الأربعاء 22 مايو 2024

عاصمةٌ إدارية لدولةٍ فتية 1


د. شريف درويش اللبان

مقالات30-1-2023 | 17:33

د. شريف درويش اللبان

بدعوة كريمة من د. السيد رشاد غنيم أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الإسكندرية ود. عزة عبد العزيز عثمان أستاذ الصحافة بكلية الآداب جامعة سوهاج وبمشاركة د. هاني خميس عميد كلية الآداب جامعة الإسكندرية قمتُ أمس الأحد بمناقشة رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث حسين طارق ابراهيم عبدالشافي وعنوانها: "التغطية الصحفية للمشروعات القومية وانعكاساتها علي إتجاهات الجمهور بين عامي"2016-2017:العاصمة الإدارية الجديدة نموذجـــًا.

نظرًا لأهمية المشروعات القومية التي توجه الدولة نحو التنمية الاقتصادية، حيثُ تعد المشروعات القومية من ركائز المجتمعات التي تعتمد علي تخطي الأزمات الاقتصاية التي تعاني منها البلاد والتي تجعل من اقتصاديات البلاد قوي عظمة تعمل علي قوة هذه البلاد مثل العاصمة الإدارية الجديدة وقناة السويس والمصانع، ومن خلال الإنتاج والعمل المنظم تسعي الحكومات والمنظمات في البلاد إلي العمل بقوة في المشروعات القومية، لذلك يعتبر مشروع العاصمة الإدارية واحدة من أهم المشروعات المقامة في هذه الأونة الأخيرة حيثُ تعمل علي تسهيل الأمور علي المواطنين والهيئات الحكومية في العمل من خلال المنظومة الإدارية الجديدة.
   ويسعي العالم الآن إلي إنشاء مثل هذه المدن الجديدة التي تجمع كافة هيئات ووزارات الدولة في منطقة واحده من أجل تيسير الأمور علي المواطنين، كما تعمل تلك علي تقليل عنصر الوقت في الانتقال بين الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة وعنصر الربط بينهم، وإذا كانت وسائل الإعلام الجديد وخاصــًة الشبكات الاجتماعية مثل "الفيسبوك وتويتر" قد أدت دوراً هائلاً في التمهيد إلي المشروعات القومية، إلا أن وسائل الإعلام التقليدية (الصحف والراديو والتليفزيون) ما زالت تؤدي دورًا كبيرًا في التغطية لمختلف أحداث المشروعات القومية وانعكاساتها علي المجتمع من خلال اتجاهات الجمهور نحوها، لأن وسائل الإعلام وفي مقدمتها الصحافة بدور رئيس وحيوي في التغطية الصحفية للمشروعات القومية، وتسليط الضوء عليها وتعريف المواطنين بالأحداث والموضوعات والقضايا المتعلقه بها سواء كانت إيجابية أو سلبية، أما الصحف الإلكترونية أصبحت أهم أشكال الإعلام الحديث ومصدرًا للحصول علي المعلومات والأخبار ومساعدًا في تكوين رؤيتهم الخاصة واتجاهاتهم نحو هذه القضايا القومية المطروحة.
وحيثُ أن المشروعات القومية تعتبر من قبيل التنمية الاقتصادية التي تعمل على إزدهار المجتمع، فقد رصد الباحث اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بمشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. وتُمثل تغطية مشروع العاصمة الإدارية الجديدة أبرز نموذج عن دور وسائل الاعلام في تشكيل اتجاهات الجمهور وحشده، ودفعه للمشاركة في المشروعات القومية، وبالنسبة لمواقع الصحف الإلكترونية فقد أصبحت أهم أشكال الإعلام الحديث، ومصدرًا هامــــًا يستمد منه الجمهور الأخبار والقضايا والمعلومات التي تساعدهم في تكوين رؤيتهم الخاصة وأطرهم المعرفية واتجاهاتهم حول الموضوعات المطروحة، وقد اختار الباحث دراسة الصحف الإلكترونية للصحف عينة الدراسة، وليست الصحف المطبوعة، نظرًا إلي أن هذه الصحف الإلكترونية تُعد واحدة من الوسائل الإعلامية.
   وحيثُ أن مشروعات التنمية والسعي لتنفيذها في المجتمع وخاصــًة في الدول النامية تعمل علي الاستقرار، والإزدهار المجتمعي، لذلك نجد أن الدولة تسعي لتحقيقها وتنفيذها وذلك لرفع مستوي معيشة الفرد ورقي المجتمع، وهذا ما يتم تنفيذه الأن في العاصمة الإدارية الجديدة، كما أن للإعلام الجديد دور هام في معالجة القضايا وتناولها من خلال التركيز علي مشروعات التنمية.
وتتمثل أهمية هذه الدراسة في أن الحديث عن التنمية في مصر أدى إلى اهتمام وسائل الإعلام بنقل أخبار مشروعات الدولة التنموية، لكن بسبب التضخم الاقتصادي وما لحق به من ارتفاع للأسعار، أدي إلي تضارب الآراء بالشارع المصري حول مستقبل التنمية في مصر، حيثُ يرى فريق أن تنفيذ هذه المشاريع سوف يحقق رخاء اقتصادي للدولة وللمواطنين على حد سواء، لكن هذا يتطلب وقتًا لكي نحصد ثمار تلك المشروعات المعلن عنها، ودافع متبني هذا الرأي من خلال تنبؤ عدد من شركات الاقتصاد العالمية بتحسن الاقتصاد المصري خلال السنوات القادمة.
   ويري فريق آخر أن الحديث عن التنمية في مصر هو مجرد دعاية سياسية، ودافع متبني هذا الاتجاه في أن الدليل على ذلك طرق إسناد المشروعات للشركات بالأمر المباشر، مثل: إسناد مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة" لشركة إماراتية دون غيرها في بداية المشروع، وعدم وضوح الحماية المقدمة للعمالة الوطنية من خلال عدم تحديد نسبة تشغيل العمالة الوطنية في تلك المشروعات، مما سيؤثر على العمالة الوطنية، ومن هذا المنطلق تُجري هذه الدراسة تحليلاً للتغطية الصحفية للمشروعات القومية بالعاصمة الإدارية الجديدة وإنعكاساتها على اتجاهات الجمهور وذلك في الفترة بين عامي (2016 – 2017)، وذلك للتعرف على أهم الأطر التي تحكم التغطية الإعلامية لتلك المشروعات، وعلاقتها بتقديم خدمة إعلامية متميزة تحقق المقاصد الإعلامية والاتصالية المرجوة من إنشاء هذه المشروعات القومية الكبرى، وأفادت هذه الدراسة في الكشف عن تقاليد العمل الإعلامي في مجال الإعلام القومي لخدمة المشروعات القومية، ومن ثّْم يمكن التوصية به من أجل تطوير معالجات الإعلام والاتصال للقضايا والموضوعات الاقتصادية الكبرى، وهو الأمر الذي يتوقع منه دعم قدرة تلك المشروعات الوطنية للوصول لشرائح الرأي العام المختلفة، وتكوين رأي عام مستنير ومساند لتلك المشروعات الحيوية.  
    وفي ضوء ذلك فإنه كلما زاد تركيز وتكثيف وسائل الإعلام على قضايا معينة زادت التهيئة العامة للرأي العام بشأنها، وأيضـًا إزداد اعتماد الجمهور على ما يعرفونه من معلومات بشأنها بناء تصوراتهم عن أداء المؤسسات والقيادات ذات الصلة، حيثُ إن وسائل الإعلام تقدم الأطر الإخبارية والتحليلية التي تشكل أساس الإستجابات المعرفية والوجدانية والسلوكية للرأي العام بشأن تلك القضايا.
   ونظرًا لأهمية دور وسائل الإعلام وخاصــــًة الصحف الإلكترونية في حشد الجمهور وتشكيل معارفهم واتجاهاتهم تجاه الموضوعات المختلفة سواء (سياسية - دينية – اقتصاية)، ونظرًا لأهمية المشروعات القومية والفائدة المتوقعة منها وخصوصــــًا مشروع العاصمة الإدارية الجديدة فتتبلور مشكلة الدراسة في الكشف عن تحليل الأطر المستخدمة التي ركزت عليها التغطية الصحفية الإلكترونية للمشروعات القومية ودورها في تشكيل اتجاهات ومعارف الجمهور نحوها، ومن هذا المنطلق تمثلت مشكلة الدراسة الراهنة التي نعرضها في التساؤل التالي:
ما طبيعة التغطية الصحفية للمشروعات القومية (العاصمة الإدارية الجديدة)؟ وما انعكاساتها على اتجاهات الجمهور بين عامي (2016 – 2017)؟
ومن هنا تحددت إشكالية الدراسة الراهنة في تقصي ورصد طبيعة وحدود الدور الذي تقوم به التغطية الصحفية للمشروعات القومية في تشكيل الأنساق المعرفية والوجدانية للرأي العام المصري، وهذا بالتطبيق على العاصمة الإدارية الجديدة.
وقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي في 8 فبراير لسنة 2016م القرار رقم 57 لسنة 2016م، بتخصيص الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة – السويس، البالغ مساحتها "166645" فدانـــًا شرق الطريق الدائرى الإقليمي؛ "17571" فدانـــًا غرب الطريق الدائرى الإقليمى، لصالح جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة واللازمة لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمراني .
وتشمل العاصمة الإدارية الجديدة مناطق سكنية متعددة المستويات لكل شرائح المجتمع منها إسكان اجتماعى، مدينة الحكم، مدينة طبية عالمية، ومدينة رياضية، وقرية ذكية وقاعات مؤتمرات دولية ومدينة معارض، مناطق خدمية وتعليمية، مناطق للمال والأعمال، وطرق حضارية بعرض (120) متر، ومحور أخضر بمساحة (7200) فدان بعرض (300) كيلو متر مربع، وفى 2 ابريل 2016 بدأ تنفيذ شبكات المرافق للعاصمة الإدارية الجديدة حيثُ تسلمت شركات المقاولات مواقع المشروع ( 31 مارس 2016)، ودفعت بكمية هائلة من المعدات، واللوادر والحفارات والبلدوزرات والهراسات وتانكات نقل المياه .
ويهدف هذا المشروع إلى تخفيف الضغط والتكدس في القاهرة، وهو لا يعد نقلاً للعاصمة الحالية، فالمكان المقترح للمشروع داخل النطاق الإداري والجغرافي للقاهرة، وهو مجرد إنشاء مركز إداري جديد للمال والأعمال، بهدف إستعادة ريادة العاصمة إقليميـــًا وعالميـــًا، مع تهيئة المناخ الثقافي والسياحي للقاهرة التاريخية.
وبحسب الموقع الرسمي للمشروع، فإن المخطط العام للمشروع والمفترض تنفيذه يتضمن الآتي:
يحتل موقع العاصمة الجديدة مكانـــًا استراتيجيـــًا بطول الطريق بين القاهرة والبحر الأحمر، إذ يوفر روابط اقتصادية بأهم طرق الشحن، فتصبح المدينة نقطة اتصال محورية في منطقة شرق القاهرة.
تشمل الخطة الأساسية إنشاء مدينة تكون البنى التحتية فيها ذكية، وتؤمن تعددًا في الفرص الاقتصادية، وترتكز علي التجارب العالمية في التصميم، وتبني المدينة متضمنة تنوعــــًا في الأحياء المتوسطة والعالية الكثافة.
إلتزام الحكومه المصرية بتحويل الوظائف الإدارية المهمة ووظائف الخدمات إلي المدينة الجديدة، مما يشكل حافزاً لتوفير فرص عمل تعاونية تستهدف الشباب.
تلتفت العاصمة الجديدة إلى مسالة الكثافة السكانية،وتساعد علي تقوية الإمكانية الاقتصادية عبر إنشاء أماكن جديدة للسكن والعمل والزيارة.
العاصمة الجديدة بمنزلة مدينة ذكية تستفيد من التقنيات المستدامة في يومنا هذا، فتعزز بالتالي الكفاءة في استخدام الموارد.
من المخطط أن تحمي بيئة هذا المكان، وأن يعاد تدوير النفايات العضوية باستمرار.
وقد افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي في 11 اكتوبر 2017 المرحلة الأولي من مشروع العاصمة الجديدة، وذلك بعد الإنتهاء من الحي السكني والبدء في تنفيذ الفيلات، كما تم الانتهاء من الحي الحكومي بنسبة (90%) خلال العام الماضي، ومن المقرر أن تشهد المرحلة الأولي نقل الوزارات إلى مقر العاصمة الجديدة خلال عام 2023، وذلك لحل أزمة التكدس بالقاهرة.
ويمكن تلخيص أهداف نقل العاصمة الإدراية الجديدة في النقاط الآتية:
التغلب بشكل جزئي علي المشكلة السكانية والإختناق الذي تسببه في القاهرة، حيثُ أن نقل العاصمة الإدارية سيؤدي إلي تفريغ عدد معين من السكان الموظفين في الهيئات الحكومية، بالإضافة إلي العاملين في قطاعات الخدمات والتجارة الداخلية والخدمات الأخري التي تمثل المقومات الجديدة.
إعادة توزيع عدد كبير من العاملين الحكوميين علي المحافظات بشكل تدريجي لتولي الأعمال في الحكومات المحلية في المحافظات.
 توفير فرص عمل في التشييد والبناء والخدمات في عواصم المحافظات مما يؤثر علي معدلات البطالة والهجرة.
علاج المشاكل الإدارية والسياسية الحالية في العاصمة الإدارية الجديدة.
 قد تمثل العاصمة الإدارية الجديدة دعمــــًا لأمن مصر القومي من خلال إنشاء مدينة للحكم والقيادة العسكرية مؤمنة.
 يُعد مشروع نقل العاصمة مشروعـــــًا قوميــــًا يلتف حولة الشعب ويساهم في تفادي السخط الشعبي الذي أصاب معظم سكان القاهرة بسبب الإختناق المروري المتزايد والتلوث البيئي وعدم الشعور بالأمان.
الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية من إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة:
مركز إداري جديد يضم أماكن لقصر الرئاسة والبرلمان والحكومة ومطارًا دوليـــًا وأكبر حديقة دولية علي مستوي العالم، ومدينة طيبة، ومدينة ذكية.
 مناطق عمرانية علي مساحة تقدر بنحو (460) كيلو مترُا تضم (2) حيـــًا سكنيـــًا، ونحو (101) مليون وحدة سكنية و(40) ألف غرفة فندقية.
 المحور الأخضر ويشتمل علي حدائق مركزية وترفيهية نباتية علي مساحة ألف فدان وبطول (35) كيلو متر.
 مركز للمال والأعمال يشتمل علي البنك المركزي والبورصة والبنوك المحلية والدولية بالإضافة إلي قاعة مؤتمرات.
 جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي في ظل التراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الوقت الحالي.
 تُعد بمثابة مركزًا للمال والأعمال يشتمل علي البنك المركزي والبنوك المحلية والدولية والبورصة وغيرها.
 أن هذا المشروع سيكون حلاً لمشكلة مركزية الخدمات في منطقة واحدة.
 نقل بعض الوزارات وبعض الأجهزة الحكومية مما يساهم في المساعدة علي إتمام برامج الإصلاح الإداري للدولة، وذلك لأن عدم التوزان في عملية التنمية والتفاوتات الإقليمية بين المحافظة قد تسبب في نزوح الآلآف من المواطنين من الريف المصري إلي القاهرة الكبري وهو ما أدي إلى التكدس والإزدحام وانتشار العشوائيات.
إن العاصمة الإدارية نهجٌ تتبعه عديدٌ من البلدان للتخفيف عن العواصم القديمة التي أصبحت تعج بالبشر والمؤسسات، فكانت العواصم الإدارية الحل الأمثل للتخفيف عن العواصم القديمة، وهو الأمر الذي انتهجته عشرات الدول في أرجاء المعمورة، وليست مصر بمعزل عن التطورات العمرانية التي يشهدها العالم، وخاصةً أنها واكبت تبني مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد نموذج الدولة التنموية لتصبح العاصمة الإدارية بمثابة "هاصمة جديدة لدولة فتية"، ولعل هذا هو ما دعا الهند إلى دعوة الرئيس السيسي كضيف شرف فوق العادة في احتفالها مؤخرًا بيوم الجمهورية.
وفي الأسبوع القادم نبدأ في عرض نتائج هذه الدراسة المهمة بإذن الله.


 

الاكثر قراءة