الأحد 28 ابريل 2024

ابن مين فى مصر؟

14-1-2017 | 22:45

جاء اختيار المستشار أحمد الزند وزيراً للعدل وهو صاحب مقولة “ نحن الأسياد فى هذا البلد وغيرنا العبيد” ليحيى المشكلة القديمة الجديدة وهى غياب المساواة بين المصريين فى تولى الوظائف العامة المرموقة كالنيابة العامة والقضاء والسلك الدبلوماسى والشرطة وعضوية هيئة التدريس فى الجامعات حيث إن الكثير من هذه المجالات أصبح مغلقاً سوى على الأبناء الذين يرثون وظائف الآباء أو على أسر معينة أو أبناء طبقات بعينها

بالطبع يستثنى من ذلك كله من يستطيع الوصول إلى واسطة أو رشوة أحد ذوى النفوذ. غياب الشفافية فى معايير الاختيار لهذه الوظائف, و تحصين قرارات لجان الاختيار من الطعن عليها أمام مختلف درجات التقاضى, والبلاء الأكبر الذى يعرف بكشف الهيئة, كلها أسباب لإهدار فرص المتفوقين علمياً والبسطاء اجتماعياً من حقوقهم المشروعة فى تولى الوظائف العامة التى تصعد بهم وبعائلاتهم اجتماعياً, حيث من المفترض أن العلم والتعليم هو الطريق الصحيح للصعود فى المجتمع وتحقيق المكانة فيه, فالوظائف العامة والتى تمول من أموال الشعب ليست عزبا خاصة لأصحابها لتئول إلى عائلاتهم وأقاربهم ومحاسيبهم من بعدهم.

ورغم أنه من المفترض أن كل المصريين متساوون أمام القانون فى الحقوق والواجبات, ومتساوون فى فرص التعليم والعلاج والتوظيف, ولكن الواقع, وكشف الهيئة, وإحساس بعض العاملين فى هذه المجالات بالغرور وبالتعالى على باقى المصريين يقول إن الوضع غير ذلك, وهو الوضع الذى لخصته نكتة أطلقها قاض مصرى متقاعد تعليقاً على فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة بأنه يستطيع أن يحكم أقوى دولة فى العالم بالانتخابات لكنه لايستطيع النجاح فى كشف الهيئة كوكيل نيابة فى مصر فأبوه مهاجر كينى فقير.

ومنذ سنوات ليست بالبعيدة جمعتنى جلسة بوكيل أول لوزارة الخارجية المصرية, كنت أعد برنامجاً تليفزيونياً وكان هو أحد الضيوف, أثناء دردشتى معه قبل التسجيل سألته عن رأيه فى انتحار عبد الحميد شتا, ابن الفلاح وأول دفعته فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأول الناجحين فى امتحان القبول لوظيفة ملحق تجارى بالسلك الدبلوماسى, بسبب رسوبه فى كشف الهيئة التى أوصت بعدم لياقته اجتماعياً للوظيفة, انتفض السفير فى مقعده وقال لى وهل تريد ان نلحق بالخارجية ابن علاف, وكأن المهنة الشريفة البسيطة للوالد تهمة يجب أن يدفع ثمنها أبناؤه المتفوقون, وكان من المفارقات فى نفس جلستنا أن صارحنى نفس الدبلوماسى الكبير بأنه عندما كان سفيراً فى كندا حرص على أن يحصل أبناؤه على الجنسية الكندية رغم مخالفة ذلك للقانون الذى يحرم على الدبلوماسيين وأسرهم الحصول على جنسيات البلدان التى يمثلون بلادهم فيها.

وحكى لى سعادة السفير فى نفس الجلسة بعض حكايات فساد أعضاء البعثات التى عاينها بنفسه كعضو فى لجنة تأديب الدبلوماسيين الذين يخرجون عن مقتضيات واجبات وظائفهم, فحكى لى عن السفير المختلس والسفير المزور, وسألت نفسى وأنا أستمع للسفير الكبير أليس اختيار دبلوماسى شريف من عائلة فقيرة أفضل للبلاد ولسمعتها من أؤلئك اللصوص والمرتشين الذين أجازتهم كشوف الهيئة إياها فهناك أبناء لفقراء متفوقون علمياً ويتقنون اللغات وعلى درجات عالية من الثقافة وقادرون على تمثيل بلادهم وتشريفها وخدمتها بحب وتفان فقط لو أتيحت لهم الفرصة.

قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م كانت الوظائف الكبرى فى الدولة محصورة فى عائلات كبار الإقطاعيين والرأسماليين,وهؤلاء كونوا ثرواتهم إما من خدمة أسرة محمد على حتى الطباخين والبرادعية والسياس أخذوا إقطاعيات شاسعة وكونوا ثروات لعائلاتهم التى تحمل أسماء مهنهم القديمة, عائلات أخرى كونت ثرواتها من خلال تعاونها مع المحتل الإنجليزى إما بقمع الفلاحين وضمان عدم ثورتهم, أو بدعم المجهود الحربى للمحتل.

وبعد الثورة وتوزيع الأراضى على الفلاحين ودخول أبنائهم وأبناء العمال للجامعات وتعيينهم فى النيابة والجامعات والشرطة والشركات الكبرى, ظهرت أسماء عائلات كبار ضباط الثورة, وعائلات كبار موظفى الدولة الذين صاهر بعضهم الإقطاعيين والرأسماليين القدامى ليحموا لهم مصالحهم وليصعدوا هم اجتماعياً, وفى عهد السادات ظهرت أسماء عائلات أقاربه وأخوته وابنائهم وشركائهم فى البزنس, وكبار موظفى القطاع العام الذى نهبوه وسرقوه, وعائلات رجال الانفتاح ومستوردى الفراخ الفاسدة ولحوم القطط والكلاب, وفى عهد مبارك ظهرت عائلات أصدقاء الرئيس وأبنائه وأصهاره والهاربين بقروض البنوك, ووزراء بيع أراضى الدولة وشركاتها بأبخس الأثمان, والوزراء اللصوص والوزراء رجال البزنس, وأبناء الوزراء الذين يعملون فى بزنس وزارات آبائهم.

وإذا كانت إجابتك على السؤال(إنت ابن مين فى مصر؟)يمكن أن تقصيك من نيل وظيفة عامه لعدم لياقتك الإجتماعية, فإن نفس الإجابة يمكن أن تدلنا على تاريخ تكون ثروة أسرة الذى نال الوظيفة, وهل كانت من خدم عائلة محمد على وجواريهم, أو من المتعاونين مع الإنجليز, أو من حرامية الانفتاح, أو فاسدى القطاع العام, أو من أبناء الفلاحين والعمال الذى مكنتهم الثورة من العمل فى المناصب العامة الهامة فتخلوا عن الفقراء وقرروا تحويلها إلى إرث لأبنائهم.

كتب : طارق سعدالدين

    Dr.Randa
    Dr.Radwa