهنا ) سنة 1939، كما لحن لأم كلثوم الكثير من أغانى أفلامها مثل الورد جميل، غنى لى شوى شوى ، ساجعات الطيور ، قولى لطيفك . كما لحن لها فى الأربعينيات عدداً من الأغانى الكلاسيكية الطويلة التى صارت علامات فارقة فى تاريخها مثل:س الآهات ، أنا فى انتظارك ، الأمل ، حبيبى يسعد أوقاته ، أهل الهوى ، حلمس . و اختلف معها سنة 1947م ، و حتى عام 1960م حيث لحن لها آخر روائعه الهوى غلاب ، ثم توفى فى منتصف فبراير 1961 . ويعد زكريا أحمد من رواد فن الطقطوقة حيث قدم عشرات الطقاطيق الهامة والخالدة. فكانت ألحانه كلها غارقة فى العروبة والأصالة . وعن علاقته بكوكب الشرق تحدث عنها زكريا أحمد بنفسه باستفاضة فى حوار نادر له وقوى له بمجلتنا العريقة زالكواكبس نُشر فى عام 1949.

تحدث فيه عن كواليس أول لقاء له بأم كلثوم قبل أن تصبح نجمة غنائية كبيرة . فقد تقابل الشيخ زكريا مع ثومة كما قال فى الحوار النادر بمجلتنا العريقة حينما دُعى عام 1930 إلى إحياء شهر ليالى رمضان عند على أبو العينين أحد تجار السنبلاوين الذى عرفه عليه أحد الموسيقيين واتفق معه على أن يغنى بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم. وبالفعل استعد زكريا أحمد إلى إحياء ليالى رمضان وبدأ يغنى على ألحان العود والشيخ محمد عمر القانونجى يعزف له القانون، ولم يمض أسبوع من رمضان وفى إحدى الليالى أخبروه أنهم أعدوا له مفاجأة عظيمة. فإذا بالمفاجأة أنهم اكتشفوا أجمل صوت سمعوه فى بلدة مجاورة، فانتظر زكريا أحمد المفاجأة فحضرت فتاة صغيرة تلبس العقال العربى وتمشى متعثرة فى خطوات خجلة، ومعها شقيقها خالد الذى يرتدى الجبة والقفطان والعمامة ويتقدمها فى المشى ويكاد يقود حركتها

يقول زكريا أحمد: لا أدرى ما السر الذى جذبنى نحو هذه الفتاة وجعلنى أؤمن بأنها صاحبة هذا الصوت العجيبس.

بدأ يحادثها فأثارت انتباهه لذكائها الخارق بالنسبة لسنها حيث لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها وأعجب بخفة دمها وروحها الحلوة وكان وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية، فطلب منها أن تغنى فغنت وأبدعت وروت وأشبعت، فصوتها العذب الجميل أصاب زكريا أحمد بالصم والبكم الذى جعله لا يسمع أحدا إلا صوتها ولا يتكلم إلا باسمها: زأصبحت مفتونا بها وأحبها حب الفنان للحن خالد تمنى العثور عليه دهراً طويلاس .

علاقة قوية وشغف كبير تشجع زكريا أحمد وطلب منها أن تزوره طيلة شهر رمضان فاستجابت لرغبته، يقول زولم تكن تلك الاستجابة حبا فى عيون العبد لله بل كان لشغفها للاستماع للقصائد والأغانى التى أغنيها والتى كنت أحاول تحفيظها لهاس، مضيفا أن هذا اللقاء حدث وقت أن كان فى الرابعة والعشرين من عمره وكان شابا أنيقا شديد العناية بملابسه حتى أن خالد شقيق أم كلثوم لمح حقيبة سفرى فوجد فيها 6 أحذية ففضحنى وسط أهل البلدة قائلاً: زهو فيه حد بيسافر ويشيل معاه 6 جزمس. واسترسل زكريا أحمد قائلا : وقد توثقت علاقتى بأم كلثوم وشقيقها فدعتنى لزيارة منزلها بقرية طماى الزهايرة وعرفتنى بوالدها الشيخ إبراهيم الذى كان فى غاية التقوى والورع .

وقال : زكنت أكل مع أم كلثوم القصب وألاعبها الورق على الطبلية وذلك لإرضائها حيث كانت فتاة حرة غير مقيدة بالمسئولية التى قيدتها فيما بعد وكانت لا تحب سوى الموسيقى والمرحس. الخضرة والصوت الحسن وانتهى شهر رمضان المعظم وغادر زكريا أحمد المنصورة وظلت أم كلثوم تراسله بخطابات مكتوبة بحبر أخضر اللون يذكره بالخضرة والصوت الحسن الذى سمعه فى شهر رمضان فوجد نفسه تدفعه للدعاية لها فى القاهرة من حيث لا يدرى ولا هى تدرى.

 

وفى نهاية عام 1930 طلب منه أحد أصدقائه التجار أن يحيى له زفرحاس فكتب لها زكريا أول خطاب فقبلت وردت بعبارة مؤدبة وكان أجر الحفلة 8 جنيهات ورفعته لها إلى 10 جنيهات ثم بدأ التعاون بينهما . قبل نهاية أربعينيات القرن الماضى ثم دب خلاف بين أم كلثوم ، والشيخ زكريا أحمد. واستغرق الخلاف بين االشيخب واالستب مايزيد على 13 عاما كاملة وفشلت كل محاولات الصلح بينهما وإزالة أى حواجز فى علاقتيهما. حتى فى بداية الستينيات من القرن الماضى ، ووسط حضور مكثف من المواطنين وعشاق أم كلثوم والشيخ زكريا تدخل القاضى خلال نظر القضية التى أقامها الشيخ ضد كوكب الشرق لمحاولة الصلح بينهما وأن الجميع يتمنى عودة أم كلثوم للغناء على نغمات الشيخ زكريا. ونجح القاضى بعد ساعات من التشاور فى الصلح بين أم كلثوم ، والشيخ زكريا أحمد. بعد أن قال لهما إن المجتمع العربى يتمنى سماع أم كلثوم تتغنى بألحان زكريا أحمد مرة أخرى. رحيل وحزن وموسيقى خالدة فاقتنع زكريا أحمد وقال: زإن أم كلثوم هى سيدة مطربات الشرق، وإنه إنما يخدم الفن فى صوتهاس، واتفقا الاثنان وقتها بحضور مدير الإذاعة المصرية، أن يعود زكريا للتعاون مع أم كلثوم من خلال ثلاثة ألحان يقدمها لها خلال عام، وأن يتقاضى عن كل لحن منها 700 جنيه، وبالفعل قدما أغنية زهو صحيح الهوى غلابس لكنه توفى بعد أقل من شهرين من تقديم الأغنية وتحقيقها نجاحا كبيرا .

رحل شيخ الملحنين تاركا خلفه نحو 1600 لحن ما بين طقطوقة وأغنية قصيرة وطويلة ومسرحية وموسيقى تصويرية للعديد من الأفلام العربية العامة ولانزال حتى اليوم نستمتع بألحانه وموسيقاه، ومؤكد ستظل كل الأجيال الجديدة تستمتع بها فموسيقاه وباتفاق كل المتابعين وخبراء الموسيقى ستظل باقية لعشرات السنين القادمة . رحمة الله على هذا الفنان الكبير وكل مبدعينا وفنانينا الكبار