السبت 1 يونيو 2024

الحلم الزائف!

21-8-2017 | 12:05

بقلم : نبيلة حافظ

ظاهرة غريبة استوقفتني بالحياة في الفترة الأخيرة، ظاهرة لها العجب وتثير الدهشة والحزن والألم في ذات الوقت، ألا وهي تكالب بعض الشباب المتزوجين حديثا والمنتمين للطبقة القادرة ماديا على شراء جنسية أجنبية لأطفالهم الذين لم يولدوا ولم يأتوا بعد للحياة، فهؤلاء يحلمون بأن يولد أبناؤهم على أرض الدولة الأمريكية أو أي دولة أوروبية أخرى، من أجل أن يصبح أبناؤهم من أبناء تلك الدول طمعا في التمتع بالمكاسب المادية والحياتية التي يتمتع بها كل من يحمل جواز سفر تلك الدول، كما لو أن أراضي هذه الدول هي الجنة الموعودة التي يحلمون بالعيش فيها بقية العمر.

كم أنا حزينة على حال هؤلاء الشباب الذين لم يعرفوا ـ بعد ـ قيمة الوطن ولم يقدروا معنى الانتماء والولاء للأرض التي ولدوا عليها وتربوا على خيراتها، حزينة أشد الحزن لأنهم لم يثمنوا التضحيات التي قدمها شباب مثلهم ومن نفس أعمارهم ومن ذات المستوى الاجتماعي الذين ينتمون إليه، شباب مصر الأوفياء من رجال الشرطة والقوات المسلحة الذين قدموا أرواحهم فداء لتلك الأرض الطيبة، ومن أجل يعيش شعبها الأصيل في أمن واستقرار، هؤلاء لم يفكروا - للحظة واحدة ـ في التخلي عن واجبهم ومهمتهم الوطنية، ولم يلعنوا الظروف الصعبة التي يعيشون فيها هم وأسرهم، حبهم للأرض التي يعيشون عليها جعلهم يصرون على البذل والعطاء والفداء.

 وعلى نقيض منهم تماما نجد هؤلاءالشباب الذين فقدوا مصريتهم وأغوتهم الحياة السهلة الرغدة بدول أوروبا وأمريكا سوف يندمون ندم العمر على تفريطهم في وطنيتهم وبيعهم لانتمائهم من أجل الورقة الخضراء الملعونة أو لصالح الاسترليني واليورو، سوف يأتي يوم عليهم يلعنون هذا اليوم الذي دفعهم دفعا وراء هذا الحلم الزائف الذي لن يجلب لهم سوى الخزي والدمار! نعم الدمار لأن الحياة على تلك الأراضي ليست كما يتصورها الكثيرون، نعيم وسعادة ورخاء.. بل هي حياة كلها مخاطر ولا تتناسب مع المجتمع الذي عاشوا فيه وتربوا على عاداته وتقاليده، وعليهم إذا أرادوا العيش بين تلك الشعوب أن يتطبعوا بطباعهم ويحاكوهم في معيشتهم، وأن يتخلوا عن كل ما سكن في وجدانهم من قيم وأخلاقيات.

والسؤال الآن هل تنازل بعض الشباب عن وطنيتهم وسعيهم وراء هذا الحلم الكاذب هو نوع من الهروب؟! هروب من الواقع الصعب الذي نعيشه ومن متاعب وقسوة الحياة؟! أم هي رغبة جامحة وطموح طاغ يجعلهم يتوهمون أن حمل جنسية أخرى ـ لهم ولأبنائهم ـ هي الدنيا وما فيها من متاع! الإجابة بالطبع لن ترضيهم ولن تقنعهم أو تحولهم عن تحقيق هذا الوهم الذي يسعون إليه، لأنهم لديهم قناعة كبيرة وإيمان قوي بالفكرة التي تسيطرعلى تفكيرهم وتدفعهم دفعا إلى تحقيقها بشتى الطرق.

ولكن.. لهؤلاء الشباب الذين يعيشون هذا الوهم الكبير أقول لهم وأنا كلي ثقة أن مصر إن شاء الله سوف تجتاز المرحلة وسوف تجني ثمار كفاحها وصبر شعبها، وأن المولى عز وجل سوف ينعم على أهلها بالخير والرخاء، وقتها سوف تكون الحسرة والندم هي مصيرهم ومصير كل من تخلى عن وطنه وباع مصريته طمعا في مال أو في رفاهية زائلة لا معنى ولا قيمة لها بالحياة!