السبت 20 ابريل 2024

معركة العولمة الأخيرة

مقالات29-1-2023 | 16:37

هل يمكن أن نتساءل هذه الأيام عن مصير العولمة أظن أنه لا يوجد أنسب مما يشهده عالمنا اليوم من أحداث ملتهبة ومعقدة لنطرح هذا التساؤل وهل بلغت العولمة سن الشيخوخة والتقاعد أم يحتاج عالمنا إلى صيغة أخرى؟! وقبل أن نجيب عن التساؤل لنطرح أولا أسبابنا لطرح فكرة نهاية العولمة ولتكن إجابتنا من تعريفها فهو الطريق الأقرب لتوصيل الفكرة فالعولمة تعني تحقيق التكامل بين الاقتصادات حول العالم عبر الانفتاح  وتبادل الصناعات، والمنتجات، والخدمات، والتكنولوجيا، والمعلومات بين الدول، بدلًا من أن تكتفي كل دولة بما لديها وتغلق على مواردها فهل عالم اليوم يحقق ذلك أم يتخلص منه ويبتعد عنه؟! وللحقيقة فإن عصر العولمة أصابته ضربات مميتة كان أبرزها تلك الحرب الاقتصادية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأ كل طرف باتخاذ إجراءات حمائية لاقتصاده المحلي بفرض تعريفات جمركية على البضائع وبدأت الولايات المتحدة من جانبها تعطيل قطاع التكنولوجيا الصينية عبر معركة الرقائق الالكترونية لإرباك سلاسل الإمداد العالمية والآن يحاول الاتحاد الأوروبي الاستقلال بصناعته الاستراتيجية. كانت هذه هي الشرارة الأولى في كتابة سطور العولمة الأخيرة ثم جاءت جائحة كورونا حيث انفرط عقد التعاون العالمي واندلعت حرب ضروس لتوفر كل دولة ما تحتاجه من أدوات مواجهة الفيروس وأدوات الحماية وتوفير اللقاحات ليتحول التكامل المنشود الذي دعت إليه العولمة طويلا إلى سباق محموم ضاعت فيه الدول الأفقر والأقل نفوذا أمام الصراع على النجاة من الفيروس. وبات السؤال ملحا لدى الدول التي تعتمد على الاستيراد ما فائدة تلك العولمة التي تبناها العالم لسنوات طويلة لتأتي الضربة القاضية وهي الحرب الأوكرانية وحرب الطاقة والغذاء التي ترتبت عليه نتيجة العولمة ليستأثر كل نظام بما لديه من موارد سواء النفط والغاز أو القمح والسلع الغذائية ليتحول الاقتصاد إلى سلاح يستخدمه كل من روسيا والغرب في معركتهم المحتدمة على الأراضي الأوكرانية ومن هنا دارت نقاشات محمومة عن عصر العولمة في منتدى دافوس الأخير حيث بحث الكل عن معالجات لتصاعد ما يمكن أن نسميه التوجه الوطني لأغلب الاقتصادات والسعي وبقوة إلى الانكفاء على الذات والوصول إلى الاكتفاء الذاتي وليذهب الباقون إلى الجحيم لتتحول إدارة العالم من السياسيين والأنظمة إلى الشركات العالمية التي باتت مسئولة دون غيرها اليوم عن استمرار تدفق وتبادل السلع والمنتجات كإيقاء لأوضاع سابقة وبحثا عن أسلوب جديد تنتهجه دول العالم في ما بينها غير ما رتبته العولمة وبدأت تتوجه أنظار العالم بعيدا قليلا عن الصين وأمريكا لتشمل المناطق الفقيرة في العالم كأفريقيا والدول المشاركة في حلقات الصناعة العالمية كالهند وماليزيا وبنجلاديش وتايلاند الذين يمكن أن نسميهم الورثة الشرعيون للنظام العالمي المتداعي حاليا. من هنا فإننا لسنا أمام انحسار لمفهوم وعصر العولمة وفحسب بل نحن في مرحلة إعادة تشكيل للكرة الأرضية ونعيش أجواء كتلك التي عاشها العالم عقب أن وضعت الحرب العالمية أوزارها حين بدأ المنتصر في رسم الطريق ووضع القوانين الحاكمة ليلحق به الباقون . هكذا نحن اليوم فالمعركة بين الغرب وروسيا هي السكين الذي سيسدد الضربة القاتلة للعولمة أو سيعيد إحياءها على قواعد جديدة لا نعرف هل ستكون ظالمة كسابقتها أو أشد ظلما وكل ما نراه من لهث غربي وإمداد لأوكرانيا بالسلاح والعتاد ليس كما يروج نصرة لدولة غزتها دولة أخرى بل هي المعركة الأخيرة لصانعي العولمة في محاولة لإنقاذها من الانهيار ومنع ووقف أي محاولة لإعادة تشكيل مجلس إدارة العالم ومع الأسف يبدو كل طرف أنه ماض في طريقه متخذا قراره غير مستعد للوصول إلى منطقة عادلة متوازنة يمكن أن يكون معها التكامل أقرب والعيش أهنأ.