السبت 23 نوفمبر 2024

سائقو القطارات يبرئون أنفسهم.. ويوزعون المسئولية على الجميع: «إحنا اللى فى وش المدفع.. ولو مشينا رسمى مفيش قطار هيتحرك!»

  • 19-8-2017 | 16:36

طباعة

معايشة وتصوير– أحمد جمعة

«إحنا اللى فى وش المدفع، علشان سائق أخطأ نروح كلنا بذنبه.. ولو مشينا رسمى مفيش قطار هيتحرك من المحطة».. جمل أكد عليها سائقو القطارات خلال رحلة خضتها فى كابينة القطار من القاهرة إلى الاسكندرية.. الجمل تحمل معانى كثيرة ومخاوف من القادم.

السائقون أكدوا أنهم ليسوا المسئولين عن الحوادث، إنما الجميع مدانون، الحكومة، والمسئولون، والركاب. سائقو القطارات قرروا عقب كارثة قطارى الإسكندرية أن يتحدثوا بلا قيود وأكدوا أن «الجرارات متهالكة وقديمة، والإشارات لا تعمل بكفاءة والصيانة ليست على ما يرام، ومفيش جرار بيتحرك من المحطة فى موعده، وبعض السيمافورات مُعطلة وتعطى إشارات خاطئة، و٨٠٪ من أجهزة التحكم الآلى «ATC» لاتقوم بالربط بين السرعة المقررة للقطارات.. «المصور» عايشت رحلة داخل قطار للتعرف عن قرب على حياة السائقين.

يبدأ أيمن شاهين رحلته اليومية من بلدته بالشرقية، متجها إلى محطة «مصر» بميدان رمسيس للتجهيز لقطاره رقم «٩٠٩» الذى يتحرك للإسكندرية فى التاسعة من صباح كل يوم. يستقل شاهين «الجرار» الذى سيخوض به رحلته من منطقة «أبو غاطس» المجاورة للمحطة، يستطلع مدى جاهزيته للرحلة.. بينما يتكفل مساعده «عصام» بالتفتيش على مؤشرات «منسوب المياه والسولار والزيت» وتشغيل جهاز التحكم الآلى «ATC» بصحبة الفنى المختص.

«كله تمام».. إشارة يلقيها المساعد إلى السائق «شاهين» الذى يشرع فى تشغيل «الجرار» لبدء الرحلة التى تستغرق ساعتين ونصف كما يظهر على الشاشة الإلكترونية بمحطة مصر. ينتظر دقائق معدودة حتى يقوم الفنى بالربط بين الجرار وعربات القطار، ويُغير «السيمافور» المتواجد أمام القطار إشارته إلى اللون الأخضر لينطلق من موضعه.

القطار لم يتحرك فى موعده، إذ تأخر قرابة نصف ساعة حتى تم الانتهاء من تجهيز الجرار وتنظيفه، عقب التشديدات التى فرضتها الهيئة على العاملين منذ حادث قطارى الإسكندرية، لكن «شاهين» يرى أن الأمر عادى، فهم يتأخرون كل يوم عن موعد التحرك، قائلًا: «مفيش جرار بيتحرك من المحطة فى موعده، كل يوم فيه تأخير لأن الجرارات بتشتغل كل يوم ومحتاجة ترتاح شوية وتتنضف علشان تقدر تكمل شغل».

مُعاناة «شاهين» هى ذاتها التى سمعناها ممن تحدثنا إليهم من سائقين آخرين فى محطة مصر. الجرارات مُتهالكة وقديمة، والإشارات لا تعمل بكفاءة، والصيانة ليست على ما يرام، وتصرفات المواطنين قد تُعيقهم عن عملهم.

«إحنا اللى فى وش المدفع» هكذا يؤكد السائقون، لكن «شاهين» لا يتنصل من بعض الأخطاء التى يتمسك بوصفها «فردية» من بعض العاملين، بقوله: «كل مجال فيه أخطاء، وإحنا مش ملايكة، لو حد أخطأ يتحاسب، لكننا نرفض التعميم، مش علشان سواق غلط نشيل كلنا غلطه».

ويضيف: «الجرارات ملك جميع السواقين وبيتغيروا على الخطوط، بره السواق بيتمرن على طراز واحد سواء «كندى - هنشن – ٢١٠٠» لكننا فى مصر نعمل على جميع الطرازات ومينفعش أقول لأ!». موضحًا «نُعانى من مشكلتين: الأولى المعدات المتهالكة وقلة إمكانيات الهيئة فى التطوير، وزى ما أنت شايف الجرار حالته صعبة ولازم نمشى علشان الناس، لأننا لو مشينا رسمى محدش هيطلع من المحطة».

جهاز التحكم الآلى «ATC» هو بمثابة الصندوق الأسود للقطار، وعليه تُسجل كافة البيانات من لحظة التحرك حتى الوصول، والسرعة المقررة للجرار، وحال تجاوز هذه السرعة يُجبر الجرار على التوقف.

حسبما ذكر قائد القطار «شاهين ومساعده»، لكنه كحال منظومة السكة الحديد لا يعمل فى جميع الجرارات، فهناك الكثير من الأجهزة متعطلة أو تعمل بشكل جزئي، ويوضح «شاهين» الجهاز يتحكم فى سير القطار ولو تجاوزت السرعة يربط تلقائيًا، لكن هناك أجهزة كثيرة لا تعمل بكفاءة ولا تضبط الحركة مع «السيمافورات» وبالتالى تُحدث أزمة ولو حصل مشكلة السواق هو اللى يتحملها.. طب نوقف الحركة؟!».

فى رحلة القطار «٩٠٩» الكثير من التخوفات من أوضاع السكة الحديد، الركاب يأملون أن يصلوا إلى مرادهم. يمر من موضع الحادث. يتذكرون ما جرى عصر الجمعة الماضى حين اصطدم قطاران على نفس الخط.

ويٌضيف شاهين: «مفيش حوادث بالشكل ده على خط (القاهرة – إسكندرية) قبل ذلك، دى كانت كارثة، وياريت نشوف التحقيقات علشان نعرف مين السبب ويتحاسب، لأن فى النهاية مش هنتحاسب كلنا على خطأ فردي.. المنظومة محتاجة رجالة وتعديلا فى الصيانة والمعدات».

يقول شاهين «بعض السيمافورات (الإشارات الكهربية) مُعطلة ولا تعمل بكفاءة، وتعطينى إشارات خاطئة تجبرنى على التوقف بمنتصف الطريق»، وهى من الأزمات التى تضعها وزارة النقل فى أولوياتها ضمن خطط تحديث منظومة السكة الحديد، لأن ذلك يتسبب فى تأخير وصول القطارات وحدوث الأعطال، «خط الإسكندرية يعتبر من أفضل الخطوط وفيه تطوير حاليًا، بس فيه مشاكل كبيرة فى الصعيد والضواحي».

«السائق والكمسري» هما خط النيران الأول حيث يصب المواطنون غضبهم عليهم سواء من تأخير القطارات أو عدم نظافته، ويضيف السائق «شاهين»: هناك الكثير من التصرفات التى تعوق حركة القطار خلال سيره، مثل إلقاء «طوب على الجرار» من بعض الشباب، أو وجود مخالفات على المزلقانات، سواء بوجود بعض المارة الذين لا ينتظرون مرور القطار، بخلاف أن «الراكب لو مش عاجبه بيشتمني!».

«المعابر غير الشرعية أزمة كبيرة».. هكذا تحدث «شاهين» حول الأزمات التى تهدد رحلة القطار، معتبرًا إياها السبب الأول فى الحوادث، لأنها تكون غير رسمية ولا تخضع لأى رقابة، مضيفًا: «فيه ناس تعمل «فتحة» قدام بيتهم علشان يعدوا الناحية التانية، وناس ماشية بعربياتهم دون الاهتمام بأن فيه قطر معدى، وكثير من الحوادث بتحصل كل يوم بالشكل ده، والهيئة قفلت كتير من المعابر دي، والناس بتفتحها تاني».

وصل القطار «٩٠٩» إلى الإسكندرية بتأخير نحو ساعة، حيث أجبرتهم الهيئة على تخفيض السرعة فى منطقة الحادث بعد محطة خورشيد، حيث لم يتم الانتهاء بعد من أعمال الصيانة فى تلك المنطقة.

فى استراحة سائقى القطارات بمحطة مصر، بدا التذمر واضحًا من أوضاع الهيئة والأزمات التى يتعرضون لها فى كل حادث.

يغضب عادل عبدالواحد، قائد قطار المنيا لاتهامهم بالتقصير، وأن العامل البشرى وراء الحادث، وفقًا للتحقيقات الأولية التى أعلنها وزير النقل الدكتور هشام عرفات، وما وصلت إليه التحريات حول أخطاء السائقين فى التعامل مع الواقعة.

يقول «عبدالواحد»: منفعلا «الناس جايه علينا ومفيش حد يحمينا، ومفيش عامل مساعد علشان نعرف نشتغل، تخيّل إن الهيئة تحاسبنا الكيلو بـ ١٠ قروش، وطالبنا برفع التعريفة.. ومتوسط راتب السائق ٢٠٠٠ جنيه ولا يزيد عن ٣٠٠٠ للسائقين الذين اقتربوا من المعاش، كما أن المعدات مستهلكة، ومع ذلك نمشى علشان ظروف الحياة».

وأضاف: «الجرار اللى لسه راكبه موديل عام ١٩٧٠ والمصنع بتاعه مقفول دلوقتى ومفيش صيانة، الجرار ييجى من السفرية ياخد شوية ميه وسولار ويطلع تاني، حتى جهاز atc «مش شغال»، وبنيجى على نفسنا علشان الناس توصل بالسلامة ومحدش بيعرفنا بعد كده، والأعطال سببها منظومة الإشارات والكل يتحامل على قائد القطار، تخيّل إن كهربة الإشارات كانت فاصلة بين كفر عمار حتى المرازيق (خط قبلي) وأسير بالقطار بأوامر».

وتعرض سائقو القطارات لموجة من الانتقادات بعد المقطع المصوّر الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بوجود بعض العاملين بالهيئة «يشربون مخدرات» فى كابينة القيادة.. وقررت هيئة السكة الحديد إحالة المتهمين إلى التحقيق وإيقافهم عن العمل، يُصر «عبدالواحد» على وصف الواقعة هو الآخر بـ»الفردية»، مضيفًا: «الناس هنا مش زى بعضها، و٢ سائقين، والباقى عمال تجديدات هما اللى قاموا بالواقعة، والمفروض نحصر الأزمة معاهم مش نعممها على الكل .. ويتساءل عبد الواحد هو حد معاه فلوس يشرب مخدرات دلوقتي!».

ويقول قائد قطار ومدرّب بالمعهد الفنى للسائقين، إن «٨٠٪ من أجهزة atc لا تقوم بالربط بين السرعة المقررة للقطار، وسرعته الفعلية نظرًا لوجود الكثير من الأعطال بها، وقد يكون قطارا الإسكندرية أحدهما به هذا العطل، وفى النهاية فالهيئة تحتاج إلى الكثير من التطوير فى منظومة الإشارات والبنية الأساسية والمزلقانات، والسائق يكون مجبرا أن يسير بالجرار لأنه لو توقف لتعطلت الحركة»، معتبرًا أن الحديث عن تعاطى السائقين للمخدرات «تم تضخيمه لأن هناك كشوفات دورية عليهم».

ويضيف: «مساعد السائق يظل فترة تعليم تصل ١٢ عامًا، حتى يصبح مؤهلًا للقيادة، بعد أن يحتك مباشرة بجميع الأمور المحتمل أن تعترضه أثناء الرحلة، ولهذا فأغلب قائدى القطارت فى الهيئة لديهم الخبرة الكافية للتعامل مع المواقف الطارئة»، لكنه يشتكى من قلة الفنيين بالهيئة والقصور فى عمليات الصيانة، مشددًا على وجود كشف دورى ثلاثى كل عام لمن تخطى ٤٥ عامًا وكل عامين لمن هو دون ذلك، وخلال الكشف يتم إجراء التحاليل والفحوصات بشكل دقيق لتوضيح مدى قدرته على القيادة حتى لا يعرض الركاب للخطر.

    الاكثر قراءة