الأربعاء 15 مايو 2024

١٢ ألف حادث فى عشر سنوات من لا يتعلم من أخطائه لا يستحق البقاء فى موقعه

19-8-2017 | 16:31

بقلم: لواء. نصر سالم

فى إحصائية أعدتها هيئة السكك الحديدية بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء كشفت عن أن «إجمالى حوادث القطارات خلال السنوات العشر الأخيرة هو ١٢٢٣٦ حادثاً» أى أن معدل الحوادث السنوى ١٢٢٤ حادثاً سنوياً أى ٥٫١٠٠ حادث شهرياً، ليكون المعدل اليومى ٣٥٫٣ حادث يوميا ».

وتقول الإحصائية إن أعلى عدد للحوادث كان عام ٢٠٠٩ وهو ١٥٧٧ حادثاً وأقلها كان عام ٢٠١١ وهو ٤٤٧ والسبب هو توقف الحركة بسبب ثورة ٢٥ يناير، كما تقول الإحصائية إن أسباب الحوادث كانت ٨٠٪ منها حوادث مزلقانات.

أما الخروج عن القضبان فكان بنسبة ١٥٪ والـ ٥٪ الباقية لأسباب أخرى مثل التصادم (انتهى التقرير المنشور) .

والمؤكد أن هذا التقرير لم يكن لإحصاء الأعداد والأرقام فقط ولكنه حتما قد ذكر أسباب هذه الحوادث وكيفية تلافيها وعدم تكرار وقوعها، وأنه خرج بتوصيات إلى الجهات المعنية - كل فيما يخصه - وأن كل جهة لم تأل جهدا فى ذلك .

ومن المؤكد أن هذه الحوادث (١٢٢٣٦) فى كل مرة منها تهرع القيادات إلى مكان الحادث، ويقرر وزير النقل تشكيل لجنة للتحقيق، وأنه ستتم محاسبة المقصرين فوراً أياً كانت مواقعهم، ويتابع رئيس الوزراء الحادث تليفونياً، ويقرر تفعيل غرفة العمليات المركزية بمجلس الوزراء لمتابعة الحادث - أو تشكيل خلية إدارة أزمة - ويوجه كل الجهات بالتعاون فى إزالة آثار الحادث، وتقوم وزارة التضامن الاجتماعى بالإعلان فورا عن صرف التعويضات طبقاً للتسعيرة المقررة، ولا مانع من قيام الوزيرة بزيارة موقع الحادث والمرور على المستشفيات، يسابقها وزير الصحة والقيادات المحلية، لتتصادف تحركاتهم الدؤوبة هذه أمام كاميرات التليفزيون وكل وسائل الإعلام التى تملأ الدنيا ضجيجاً - بلا طحين - وفى كل مرة تتعلق طلبات المسئولين وآمال المواطنين بالقوات المسلحة إلحاحا فى سرعة النجدة وتقديم العون - ويصـــرخ العامة فى بــــراءة «لماذا لا تتولى القوات المسلحة إدارة هذا المرفق؟ ولماذا لا يتولى أحد ضباط الجيش رئاسته ؟

والحقيقة التى لا يعلمها البعض أن مرفق السكة الحديد كان مثالا للانضباط، وعادة ما كان يضرب به المثل فى ذلك، لأن طبيعــــــــة عملــه لا تتحمل الخطأ، فهى منظومة متكاملة من الحركة فى اتجاهات متعددة وتوقيتات متداخلة لا تسمح بأى خلل وإلا وقعت الحوادث وتعددت لتصبح كارثة .

الأمر الذى يفرض نظاما صارماً من التنسيق والتنظيم والانضباط . يشمل المظهر والجوهـــر وكان لهـــم زى خــــــاص لا يقل عن شركات الطيران وأيضا نظافة ومظهر القطارات من الداخل والخارج .

وقد بدأ الخط البيانى لمرفق السكة الحديد فى النزول منذ بدأ التفريط فى الأمور الصغيرة، التى لم تلتفت إليها القيادات العليا للمرفق بدءا من النظافة الشخصية لعمال القطارات الذين أقنعوا أنفسهم أن الزى الذى يلبسونه لا يصلح غسله أو تنظيفه، وانتقلت هذه العادة السيئة إلى القطارات ذاتها ودورات المياه بها التى تصرف مباشرة على القضبان أثناء سير القطار أو توقفه، وأخذت مواعيد القطارات التى يضرب بها المثل فى الانضباط تختل وعندما قررت القيادات التطوير، اهتمت بالمظاهر والمحلات التى تصلح للخاصة من الشعب فقط دون غيرها، وتركت المرافق الأهم دون أدنى تعديل أو تحسين، فوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من معدلات فى الحوادث ليس لها مثيل فى أى دولة فى العالم .

أما عن استدعاء أو استغاثة الشعب بالقوات المسلحة فليست إلا استدعاء للنظام ونمط الأداء والإخلاص، وليس للأشخاص أو التنظيم. وهذا النمط ليس سراً ولا مقصورا على جهة بعينها وإنما هو حسن اختيار وتوظيف للرجل المناسب ثم تدريب ورفع مستوى وتحسين أداء وتوحيد مفاهيم والوصول إلى درجة الاحتراف الذى يعنى الوصول للدرجة التى يؤدى فيها العمل مباشرة فى لا زمن من كثرة ما وصل إليه من مستوى أداء وخبرة مع توفير البديل الكفء لكل وظيفة وكل مسئول .

إن أول عمل يقوم به أى قائد جديد فى أى موقع هو دراسة مهمة هذه الوحدة والخطط الموضوعة لتنفيذ هذه المهمة، والتأكد من قدرة جميع العناصر الموجودة فى الوحدة على تنفيذ هذه المهام، وكذا خطط الطوارئ ومجابهة المواقف المفاجئة والصعبة، ومدى توفر الإمكانات اللازمة لذلك، ولا يسمح لنفسه بمغادرة وحدته، أو الراحة حتى يتأكد من قدرة وحدته على تنفيذ المهام المحددة طبقا للخطط الموضوعة.. ويستمر تدريب كل عنصر على مهمته منفردا ثم مجمعاً مع باقى العناصر، كما يتم التدريب على كل المواقف الصعبة والحرجة، التى قد تحدث فجأة وكيفية التصرف حيالها، وفى كل مرة يتم الخروج بالدروس المستفادة من السلبيات والإيجابيات ونشرها على الجميع؛ لكى لا تتكرر الأخطاء ويتم تعظيم الإيجابيات ونقاط القوة. كل هذا وأكثر لا يحدث فى السلم فقط ولكن فى أثناء الحرب ذاتها، فهناك علم «بحوث العمليات» الذى يتم استخدامه فى أثناء القتال للتعرف على المشاكل التى تواجه المقاتلين، وتؤثر على نتائج الحرب، وكيفية مواجهتها والتغلب عليها، وقد نشأ هذا العلم أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما اكتشف الألمان أن عدداً من طائراتهم تسقط أثناء تنفيذ مهامها فى عمق العدو، ولا يعرفون سبب سقوطها، فأحضروا نموذجا لهذا النوع من الطائرات وأخذوا يضعون علامات على هذا النموذج تمثل مكان الإصابة التى أصيبت بها أى طائرة بعد عودتها من تنفيذ مهمتها، فكانت النتيجة أنهم اكتشفوا أن هناك مكان معين فى جسم الطائرة لم يصب فى أى طائرة من الطائرات العائدة، وكان الاستنتاج الذى وصلوا إليه أن هذا المكان من جسم الطائرة هو نقطة ضعفها أى أنها عندما تصاب فى هذا المكان تسقط ولا تعود مرة أخرى، وكان الحل هو تدريع هذا الجزء من الطائرة حتى لا تسبب إصابته فى إسقاط الطائرة .

وهناك أيضا ما عرف أثناء الحرب بـ «طوابير صنوف تعليم» وهو عبارة عن تدريب إضافى للفرد المقاتل الذى يظهر ضعفه فى عمل ما، فيتم زيادة جرعته التدريبية على نقطة ضعفه حتى يصل إلى المستوى المطلوب للنجاح .

إن ما تقوم به القوات المسلحة ليس اختراعاً وليس سراً، وللجميع أن ينهج نهجها طلباً لتحقيق النجاح وعدم الفشل - وليس أدل على ذلك من قول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه «الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها».

إن تكرار حوادث القطارات بهذا المعدل المخيف هو دليل قاطع على نقصان الإحساس بالمسئولية أو انعدامه لدى كثيرين من العاملين فى هذا المرفق والقائمين عليه.. ومن لا يتعلم من أخطائه فلا يستحق البقاء فى موقعه..

هل تم تدريب أطقم وأفراد مرفق السكة الحديد على مهامهم؟

هل تم أو يتم اختبارهم وفرض المواقف الطارئة والحرجة عليهم والوقوف على مدى قدرتهم على التصرف حيالها؟

هل هناك حصر لعدد وأنواع المخاطر التى يمكن التعرض لها؟ وما الذى تم حيالها على مدى هذا العدد من الحوادث يومياً وشهرياً وسنوياً؟ لماذا الإصرار على عدم ميكنة المرافق التى يتسبب فيها العامل البشرى فى الخطأ؟ وهل تكلفتها يمكن أن تفوق الخسائر المادية والبشرية التى نتعرض لها سنوياً؟

إن خلاصة القول فيما يحدث على كل المستويات أن كل المسئولين يهبون هبة واحدة بأعلى الأصوات وقمة الحماس مع وقوع الحادث ومدى ما يملؤه من مساحة فى وسائل الإعلام والرأى العام، ثم يهدأ ويتلاشى مع انصراف الإعلام والرأى العام إلى موضوع آخر وكارثة أخرى فى قطاع آخر من الدولة.

إن مواجهة هذه الحوادث والوقوف على نقاط القوة والضعف فى أداء كل جهاز من أجهزة الدولة، هو مسئولية مباشرة لكل وزير وكل مسئول.

هل قامت وزارة الصحة (على سبيل المثال) بمراجعة أدائها فى أى حادث من هذه الحوادث، بدءاً من وصول أطقم الإسعاف وتدخل المواطنين الانفعالى لنجدة الضحايا.. هل تم ذلك بشكل سليم أم أن هناك نقاط ضعف وسلبيات أودت بحياة البعض نتيجة التدخل غير الصحيح من المواطنين، وهل كان الاستقبال فى المستشفيات صحيحاً وما هى نقاط القوة والضعف؟ وهل تم تقديم العلاج بشكل صحيح وما هى نقاط القوة والضعف؟ هل تم ذلك فى الحوادث السابقة وهل تم نشر الدروس المستفادة على كل الجهات فى الوزارة، وهل هناك ما يلزم تعريف المواطنين به عبر وسائل الإعلام لتفادى التصرف الذى قد يضر المصابين بدلا من نجدتهم؟

أيضا وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الداخلية وغيرها من أجهزة الدولة مطالبة بذلك؛ كى لا تتكرر نفس الأخطاء ونفس الحوادث .

إن القوات المسلحة تفعل ذلك فى السلم كما تفعله فى الحرب، هل فى ذلك سر؟ أم هل فى ذلك مستحيل؟

ثم هناك الرجل المناسب فى المكان المناسب ولا مجال للرسوب الوظيفى أو المجاملات.. من يصلح يستمر ومن لا يستطيع فله الشكر على ترك مكانه لمن يقدر عليه.

    Dr.Radwa
    Egypt Air