الأحد 22 سبتمبر 2024

«عبد الحسين عبد الرضا» ابن البحار الذى تعلم الطباعة واكتشفه مدرس مصرى: «أبو عدنان».. كشكول الفن الخليجى

19-8-2017 | 15:34

من الكويت : بسام القصاص

رحيل أثار أحزان الجميع من المحيط للخليج، رحيل أبكى السماء فاتشحت الأرض بالسواد.. فقد رسم البسمة على وجوه العرب فأغرقت دموع من ابتسم أرض الخليج عند وفاته إنه رحيل العملاق والفنان الرائد عبد الحسين عبد الرضا، كويتى الجنسية، محبوب العرب، الذى فقدته الأمة العربية يوم الخميس الماضى حيث وافته المنية فى بلاد الضباب “لندن” إثر وعكة صحية عقب عملية جراحية أجراها هناك..

لم يكن رحيله هادئاً، فبقدر ما أثار الضحكات وهو حى .. أثار الفنان الكويتى الكبير الراحل “عبد الحسين عبد الرضا” جدلاً وهو بين يدى الرحمن، أحد الشيوخ فى المملكة العربية السعودية “على الربيعى” كال الاتهامات لعبدالرضا بعد وفاته لمجرد أن هذا الفنان كان شيعياً.. وزارة الثقافة والإعلام السعودية تصدت بحزم لتغريدة الشيخ الربيعى على “تويتر” وأحالت الربيعى إلى التحقيق، وأصدر مثقفون سعوديون بياناً أكدوا فيه رفضهم الذى لا يقبل التخفيف لموقف الربيعى و”خطاب الكراهية” الذى قام بتصديره .. حسناً فعلت السلطات فى السعودية الشقيقة، فإلى جانب عدم جواز تصدير الكراهية بين الأشقاء فى وطن عربى واحد، لا يجوز أن يحاسب فنان أسعد العالم العربى كله حساباً مذهبياً.

فعبدالحسين عبدالرضا أو “أبو عدنان” كما كان يحلو له أن يلقب، لم يكن فنانا عادياً، بل كان من أساطير الفنانين، فهو ممثل كوميدى (مسرح وتليفزيون وإذاعة) وممثل مسرحى ومؤلف ومغنى (أوبريتات).. فيالها من سيرة غنية.. دسمة، ولقد اقتربت منه كثيراً بحكم تردده على ديوانية الروضان بالكويت (مثل صالون ثقافى) وهى تجمع لصفوة المجتمع الكويتى والعربى، فلمست عن قرب غيرته على وطنه ودينه، وحماسته المتزايدة للقضاء على التطرف الدينى الذى يرى أنه سبب كل الشرور فى مجتمعاتنا، كان محباً للحياة ولكن بزهد، متواضعا، رغم عظمة مكانته، فهو لا يقل عن فنانين مثل صديقه الفنان عادل إمام الذى كان يقابله كلما سنحت الفرصة سواء عند سفره للكويت الشقيقة أو العكس، وكذلك معظم الفنانين المصريين كانوا يعتبرونه من عمد الفن فى الخليج، نظرا لما تمتع به من محبة فاقت الحدود بين شعوب المنطقة العربية.

أبو عدنان بدأ مسيرته الفنية في الستينيات وقدم عدة أعمال تليفزيونية وإذاعية ومسرحية وأوبريتات من بينها مسلسل “درب الزلق” و”الأقدار” ومسرحية “باي باي لندن” و”سيف العرب” ومن أهم الأوبريتات التي قدمها الراحل “بساط الفقر” وأوبريت “شهر العسل”، كما يعد من مؤسسي الحركة الفنية في الخليج مع مجموعة من الفنانين منهم خالد النفيسي وعلي المفيدي وسعد الفرج وإبراهيم الصلال وغانم الصالح وغيرهم.

فى بدايته عمل في وزارة الإرشاد والأنباء في قسم الطبع، ثم سافر في بعثة إلى مصر على نفقة الوزارة عام ١٩٥٦ لتعلم فنون الطباعة، وفي عام ١٩٦١ سافر في بعثة إلى ألمانيا لاستكمال الدراسة وتدرج في الوظائف الحكومية حتى وصل إلى منصب مراقب عام قسم الطباعة في وزارة الإعلام عام ١٩٥٩ إلى أن تقاعد في ٣٠ سبتمبر ١٩٧٩، لكنه خلال تلك الفترة عمل فى الفن وكان فكره منصبا على تطوير الفن العربى والتقدم به فهو من أسرة فنية، حيث إن أخيه “أمير” فنان تشكيلي كما أن ابن أخيه هو الممثل علي محسن، وأيضًا ابن عمه المغني غريد الشاطئي، وقد ذكر لى موقفا فارق فى حياته أيام الدراسة هو “ أن أول انطلاقة فنية له وحصده للإعجاب، كان في حفلات الكشافة بالمدرسة بتقديمة الفقرات الكوميدية، ومن خلالها وجد التشجيع خاصة من مدرّسه المصري “زيد”، الذي كان يردد له “ أنت حتكون ممثل يا حسين ، ولا تنسى الدراسة”، وكان معلّمه هو مصدر التشجيع له، والذي دعم اكتشافه في سنوات الدراسة”، وقد اشتهر أبو عدنان بجمال صوته وهذا ما أعطاه تميزًا عن بقية الفنانين في جيله، مما جعله يخوض تجربة «الأوبريتات» كأول فنان يقوم بعمل الأوبريتات التمثيلية الغنائية والتي لاقت نجاحًا كبيرًا، بالإضافة إلى أنه قام بالغناء ضمن أعماله التليفزيونية والمسرحية عندما كان العمل يستدعي ذلك، كما أنه قدم أغنية بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش للكويت بعد التحرير بعنوان «مستر بوش» شاركه بها حياة الفهد وداود حسين أسس قناة فنون التي بدأت بثها عام ٢٠٠٦ لتكون بذلك أول قناة متخصصة بالكوميديا على مستوى الوطن العربي، فإن لديه عددا من الأعمال التي تتناول الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأسلوب كوميدي نقدي، ومنها مسرحية “فرسان المناخ” والتي تناولت أحداث أزمة سوق المناخ في الكويت، وأيضًا مسرحية “باي باي عرب” والتي تناولت قضية الوحدة العربية، ومسرحية “سيف العرب” والتي تحدثت عن فترة الغزو العراقي للكويت والذي تعرض على إثرها لمحاولة اغتيال وذلك بإطلاق الرصاص على سيارته أثناء توجهه إلى المسرح لعرض المسرحية، وهنا لى قصة خاصة جدا مع “أبو عدنان” فقد كنت طلبت منه موعداً لإجراء حوار صحفي وبالفعل وافق وحدد الموعد في تمام الساعة السادسة مساء في نفس العمارة التي كان بها مركز الفنون الذي يمتلكه، وكان الموعد بمكتبه في آخر طابق في العمارة وعندما صعدت إلى آخر طابق فوجئت بأن شقق الطابق الأخير خاصة بإحدى وزارات الدولة، إذ يوجد على كل شقة لافتة مكتوب عليها اسم الوزارة ومغلقة الأبواب؛ لأنه لا يوجد عمل لهذه الوزارة في الفترة المسائية، فنزلت إلى الشارع وسألت أحد موظفي مركز الفنون الذي أنكر في البداية أنه يوجد مكتب لعبدالحسين في هذه العمارة، وعندما تأكد أنني صحفي وهناك موعد معه اتصل به، ثم صعدت إلى آخر طابق في العمارة مرة ثانية، ووجدت أبو عدنان بمكتبه داخل الشقة الموجود على بابها وزارة.

رحمك الله أبا عدنان غبت بجسدك وبقيت أعمالك خالدة فى عقول محبيك من المحيط للخليج مرورا بأم الدنيا مصر..