الإثنين 29 ابريل 2024

الباحث اليمني عبد الحفيظ النهاري: السياسة واللغة قرينان متلازمان

الباحث اليمني الدكتور عبد الحفيظ النهاري: السياسة واللغة قرينان متلازمان

ثقافة24-1-2023 | 20:47

محمد الحمامصي

يقدم الباحث اليمني الدكتور عبد الحفيظ النهاري في دراسة "الحداثة السياسية في خطابات النخب اليمنية بعد الربيع العربي" قراءة علمية بلغة سهلة وتحليل واضح لمسارات الصراع والتحولات في اليمن في فترة حرجة من تاريخه الحديث تمتد من 11 فبراير 2011 إلى يناير 2014م أي نهاية الحوار الوطني الشامل، ويبين الميكانزمات المحركة لتلك الصراعات والآليات والقوى المؤطرة لها اجتماعيا وسياسيا وإعلاميا، ويضعنا أمام جدلية العلاقة بين السياسي والإعلامي في تكريس قيم الحداثة السياسية، أو إعادة إنتاج القيم التقليدية وقيم ما قبل الدولة والمدينة، والتداخل الوظيفي بين الإعلام والسياسة وإشكالية التبعية الإعلامية للتيارات السياسية.

الكتاب الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، مطلع هذا العام 2023 ويتصدر واجهات عرض مؤسسة أروقة في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.

 

يضيف جديدا لا لجهة معرفة الخطابات والقوى السياسية التقليدية والحداثية فحسب بل لجهة كشف التناقضات بين الخطابات السياسية الحداثية وبين الممارسات الفعلية التقليدية، وينسحب هذا التناقض على الخطابات الإعلامية أيضا.

 

يرى النهاري أن السياسة واللغة قرينان متلازمان، وليس من قول في السياسة إلا خلفه فعل سياسي، بل إن اللغة تتجاوز ذلك إلى صناعة الحدث. ومنذ القديم كانت صناعة الخطاب هي الوجه الآخر من السياسة منذ قصة التحكيم التي انتهت إليها معركة صفين بين "على بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان. وتكمن فاعلية اللغة السياسية وأهمية تأثيرها في أن مضمون اللغة يهم قطاعًا كبيرًا من أفراد المجتمع، وأن أهمية اللغة السياسية تنبع من أهمية الأشخاص الذين يتحدثون بها، فموقعهم الوظيفي في النظام السياسي للمجتمع يمنحهم صلاحية الانتقال من مرحلة الحديث عن القضايا المهمة إلى اتخاذ القرارات المناسبة تجاهها. ويزيد من أهمية اللغة السياسية أيضًا أنها تنقل عبر وسائل الإعلام إلى الجماهير.

 

ويقول "يراهن الخطاب السياسي في وظيفته على الانتصار في معركة ما، انتخابية أو أيديولوجية أو عسكرية، ويسعى إلى جلب المناصرين وتغيير القيم والتعبئة والتجييش ورفع معنويات مناصرين وتحطيم معنويات أعداء، ويتم ذلك بتأثير السلطة الرمزية للكلام.. وفي هذا السياق يعرف الخطاب السياسي بأنه التأثير المقصود في اتجاه جمهور ما بتقديم أدلة تؤدي إما إلى تغيير اتجاه المتلقي، أو إلى ترسيخه، من خلال بعض الاستراتيجيات المعتمدة. وتتميز لغة الخطاب السياسي بالبنية النظرية المتماسكة المستمدة من الأيديولوجيا، وبالتعقيد في الصياغة التي تهدف إلى إضفاء المشروعية على إجراءات السلطة السياسية في الماضي والحاضر والمستقبل وهو موجه لمن تقع عليهم السلطة، بغرض التبرير، أو التوضيح وغالبا ما تكون لغة السياسة آمرة ومذكرة بالواجبات ومعالجة المشكلات.

ويشير إلى أنه إذا كان الخطاب السياسي يسعى إلى الإغراء والتأثير والإقناع لدفع المتلقي إلى القيام بفعل ما، فإن الخطاب الإعلامي فيسعى إلى الإعلام فقط وليس إلى الحث على الفعل وبذلك تختلف طريقة القول. ومن خصوصيات اللغة الإعلامية أنها لا تقتصر على المنطوق والمكتوب، بل تكمن في مختلف فنونه الإخراجية، فاللغة الإعلامية هي لغة قولية وغير قولية. ومن لغة الإعلام غير القولية: المساحة وعدد الأعمدة، وشكل الحروف وحجمها، والأرضية والإطارات والألوان والصور والصوت، والصوت والصورة المتحركة في التلفزيون والإنترنت. وتستلزم وظيفة الإعلام أن تستخدم كل تلك التعبيرات لنقل الخبر أو الحدث بحيادية بغرض الإعلام فقط، ولتحقيق ذلك لا بد من تفادي السلطوية، والأحادية، والرسمية. ويصنف الخطاب الإعلامي بالسلطة الرابعة إزاء نقده للخطاب السياسي والرقابة عليه ومناقشته وتفنيده، لكن الضغط السياسي على الوسائل الإعلامية قد يخضعها للسلطة السياسية وهو ما يخل بالعقد الإعلامي المبرم ضمنيًا بين الباث والمتلقي. وهناك عدة أسباب تجعل وسائل الإعلام تخضع للتوظيف السياسي وتتحول إلى وسائل دعاية ومن ذلك: القناعة العقائدية، والترغيب، والترهيب، والوفاق بين السلطة والإعلام، والتسريب، وتنعكس الضغوط السياسية على أساليب التحرير والنشر الإعلامي على مستوى اللغة القولية وغير القولية.

عينة الدراسة التلفزيونية التي خضعت لتحليل خطابها الإعلامي والسياسي ذهبت إلى أربع قنوات تلفزيونية يمنية هي: قناة سهيل الفضائية - قناة اليمن الفضائية ـ قناة المسيرة - قناة اليمن اليوم وقد وقع الاختيار عليها ـ حسب النهاري ـ لغرض تمثيل القوى والأحزاب السياسية الرئيسية في الساحة اليمنية إلى جانب الخطاب الحكومي، وذلك لغرض الوقوف على خطاب كل طرف سياسي من خلال منبره الإعلامي، والوقوف على تفاعل هذه المنابر مع النخب السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وهي منابر إعلامية تمثل: خطاب الحكومة في قناة (اليمن)، وخطاب حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات الإسلامية الموالية له في قناة (سهيل)، وخطاب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه في قناة (اليمن اليوم)، وخطاب أنصار الله (الحوثيون) في قناة (المسيرة).

ويقول النهاري أنه بصورة إجمالية تتجه استراتيجيات الخطاب السياسي المستقبلية لنخب الحوار الوطني نحو الوفاق الوطني وحل القضايا اليمنية العالقة ومنها القضية الجنوبية وقضية صعدة.. أولا في القضية الجنوبية: على مستوى استراتيجية الوحدة تتبنى النخب والقوى السياسية الحريصة على بقاء الوحدة في استراتيجية خطابها تقديم بدائل مستقبلية عدة منها خيارات: تعدد الأقاليم، والنظام الاتحادي المركب للدولة، وإعادة صياغة العلاقة بين الجنوب والشمال والمشاركة المتساوية في السلطة والثروة مناصفة وليس بناء على الديموغرافيا، ومعالجة أخطاء الماضي ووضع آليات لعدم تكرارها، وتقديم تنازلات مطلبية، وهناك قوى صامتة مثل التجمع اليمني للإصلاح (الجماعات الإسلامية) تراهن على الحفاظ على الوحدة بواسطة الأيديولوجيا من خلال أتباعهم في المحافظات الجنوبية وهذا يعيدنا إلى رهان اليسار على التوحيد بالأيديولوجيا في عقد السبعينات في مرحلة قوة المد اليساري. وهذا الخيار اليميني ظهر في عدة فعاليات وحشد تنظيمي وحزبي في المحافظات الجنوبية أثناء الحوار كرد على حراك الحراك، وهي استراتيجية تستبطن العنف والمواجهة والفرز الأيديولوجي والصراع الأيديولوجي، والتنظيمات الإسلامية تنظر إلى معظم تيارات الحراك باعتبارهم من بقايا اليسار ويعبرون عما تبقى من الحزب الاشتراكي.

 

 

ويضيف أما استراتيجية الانفصال فإن الخطاب الانفصالي يقدم بدائل مؤقتة تتعلق بالحوار وبالصيغ الجديدة للوحدة، ويقدم صيغًا مؤقتة للوحدة مشروطة بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره حتى في ظل الدولة الاتحادية المستقبلية، ويضعون اشتراطات لاستعادة الدولة السابقة وفك الارتباط، بما يعني تعويض وإعادة بناء كل ما دمرته حرب 94 من مؤسسات، واستعادة الحقوق الفردية الخاصة والحقوق العامة، وكل ذلك باتجاه الانفصال بعد ذلك، لتصبح التسوية في مفهوم الحراك مجرد تعويضات قبل الانفصال أو مساعدة على بناء دولة الانفصال. يخرج عن ذلك قليلًا خطاب الحزب الاشتراكي الذي يطرح مسألة الإقليمين على أن يحكم الجنوبيون أنفسهم، وهو خطاب يقود إلى ذات الاستراتيجية الانفصالية مستقبلًا كأمر واقع أو كاختيار جنوبي. لكن كل الخطابات الجنوبية لا تحبذ الصراع المسلح والمواجهة مع الشمال بل تعوّل على انتزاع قاعدة دستورية وقانونية عبر الحوار، ثم ممارسة ضغوط شعبية سلمية، والاستعانة بالمجتمع الدولي لانتزاع حق الانفصال (تقرير المصير)

يذكر أن الكتاب يحتوي على سبعة فصول موزعة على 453 صفحة من القطع المتوسط. يعنى الأول منها بالمقاربة المفاهيمية لظاهرة الربيع وعلاقتها بالإعلام الجديد ودوره في تثوير الشباب، ودور الفضائيات العربية واليمنية في تأطير الأحداث السياسية، وآليات بناء الأجندة الإعلامية، وعلاقة الإعلام والاحتجاجات بالقوى السياسية الداخلية والخارجية. أما الفصل الثاني فيتناول الإعلام والاحتجاجات الشعبية في اليمن، ومن ذلك دور شبكات التواصل الاجتماعي، ودور الإعلام التقليدي والفضائيات اليمنية الحكومية والأهلية والحزبية في احتجاجات 11 فبراير 2011، ومن ذلك انقسام الإعلام بين مؤيد للاحتجاجات، ومؤيد للنظام ، وتوظيف الإعلام لإدارة الصراع بين المحتجين والنظام من جهة، وبين القوى التقليدية والقوى الحداثية من جهة أخرى.

ويتناول الفصل الثالث الإعلام ومؤتمر الحوار الوطني الشامل، وعلاقة أجندة الحوار بالحداثة السياسية ودور الفضائيات الجديدة في إسناد قضايا الحوار. أما الفصل الرابع فقد تناول نظريا منهجية تحليل الخطاب السياسي والإعلامي وتقنياته، وبسط خلفية عن المقاربة التداولية المعتمدة لتحليل خطابات النخب السياسة في الحوار الوطني، وتقنية المسار الحجاجي، والتحليل السيميولوجي الذي سيعتمد في تحليل الخطاب في الفصول اللاحقة.

وقد اهتم الكتاب في الفصلين الخامس والسادس بتحليل خطابات النخب السياسية والإعلامية حول قضايا الحوار الوطني التسع التي اختار منها قضيتين رئيسيتين هما: القضية الجنوبية، وقضية صعدة. ووقف الكاتب على خطابات النخب الإعلامية والسياسية حول القضيتين من منظور تداولي كشف الممارسات الاجتماعية والخلفيات السياسية للنخب حولهما، والسياقات التي أنتجت تلك الخطابات، وصولا إلى الاستنتاجات النهائية للتحليل التداولي لخطابات النخب حول القضيتين، وموقعها من قيم الحداثة السياسية، ودور الإعلام في تكريس تلك الخطابات وإبرازها لينتهي هذا الاستنتاج إلى الكشف عن ماهية الصراع القائم وعلاقته بالحداثة السياسية والاستراتيجيات المستقبلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa