الأربعاء 15 مايو 2024

«الحب.. الشعر.. الغناء» ثلاثية العشق في التراث العربي


د. أحمد فرحات

مقالات9-2-2023 | 17:07

د. أحمد فرحات

لم تظهر المرأة العربية في بلاد المشرق العربي إلا عفيفة طاهرة، مكنونة عن الأعين، وقد ظهرت جليا بصورتها العفيفة فى أشعار شعراء المشرق العربى
أشعار الشعراء فى المرأة المشرقية يعرفها القاصى والدانى، فهي منذ الجاهلية فتاة مرفهة، ناعمة، تمشى الهوينى، عيونها سهام قاتلة، تنتقى موقع أقدامها، وتنتقى كلماتها بعناية
انتقل الغناء من بلاد المشرق العربى إلى بلاد المغرب والأندلس، حيث الطبيعة الساحرة، والبلاد النائية، وحياة اجتماعية غير تلك التى تربى عليها المشارقة
كانت المرأة الأندلسية لا تهاب المواقف ولا تخجل أن تعبر عن عواطفها تجاه من تحب، غير عابئة بما تؤول إليه الأمور، فكانت صادمة للعربى فارس الصحراء

ارتبط الحب بالشعر وارتبطت الموسيقا به أيضا كما ارتبط الشعر بالغناء؛ فعنى المغنون بانتقاء الأشعار التي لها تأثير على السامعين، ومن ثم تم تأليف أشهر كتب الأدب العربى، وأهمها، وهو كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى؛ نتيجة اختيار مائة قصيدة يختارها أبو الفرج للمغنى الشهير إبراهيم الموصلي؛ ليقدمها لخليفة المسلمين هارون الرشيد، فوقع اختيار أبى الفرج على مائة قصيدة تصلح للغناء في العصرالعباسي.  وذكر ابن عبد ربه أن أول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق: طُويس، وكان في عهد عثمان رضى الله عنه، ويكنى أبا عبد النعيم، وهو أول صوت غنى به في الإسلام: 
قَدْ بَرَانِي الشَّوْقُ حَتَّى/ كِدْتُ مِنْ شَوْقِي أَذُوْب
أدرك الجوارى والمغنون أهمية الغناء للإنسان، فراحوا ينتقون الكلمات والشعراء ليغنوا شعرهم فى المحافل المختلفة، ولاسيما في بلاط الخلفاء والأمراء والقادة المثرين، ومن ثم انتشر الغناء في الجزيرة العربية، وخاصة المدينة ومكة، فقد نال الغناء من مكة والمدينة ما لم ينله غيرهما من المدن الأخرى فى الجزير العربية، فنشط الغناء فى هاتين المدينتين نشاطا غير قليل، لأسباب سيساسية واجتماعية وثقافية ذكرها الدارسون، وما يهمنا هنا أن انتشار الغناء والموسيقى لم يكن على يد النساء العربيات بقدر ما كان ينطلق على لسان الجوارى والقيان والمغنين من العبيد الذين دخلوا الإسلام مع البلاد التي فتحها المسلمون في العراق والشام وفارس، فاكتظت الجزيرة العربية بالنساء الروميات والفارسيات، ومن كل الأجناس والأصقاع حول العالم، من غابات أفريقيا، وأصقاع تركستان، حتى روسيا والبلدان الإسكندنافية. وكن جميعا يُجِدْنَ العربية وفنونها، ويجدن الموسيقى والشعر والغناء. حيث إن غالبيتهم العظمى أطفال قد باعهم أهلهم إلى النخاسين من أجل إنقاذهم من الفقر والجوع، وعلى أمل أن يحالفهم الحظ  في حياة أخرى. 
وتشير كتب التراث العربي إلى قصة الأبيات التي تغنى بها الدارمى: 
قُل للمَلِيْحَةِ في الخِمَارِ الأَسْوَدِ


مَاذَا فَعَلْتِ بِزَاهِدٍ مُتَعَبّدِ؟ 


قَدْ كَانَ شَمَّرَ لِلصَّلاةِ ثِيَابَهُ

 

حَتَّى خَطَرْتِ لَهُ بِبَابِ المَسْجِدِ


رُدِّي عَلَيْهِ صِيَامَهُ وَصَلاتَهُ


 لا تَقْتُلِيْهِ بِحَقِّ دِيْنِ مُحَمَّدِ

 

جاء رجل بخُمُر من العراق ليبيعها في المدينة، فباعها إلا الخمار الأسود، فشكا ذلك إلى الدارمى، وكان قد تنسك، وترك الشعر، ولزم المسجد، فعرض على العراقى أن يقول قصيدة ثم يعطيها لأحد المغنين في المدينة، ففعل، وكتب (قل للمليحة)، فلم تبق مليحة في المدينة إلا ابتاعت الخمار الأسود.

وفي رواية ابن عبد ربه في العقد أنه قال: سمعت إسحاق الموصلى يقول: حضر مسامرة الرشيد ليلةً عبثر المغنى، وكان فصيحاً متأدباً، وكان مع ذلك يغني الشعر بصوت حسن. فتذاكروا رقة شعر المدنيين، فأنشد بعض جلسائه أبياتاً لابن الدمينة حيث يقول:
وَأَذْكُرُ أَيَّامَ الحِمَى ثُمَّ أَنْثَني       
  


عَلَى كَبِدِي مِنْ خَشْيَةٍ أَنْ تَصَدَّعَا


وَلَيْسَتْ عَشِيَّاتُ الحِمَى بِرَوَاجِعٍ


عَلَيْكَ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَيْكَ تَدْمَعَا


بَكَتْ عَيْنِيَ اليُمْنَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا


عَنِ الجَهْلِ بَعد الحلم أسبلتا معا


كَأَنَّا خُلِقْنَا لِلنَّوَى وَكَأَنَّما


حَرَامٌ عَلَى الأيَّامِ أَنْ نَتَجَمَّعَا

 

فأعجب الرشيد برقة الأبيات. فقال له عبثر: يا أمير المؤمنين، إن هذا الشعر مدني رقيق، قد غذي بماء العقيق، حتى رق وصفا، فصار أصفى من الهوا؛ ولكن إن شاء أمير المؤمنين أنشدته ما هو أرق من هذا وأحلى، وأصلب وأقوى، لرجل من أهل البادية. قال: فإني أشاء. قال: وأترنم به (الترنم هو الغناء) يا أمير المؤمنين؟ قال: وذلك لك. فغنى لجرير:
إِنَّ الذينَ غَدَوْا بِلُبِّكَ غَادَرُوا 
  


وَشْلا بِعَيْنكَ مَا يَزَالُ مَعِينا

 


غَيَّضْنَ مِن عَبَرَاتِهِنَ وَقُلْنَ لى

 


مَاذَا لَقِيْتَ مِنَ الهَوَى وَلَقِيْنَا

 


رُوْحُوا العَشِيَّةَ رَوْحَة ًمَذْكُوْرَةً  

 


إِنْ حِرْنَ حرنا أو هُدينا هُدينا

 


فرموا بهن سواهماً عرض الفلا

 


إن مِتْنَ مِتنا أو حَيين حَيينا

 

 

قال: صدقت يا عبثر، وخلع عليه وأجازه.
وذكر الأبشيهى: حكى علي بن الجهم قال: لما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المتوكل أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان جارية يقال لها محبوبة كانت قد نشأت بالطائف فبرعت في الجمال والأدب وأجادت قول الشعر، وحذاقة الغناء، فشغف بها أمير المؤمنين المتوكل حتى كانت لا تفارق مجلسه ساعة واحدة، ثم إنه حصل منه عليها بعد ذلك جفاء، فهجرها، قال عليّ بن الجهم، فيما أنا نائم عنده ذات ليلة إذ أيقظنى، فقال يا على قلت لبيك يا أمير المؤمنين، قال: قد رأيت الليلة في منامى كأنى رضيتْ علىَّ محبوبةُ وصالحتُها، فقلت خيراً رأيت يا أمير المؤمنين، أقرَّ اللهُ عينك إنما هي جاريتك والرضا والجفاء بيدك، فوالله إنا لفي حديثها إذ جاءت وصيفة فقالت: يا أمير المؤمنين سمعت صوت عود من حجرة محبوبة. فقال: قم بنا يا على ننظر ما تصنع، فنهضنا حتى أتينا حجرتها فإذا هى تضرب بالعود وتقول:
أَدُوْرُ في القَصْرِ لا أرَى أَحَدًا

 


أَشْكُو إِلَيْهِ وَلا يُكَلِّمُنِى


كَأَنَّني قَدْ أَتَيْتُ مَعْصِيَةً

 


لَيْسَ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُني

 


فَهَلْ شَفِيْعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ  

 


قَدْ زَارَني في الكَرَى وَصَالحَنِي

 


حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لاحَ لَنَا  

 


عَادَ إِلَى هَجْرِهِ وَصَارَمَنِي

 

 

قال: فصاح أمير المؤمنين، فلما سمعته تَلَقَّتْهُ، وأكبت على رجليه تقبلهما، فقال: ما هذا؟ قلت: يا مولاى رأيت في منامى هذه الليلة كأنك قد رضيتَ عنى، فأنشدتُ ما سمعتَ، قال: وأنا والله رأيتُ مثل ذلك، ثم قال يا على: هل رأيتَ أعجب من هذا الاتفاق، ثم أخذ بيدها ومضى إلى حجرتها وكان من أمرهما ما.
ولم تكن المرأة العربية فارسة هذا الميدان، ولم تظهر في بلاد المشرق العربي إلا عفيفة طاهرة، مكنونة عن الأعين، وقد ظهرت جليا بصورتها العفيفة فى أشعار شعراء المشرق العربى، وبدت وقورا، طاهرة، عفيفة، وربما شاعرة، وربما زكية، ولكنها لم تكن لعوبا، ولا مغنية، ولا عازفة على آلة، وأشعار الشعراء العرب في المرأة المشرقية يعرفها القاصى والدانى، فهي منذ الجاهلية فتاة مرفهة، ناعمة، بيضاء، مصقول عوارضها، تمشي الهوينى، تنتقي موقع أقدامها، وتنتقي كلماتها بعناية، نؤوم الضحى، تمسى وتصبح فوق ظهر حشية، عيونها سهام قاتلة، وقدها غصن بان، شفاهها ألمى... 
رُوِيَ عن عثمان الضّحّاك قال: خرجتُ أريد الحج فنزلتُ بخيمة بالأبواء؛ فإذا بجارية جالسة على باب الخيمة، فأعجبني حسنها. فتمثلت بقول نصيب:
بزينبَ أَلْمِمْ قبلَ أنْ يرْحَلَ الرَّكْبُ
         


وقُلْ: لا تَمَلِّيْنَا فَمَا مَلَّكِ القَلْبُ

 

 

فقالتْ: يا هذا، أتعرفُ قائلَ هذا البيت. قلتُ: بلَى هو نُصَيْبُ، فقالتْ: أتعرفُ زَيْنَبَهُ؟ قلتُ: لا. قالتْ: أنا زَيْنَبُهُ. قلتُ: حياكِ اللهُ وحباكِ. قالتْ: أما والله إن اليوم موعده، وعدنى العامَ الأولَ بالاجتماع في هذا اليوم، فلعلك أن لا تبرح حتى تراه. قال: فبينما هى تكلمنى إذ أنا براكب. قالت: ترى ذلك الراكب. قلت: نعم. قالت: إنى لأحسبه إياه، فأقبل فإذا هو نُصَيْبُ، فنزل قريباً من الخيمة، ثم أقبل فسلم، ثم جلس قريباً منها، فسألته أن ينشدها، فأنشدها، فقلت فى نفسى: محبانِ قد طال التنائى بينهما، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقمت إلى بعيرى لأشد عليه، فقال: على رِسْلِكَ إنّي معك، فجلستُ حتى نهضَ معي فسرنا وتسامرنا، فقال لى: أقلتَ في نفسكَ محبان التقيا بعد طول تناء فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة. قلت: نعم قد كان ذلك. قال: ورب البيت منذ أحببتها ما جلست منها مجلساً هو أقرب من مجلسى هذا، فتعجبت لذلك، وقلت: والله هذه هي العفة في المحبة.
وحكى الأصمعى: قال: بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:
أَيَا معشرَ العُشَّاقِ باللهِ خَبِّرُوا         

 


إِذَا حلَّ عشقٌ بالفتى كيفَ يصنعُ

 

 

فكتبت تحته:
يُدَارِى هَوَاهُ ثُمَّ يكتمُ سِرَّهُ         

 


ويخشعُ في كُلِّ الأمورِ وَيخضعُ

 

 

ثم عدت في اليوم الثانى فوجدت مكتوباً تحته:
فكيفَ يُدارِى وَالهَوى قاتلُ الفتى

 


وفي كلِّ يومٍ قَلْبُهُ يتقطعُ

 

 

فكتبت تحته:
إذا لمْ يجدْ صبرًا لِكتمانِ سِرِّهِ   

 


فليسَ لهُ شيءٌ سِوَى الموتِ أنفعُ

 

 

ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وقد كتب قبل موته:
سَمعنا أَطعنا ثُمَّ متنا فبلغوا   

 


سلامي على من كان للوصل يمنعُ

 

 

وجامع شعر العرب في المشرق قول إبراهيم بن محمد المهلبي(نفطويه): 
أَهْوَى الملاحَ وَأَهْوَى أنْ أُجَالِسُهُمْ

 


وَلَيْسَ لي في حرامٍ منهم وطرُ


كذلكَ الحبُّ لا إتيان معصيةٍ

 


لا خيرَ في لَذَّةٍ منْ بعدهَا سَقَرُ  

 

 

وعلى هذا النحو انتقل الغناء من بلاد المشرق العربى إلى بلاد المغرب والأندلس، حيث الطبيعة الساحرة، والبلاد النائية، وحياة اجتماعية غير تلك التي تربى عليها المشارقة. حيث برزت شخصية المرأة بروزا على غير مثال لدى العربى المجاهد، الذي ربما حمل سيفه ودرعه وفرسه متجها إلى بلاد لم يعرف لها رسما، غاية سؤدده أن تعلو لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الديار، وأن يقام للصلاة في تلك الأماكن النائية، ولكنه اصطدم بواقع شديد القساوة على عاداته ومعتقداته، واقع ربما لم يسمع عنه ولم يكتشفه حتى بخياله، فذهله ما رأى من عادات تلك البلاد وطبائع أهلها، وثقافة نسائها؛ فقد كانت المرأة الأندلسية تجيد الغناء بطبيعتها، وتجيد العزف والموسيقى، وتجيد الشعر أيضا، وقد كانت المرأة الأندلسية بالحتم امرأة جسور، لا تهاب المواقف، ولا تخشى أحدا أمام رغباتها، كانت صادمة للعربي فارس الصحراء. فقد كانت لا تخجل أن تعبر عن عواطفها تجاه من تحب، غير عابئة بما تؤول إليه الأمور، لا تخشى عين الرقيب، ولا قول العاذل، وربما جاهرت بما لم تعرف المرأة العربية بنت الصحراء التعبير عنه، طرقت قلب العربي طرقات لم يستطع الانفلات من أثرها، فأعجب بها، وتزوجها، وأنجب منها، أولادا ، امتزجت دماء العربى بدماء الأندلسيات، فكانت اللغة الرومانثية نتيجة التزاوج بين العرب والأندلسيات. الأب يتكلم العربية، والأم تتكلم الإسبانية، فنشأ الأولاد بين ثنائية اللغة، ونتج عن ذلك لغة جديدة هي الرومانثية، وهي عبارة عن مزيج بين العربية والأسبانية القديمة، ونشأ أيضا المولدون، وهم الأولاد الذين جاءوا لأب عربي وأم أندلسية. وقد بلغ إعجاب العرب بنساء الأندلس حدا يفوق الوصف، فقد بلغ عدد ولد عبد الرحمن الثاني الأوسط مائة وخمسين من الذكور، وخمسين من الإناث، وبالطبع ليسوا من امرأة واحدة ولا من امرأتين، فقد بلغ الإعجاب بالنساء شأوا كبيرا. 
ومن النساء من تجاهر بالحب علانية، وتعلن عن رغبتها في الرجل،فتقول: 
أَغَارُ عَلَيْكَ مِنْ نَفْسِي وَمِنِّي


وَمِنْكَ وَمِنْ زَمَانِكَ وَالمَكَانِ


وَلَوْ أَنِّي خَبَأْتُكَ في عُيُوْنِي


إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَا كَفَانِي

 

وأرسلت ولادة إلى ابن زيدون رسالة تبوح فيها بما لم نجده عند المرأة المشرقية فقالت: 

أَزُوْرُكَ أَمْ تَزُوْرُ فَإِنَّ قَلْبِي

 

 


إِلَى مَا مِلْتُم أَبَدًا يَمِيْلُ

 


فَثَغْرِي مَوْرِدٌ عَذْبٌ زُلالٌ

 

 


وَفَرْعُ ذُؤَابَتي ظِلٌّ ظَلِيْلُ

 


وَقَدْ أَمَّلْتُ أَنْ تَظْمَأَ وَتُضْحى

 

 


إِذَا وَافَى إِلَيْكَ بي المقِيْلُ

 


فَعَجِّلْ بالجَوَابِ فَمَا جَمِيْلٌ

 

 


أَنَاتُكَ عَنْ بُثَيْنَةَ يَا جَمِيْلُ

 

 

  كتبت إلى ابن زيدون بالذهب على طرازها الأيمن: 
أَنَا وَاللهِ أَصْلُحُ لِلْمَــــــعَالي

 


وَأَمْــــشي مِشْيَتي وَأَتِيْهُ تِيْها

 

 

وكتبت على طرازها الأيسر:
أُمكِّنُ عَاشِقي مِنْ صَحْنِ خَدّي

 


وَأُعطي قُبلتي من يشتهيها

 

 

وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف، وفيها خلع ابن زيدون عذارَه، وله فيها القصائد والمقطعات منها القصيدة النونية، وكان لها جارية سوداء بديعة الغناء ظهر لولادة من ابن زيدون مَيلٌ إلى السوداء، فكتبت إليه:
لو كنتَ تُنصِفُ في الهوى ما بيننا

 


لم تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ

 


وتركتَ غصناً مُثمِراً بجماله

 


وجَنَحتَ للغصن الذي لم يُثمِر

 


ولقد علِمتَ بأنني بدرُ السما

 


لكن ولِعتَ لشقوتي بالمشترى

 

 

وشاعت الموسيقى والغناء والشعر في ربوع الأندلس أثناء حكم المسلمين بشكل لافت، حتى إن المعتضد بن عباد ودّع الحياة على عزف الموسيقى، وصوت الشعر، إذ أرسل- وهو على فراش الموت- للصقلي المغنى، فأجلسه وأنسه، وأمره بالغناء جاعلاً ما يبتدئ غناءه به فألاً في أمره، وقد استشعر انقراض ملكه وحلول هلكه فغنى.
نَطْوي اللَّيالِي عِلْمَاً أن سَتَطوِينا

 


فشَعشِعِيها بماءِ المُزنِ واسقِينا


وتَوِّجي بكؤوسِ الراحِ أيديَنا     
  


فإِنما خُلقَت للرَّاحِ أيدينا


قامت تَهُزُّ قَواماً ناعماً سَرَقت   
    


شَمائلَ البانِ من أعطافِه لِينا

 


قد ملَّكَتنا زِمامَ العَيشِ صافيةً

 


لو فاتَنا المُلكُ راحَت عنه تُسلِينا


لمّا رأيتُ عُيونَ الدهرِ تَلحَظُنا

 


شَزْراً تيقَّنتُ أنَّ الدَّهر يُردينا