الثلاثاء 23 ابريل 2024

ميلاد تحت الركام .. عن قصة "رضيعة الزلزال"

مقالات9-2-2023 | 13:52

ما بين أصوات الجرافات، وزخات من دموع، بعد أن كشرت الأرض عن أنيابها، ومادت الأرض بالعباد والمنازل وتحولت إلى ركام، في فجر يوم «زلزال شرق المتوسط» الذي ضرب تركيا وسوريا بعنف في مشهد لا ينسى، يأتي ميلاد طفلة في بلدة جنديرس شمال سوريا، في مشهد مهيب، وكأن الله العلي القدير يضرب للبشر موعدًا مع معجزة تروي قصة فتاة خرجت من ظلمات ركام الزلزال إلى نور الحياة مربوطة بحبل السرة مع أمها التي فارقت الحياة على أثر الزلزال، بينما كانت إرادة الله أن يحفظ الرضيعة. 

لم تكد الرضيعة أن تبصر الحياة، أو تسمع أذناها صوت الأذان وترتدي القماط الذي يعلوه الخرزة الزرقاء كعادة أهلنا في سوريا الحبيبة، حتى فقدت الأم والأب و4 من الإخوة وعمتها التي كانت تقطن معهم آنذاك في نفس المنزل، لم يقتصر ذلك المشهد الدامي للقلوب على تلك الرضيعة التي فقدت أسرتها وأن خرجت من تحت ركام الزلزال، لننتقل إلى مشهد آخر تداوله نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، لطفلة سورية كانت تحمي رأس شقيقها الصغير، لا تكاد تسمع صوتها وهي تقول للمسعف «عمو طلعني.. وأعمل لك اللي بدك بصير عندك خدامة»، إلا ويبكي قلبك، خرج الطفلان بعد 17 ساعة من محاولة إنقاذهما من تحت ركام الزلزال.

 
 قبل أن يضرب «زلزال شرق المتوسط»، شمال سوريا ضربتها السياسة، وصنعت منها مأساة إنسانية في وطن يعج بالصراعات التي تلقي بظلالها علي بقعة جزء أصيل من سوريا، وبقدر ما خلف الزلزال من مأسٍ إنسانية إلا أنه دفع العديد من البلدان العربية «مصر والسعودية والإمارات والكويت والجزائر وتونس والأردن ولبنان» إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا بهدف تخفيف قدر من المأساة الإنسانية. 

بينما وسط ذلك الركام الهائل من نتائج زلزال شرق المتوسط، الذي خلف ضحايا بين قتيل وجريح، لم يتوقف رصد أعدادهم حتى كتابة تلك السطور، تطل علينا مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية برسم كاريكاتيري، يسخر من زلزال تركيا، حيث يطهر فيه أبنية مهدّمة في تركيا مصحوبة بعبارة «لا توجد حاجة لإرسال دبابات»، فيما رد المتحدث باسم الرئاسة التركية بعبارة «هؤلاء هم البرابرة المعاصرون.. يغرقون في الحقد والكراهية». 

لم تكن السقطة الأولى لـ«شارلي إيبدو» ورسوماتها التي لا تحترم حق الاختلاف ومعتقدات الآخر، واليوم تكشف عن وجه قبيح يفتقد الإنسانية، إن الحرية لا تعني السخرية من مأساة يمر بها شعب آخر خاصة وأنها كارثة طبيعية، هل فكر من رسم ذلك الكاريكاتير أنه كان من الممكن أن يكون أحد الضحايا، أو تولد ابنته وتخرج للحياة وسط ركام الزلزال بعد فقدانه في نفس الحادث لتعيش وحيدة باقي عمرها وهي لم يتعد عمرها بضع دقائق. 


إن الريشة والموهبة التي منحها لنا الله هدفها خدمة الإنسانية، الريشة سيف في مواجهة الاستبداد، وجدت لمجابهة الفساد وتصحيح المسار، وعندما تكون يد من لا يحسن استخدامها تتحول لسكين يذبح قيم وأعراف الإنسانية، لقد أصبحت تلك المجلة عارًا يندي له جبين الصحافة الفرنسية، كيف يمكن لمثقفي وأدباء فرنسا اليوم الحديث عن صحافة بلد عريق مثل فرنسا مباهين العالم بحريتها، إنه «السقوط في بثر القذارة». 

إن زلزال شرق المتوسط، درس عميق للمنظمات الأممية والساسة في أرجاء المعمورة، علينا أن ندرك أن الكوارث الطبيعية حينما تأتي لا تفرق بين المدن في الدول المستقرة ومناطق الصراع والنفوذ، والساسة مسئولين عن هؤلاء البشر، الذين يقبعون تحت ركام الزلزال، ومن يعانون موجات البرد القارس وخواء البطون، ولا يجدون الدواء، وأولئك الأطفال الثكلى. 

لا أحد يمكنه تصور مستقبل «رضيعة الزلزال» أو هؤلاء الضحايا بعد مرورهم بتلك التجربة المريرة، إنها تجربة مؤلمة نزعة غطاء أورق التوت عن من فقد إنسانيته، و كشفت عهر تلك المجلة التي تتشدق بحرية التعبير، بينما هي أشبه ببائعة الهوى في تلك الحانة الفرنسية لمن يدفع لها أجر ليلة رخيصة. 

رحم الله الضحايا وربط على قلوب ذويهم، وكتب الشفاء العاجل للمصابين، وسخر الحب في القلوب لمن فقد ذويه. 
 

Dr.Randa
Dr.Radwa