الخميس 23 مايو 2024

الأقباط والطلاق

19-8-2017 | 15:57

بقلم : جمال أسعد

هل المشاكل الأسرية والقضايا الاجتماعية والإشكاليات المدنية تختلف بين شخص وآخر على أرضية الهوية الدينية؟ وهل النهى عن الخطايا وتسفيه فعل الشر ورفض الأفعال الآثمة . هل هذا يقضى على الخطايا ولا يقترف البشر الشر ولا يقترب الإنسان من فعل الآثام؟ أم أن عدم فعل الشر واقتراف الخطايا يكون بالإيمان الحقيقى النابع عن القناعة الذاتية؟ هل القانون مهما كانت قساوته يمنع وقوع الجريمة؟ وإذا كان الدين ينهى عن القتل والزنى والكذب فلماذا لا تتحكم الكنيسة فى فعل هذه الخطايا والجرائم مثلما تتحكم فى عملية الطلاق والزواج الثانى للأقباط؟ وإذا لم يكن هناك قانون مدنى تشرعه الدولة يجرم الطلاق مثل القتل والسرقة. فلماذا تطبق قوانين على المسيحى من قبل الكنيسة تمنعه من ممارسة حياته العادية وتحرمه من التمتع بحياته الاجتماعية؟ وإذا كان هناك من يعتمد على تفسيرات مختلفة للنص الإنجيلى.

هل هذه التفسيرات البشرية التى تخضع للصواب وللخطأ يجب أن تكون سيفا مسلطاً على البشر؟ فما هى الحكاية؟ الحكاية هى قضية الطلاق والزواج الثانى للمسيحى. وما هى القصة؟ نعم الطلاق فعل غير مرغوب فيه وهو أبغض الحلال ولكن لماذا يقع الطلاق “اللى رماك على المر اللى أمر منه» لأنه لا يمكن لشخص أن يختار الطلاق إلا إذا كان قد استنفد كل الطرق للحصول على حياة أسرية عادية ومستقرة. فالزواج ومنذ أن كان آدم هو القبول والإشهار حيث لم يكن هناك لا مراسيم ولا طقوس ولا أوراق. كما أن الزواج فى المسيحية يعتبر سرا مقدسا أى أنه يتم عن طريق الكنيسة ورجل الدين ولكنه لايصبح زواجا مدنياً وواقعياً ورسمياً بدون توثيقه فى المحكمة وهذا يتم للمصرى المسيحى والمسلم. ولذلك وفى القرون الخمسة الأولى من الميلاد لم يكن فى الكنيسة ما يسمى بسر الزواج أى أن الزواج يتم بعيداً عن الكنيسة ولا علاقة لها به وقد كان هناك طلاق منذ العصور الأولى فى الكنيسة وهناك بالطبع زواج ثان . وكان يتم الطلاق والزواج الثاني على يد أحد رجال الدين حسب رؤيته غير المقننة بل هي طلب ورغبة الذى يريد الطلاق. ثم كانت ما يسمى بقوانين أولاد العسال فى القرن الثالث عشر الميلادى والتى وضعت بعض القوانين المنظمة إلى حد ما لعملية الطلاق حيث كان الزواج الثانى أمراِ طبيعياً بعد الطلاق. وفى ١٩٣٨ وبعد وجود ما يسمى بالمجلس الملى للأقباط وهو مجلس يقع فى نظام الطوائف والملل العثمانى. قد تم ما يسمى بلائحة ١٩٣٨ والتى تجيز الطلاق لعشرة أسباب ثم عام ١٩٥٥ وبعد إلغاء المجالس الملية والمحاكم الشرعية وأصبح بديلا لهذا المحاكم المدنية لكل المصريين أصبحت أسباب الطلاق فى هذه اللائحة ثمانية أسباب فقط. وكانت هذه الأسباب مثلا تغيير الدين. الرهبنة أى أن يترهبن أحد الزوجين السجن أكثر من سبع سنوات. الانفصال الأسرى خمس سنوات. العجز الجنسى. المرضى غير القابل للشفاء. وكانت فلسفة هذه اللائحة تعنى تطبيق قاعدة الوقاية خير من العلاج فلا يجب أن يترك الشخص حتى يقع الزنى لكى يتم الطلاق. على اعتبار أن هذه الحالات الثماني يمكن إذا وجدت أن تؤدى إلى وقوع الزنى من أحد الزوجين أو كليهما فالجميع بشر وضعيف واستمر الوضع على ذلك من ١٩٣٨ فى عهد أكثر من بطريرك حتى جاء البابا شنودة الثالث وهو كان له رأى خاص واجتهاد ذاتى ورؤية رهبانية بالطبع من الزواج باعتبار أن الرهبان لا يتزوجون يقول هذا الاجتهاد الذاتى لايجب أن يتزوج غير زوجة واحدة. وكان له كتاب باسم “الزوجة الواحدة” وبعد أن أصبح بابا كان القرار الأول الذى أصدره هو شخصياً هو لا طلاق إلا لعلة الزني وقد ألغى باقى الأسباب الواردة فى لائحة ٣٨ وبالطبع حيث إن البابا ليس له أى سلطة تشريعية فلم تسقط لائحة ٣٨ حتى الآن حيث إنها مازالت هى القانون المعمول به فى المحاكم أمام القاضى. وبالتالى يصبح قرار البابا قراراً كنسيا لا يمنع الطلاق حيث إن الطلاق لا يتم إلا فى المحاكم ولكن المشكلة هنا هى أن يتزوج المطلق زواجا ثانياً وهذا لا يتم بعيدا عن الكنيسة وهنا تتحكم الكنيسة فى الزواج الثانى وليس الطلاق فهناك آلاف الحالات الحاصلة على الطلاق وترفض الكنيسة زواجهم ثانيا حسب رؤية البابا شنودة والأسباب التى تعتمد عليها الكنيسة هى إشهار سيف النص الدينى على اعتبار أنهم هم من يتمسكون ومن يحافظون على النص وعلى الإنجيل حيث قال الإنجيل “لا طلاق إلا لعلة الزنى” وهنا نسأل ما هو تعريف الزنى فى الإنجيل قال الإنجيل “ من نظر إلى امرأة واشتهاها بقلبه فقد زنى بها” وهذا يعنى أن النظر والاشتهاء هو زنى وهذا بالطبع تفسير حرفي للنص فى الوقت الذى يقول فيه النص أيضا “ الروح تحيى أما الحرف يقتل” أى أن النص المسيحى روحى وليس حرفيا. أى أن هذا هو اجتهاد ورؤية فى تفسير النص. فهل كانت الكنيسة ومنذ عصرها الأول مخالفة للنص؟ وهل البطاركة والباباوات ومجامع الأساقفة طوال تاريخ الكنيسة كانوا يفسرون النص خطأ ولا يعرفون حقيقة النص وجاء البابا شنودة عام ١٩٧١ لكى يصحح للكنيسة وللبطاركة؟ وإذا كانت وجهة نظر وتفسير الكنيسة الآن للنص هو كذلك. فلماذا والنص الإنجيلى واحد وترى لكل كنيسة وَهم جميعا يعتمدون على هذا النص رأياً ورؤية مختلفة عن الأخرى فالكنيسة الكاثوليكية رأيها لا طلاق على الإطلاق ورأى الكنيسة الأرثوذكسسية لاطلاق لغير علة الزنى والإنجيلية لها رأى آخر ،قضية تفسير ومشكلة اجتهاد ورؤية بشرية تخضع للصواب وللخطأ. كما أن الزواج والطلاق حق مدنى ودستورى وقانونى وإنسانى وتاريخى يجب أن تحميه الدولة ويحافظ عليه الدستور فالذى يريد الطلاق شخص قد وصل إلى حالة سيئة فى حياته الأسرية قد استحالت معها الحياة الزوجية استحالة هذه الحياة يعلم صاحبها ما سيصيبه وما سيصيب أولاده وأسرته وحياته الاجتماعية ولكنه “مكره أخاك لا بطل” ومع استحالة الحياة وللحصول على الطلاق وعندما تسد كل الأبواب نجد تلك المشاكل والمآسى التى لايقاس بها الطلاق فنجد إما أن يتهم كل طرف الطرف الآخر بالزنى حتى يحصل على الطلاق أو أن يقوم أحد الأطراف بتغيير الدين خاصة لو كان غير قادر ماليا على تغيير الملة مما يتسبب فى فتنة طائفية نحن لسنا فى احتياج إليها. أو أن يتخلص أحد الأطراف من الطرف الآخر جسدياً وكل هذه الأشياء مآسٍ وكوارث تصيب الأفراد والأسر والأولاد والمجتمع. كما أن الزواج والطلاق ومشاكل الأسر هذا يحتاج إلى مجرب يعيش المشاكل ويشعر بها. فكيف لمجمع الأساقفة وهم رهبان غير متزوجين أن يشرعوا ويحكموا ويتحكموا فى متزوجين. ففاقد الشىء لا يعطيه. نعم الآن ومنذ فترة لم تتفق الكنائس على مشروع قانون للأحوال المدنية للمسيحيين خاصة فى موضوع الطلاق والزواج الثانى. نعم تقول الكنيسة الأرثوذكسية إن أسباب الطلاق ستكون الزنى وتغيير الملة والانفصال ثلاث سنوات لو لم يكن هناك أطفال وخمس سنوات لو كان هناك أطفال إضافة لما يسمى بالزنى الحكمى وهو أن يضبط أحد الزوجين. بصور أو مراسلات الكترونية أو المبيت للزوجة خارج منزل الزوجية... الخ. نعم هذا معقول ولكن أيضا الكنيسة هنا تحاول وتعمل جاهدة أن تصر على التحكم فى البشر عن طريق الزواج الثانى الذى لابد أن يتم من خلالها. وهو أن الكنيسة تحتفظ بحقها فى عقد الزواج الثانى بعد الطلاق للأسباب التى أوردتها فى مشروع القانون فيمكن بعد الطلاق أن توافق علي الزواج الثاني أولاً!! ولذلك ترى أن المادة الرابعة من الدستور التى تعطى الكنيسة الحق فى مراقبة ما يسمى بالشرائع المسيحية هذا نوع من التحكم والاستبداد الكنسي وعودة للعصور الوسطى الأوربية وإهدار لحق المواطن الدستورى والقانونى الذى يعطيه الحق فى اختيار حياته الاجتماعية كما يريد.. ولا نعرف علاقة هذه المادة وغيرها بالدولة الدينية التى تتناقض مع المادة الدستورية ومقدمة الدستور التى تقول بالدولة المدنية الديمقراطية. الحل يا سادة فى إقرار القانون المدنى فى الزواج والطلاق لكل المصريين فالمواطنون الذين يعيشون على أرض واحدة ويجمعهم مصير واحد لابد أن يحكمهم قانون واحد. فالزواج مدنى ومن يريد أن يكمل بالزواج الدينى له ما يريد وكفى مشاكل . فأين الدعوة لفكر دينى صحيح فالأديان جاءت لصالح الإنسان لا لتعذيبه .

حمى الله مصر وشعبها العظيم.