السبت 18 مايو 2024

الحب.. الأسباب والأعراض

م. زياد عبدالتواب

الهلال لايت 9-2-2023 | 17:07

م. زياد عبدالتواب

كثيرة هي أسباب الوقوع في الحب ومتعددة، قد تكون البداية إعجابا بالشكل والمظهر الخارجيين و ينتقل ذلك إلى انفعال داخلي فى صورة زيادة فى دقات القلب.

لا يخلو الحب من معاناة او عذاب نتيجة عدم القدرة على التواصل بشكل مستمر أو الهجر أو حتى الخوف غير المبرر من الفقد، أوالحيرة من عدم التحقق من مشاعر الطرف الآخر.

لا يمكن أن ننسى في الحديث عن الحب سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى رائعة الشاعر مرسى جميل عزيز "ألف ليلة و ليلة" و ما تحمله كلماتها من إحساس بالبهجة والمتعة تولدهما حالة الحب.

الحب، ذلك المعنى و الهدف والغاية والقيمة والشعور والسلوك والأسلوب والدستور القابع فى  تجاور حرفين فقط من حروف اللغة، الذى للأسف لم يتم تقديمه إلينا كما يليق به، فعندما يذكر الحب تتجه الأذهان إلى الحب بين الجنسين وتتفرع الخواطر إلى الإحساس المصاحب لرؤية الحبيب  بعد التغزل فى بعض السمات الشكلية  إلى خفقان القلب أو اضطراب التصرف وإلى سلوكيات مثل تقديم الهدايا والابتسام أو السهر والسهاد مع كلمات الغزل وقصائد وأغانى العشق والغرام ومع قدر كبير من عدم الموضوعية و الخيال أيضا.

ولكن وقبل الاقتراب من موضوع الحب بالمفهوم السابق الإشارة إليه وذلك على اعتبار أن شهر فبراير يتوسطه عيد الحب أو ما يطلق عليه   Valentine’s Day  والذى يأتى فى الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام، فإن استعراض سريع للدوائر الأخرى من الحب أراه واجبا وربما ضروريا لتهذيب وتنقية الحب المقصود من هذا الاحتفال.

الدائرة الأوسع والأكبر هى العلاقة مع الله والتى يأتى فيها التصريح بالحب من الله لفئات من البشر مثل  «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (البقرة: 195)، و«وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (البقرة: 222)، و«بلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»  (آل عمران: 76)، أو   الوعد  "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " فى سياق الآية 54 من سورة المائدة، كما نجد الحب متجسدا أيضا فى الكتاب المقدس مثل "الله محبة"  يوحنا ٤:‏٨‏، و "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا"  يوحنا 4: 11.

ثم ننتقل بعد تلك الدائرة إلى دوائر حب كل المخلوقات ثم حب البشر ثم حب  الوطن ثم المجتمع ثم الأسرة وصولا إلى حب النفس وهو النوع من الحب الذى ظلم كثير وارتبط بالكثير من المعاني السلبية مثل الأنانية والنفعية و النرجسية، ثم نجد دوائر أخرى مرتبطة بحب القيم الراقية مثل الصدق والأمانة والإخلاص والجمال والإتقان وحب العمل والنجاح والتميز كما نطلق على بعض التفضيلات أيضا نفس اللفظ كتفضيل بعض أنواع المأكولات والمشروبات أو الملابس والأزياء والألوان... إلخ.

نعود إلى الحب المقصود فى شهر الحب، ذلك الذى نجد له درجات عدة منها الغرام والعشق والهيام والشوق والهوى والنجوى والشغف والوجد والوصب والكلف والاستكانة والصبوة، كما نجد له أنواعا منها العفيف والعذرى والأفلاطونى والجنسى.

فيما يلى سنحاول استعراض الحب من خلال كلمات عدد من الشعراء المبدعين والتى شدا بها كوكبة من المطربين وهو مقسم كما يلى:

الأسباب والشرارة الأولى 

أسباب الوقوع فى الحب كثيرة ومتعددة، قد تكون البداية إعجاب بالشكل والمظهر الخارجيين و ينتقل ذلك إلى انفعال داخلي فى صورة زيادة فى دقات القلب مثلما تساءلت المطربة سعاد محمد فى كلمات المبدع مأمون الشناوى "مين السبب فى الحب، القلب ولا العين؟" والحقيقة أن العين ليست إلا مجرد ناقل للمشهد إلى المخ والذى يترجمه ويتلقاه ويقارنه بما هو متراكم بداخله من خبرات ومواقف سابقة ولذلك قد تحب إنسان أو ترتاح له منذ الوهلة الأولى بلا سبب تستطيع أن تحدده ويكون السبب القابع فى أعماق العقل الباطن مرتبطا بذكرى جميلة أو موقف لطيف تعرضت له من قبل مع شخص يشبه من تراه أمامك.

وبغض النظر عن الأسباب الظاهرية من عينة "رمش عينه اللى جرحنى" كما قال مرسى جميل عزيز، أو حتى من بعض الأغنيات التي تؤكد أن الحب يمكن أن يأتى بلا سبب يستطيع العاشق التعرف عليه أو صياغته فى كلمات، وهو فى الغالب يأتى بدون ترتيب مسبق مثلما وضح مأمون الشناوى قائلا "كان يوم حبك أجمل صدفة، لما قابلتك مرة صدفة، ياللى جمالك أجمل صدفة، صدفة قابلتك ولا على بالى، شفت ساعتها جمال الدنيا"، وقد يكون الاستعداد للحب هو السبب لبداية المشوار عن طريق تخيل الحبيب و التغزل فيه مثلما غنت المطربة ليلى مراد من كلمات أبو السعود الإبيارى "أنا قلبي دليلى قال لي ها تحبي دايما يحكي لى و بصدق قلبي أنا قلبي قلبي دليلى ،حبوبي معايا من قبل ما أشوفه، قلبي ده مرايا مرسوم فيها طيفه، شايفاه آه فى خيالي، سامعاه آه بيقول لي، يا حياتي تعالي،غني لي تملي وقولي لي تملي، الحب ده غنوة".
المعاناه والبهجة والمتعة

ومع ما يضفيه الحب من اطمئنان و بهجة على الأحبة، يأتيان من الراحة النفسية والسكن إلى شريك حنون مريح حاضن وحافظ ومتفهم يعتنى بالطرف الآخر ويراعى مشاعره و وأحاسيسه مما يحقق الونس الذى جسدته المطربة وردة فى كلمات عمر بطيشة "بتونس بيك وأنت معايا، بتونس بيك وبلاقي بقربك دنيايا ،لما تقرب أنا بتونس بيك ،ولما بتبعد أنا بتونس بيك، وخيالك بيكون ويايا ويايا"، أو كما غنى العندليب الأسمر من كلمات مأمون الشناوى "خايف مرة أحب وعارف .. ليه أنا قلبى خايف، شفت الحب بيبكى و يضحك .. ماله عيون وشفايف، شفت الحب بيبكى و يضحك .. ماله عيون وشفايف، بس لو ألاقى اللى أحبه .. واللى قلبى يروح لقلبه، واللى ترتاح روحى جنبه .. يومها عمرى ما أبقى خايف".

 إلا أن الأمر لا يخلو من معاناة أو عذاب نتيجة عدم القدرة على التواصل بشكل مستمر أو الهجر أو حتى الخوف غير المبرر من الفقد، وحتى عندما يكون الفراق مخططا وغير مرتبط بانتهاء الحب، كأن يكون لسبب السفر فقط نجد المطربة شادية تشعر بالقلق من أن يسبب هذا الابتعاد إلى فتور الحب وانتقاله إلى شخص آخر مثلما كتب الشاعر محمد حمزة قائلا "خايفة لما تسافر على البلد الغريب، تنسى أنك فايت فى بلدك حبيب، مستنى بأشواق تعباه، تعبان من الفراق".

كذلك تعتبر الحيرة أحد مظاهر المعاناة، الحيرة من عدم التحقق من مشاعر الطرف الآخر، هل يحبنى بالفعل أم هى مجرد أمانى و أحلام أو أوهام يتوهمها أحد الأطراف، ذلك مثلما جاءت أغنية "فاتت جنبنا" للعندليب الأسمر أيضا وإبداع الشاعر حسين السيد والتى جعلنا نعيش الحيرة معه منذ اللحظة الأولى وصولا إلى النهاية السعيدة حين قال "وجاني الرد جاني ولقيتها بتستنانى، وقالت لى أنا من الأول، بضحكلك يا أسمرانى".

أما المعاناة فتتعدد أشكالها بين اختلاف وجهات النظر والأفكار أو الشك و الغيرة وغيرها من المشاعر السلبية ومن المعاناة أيضا ما يتعلق بالحاقدين والحاسدين واللائمين الذين يملأ الحقد قلوبهم ويرغبون فى انتهاء حالة حب يبتهج طرفاها وهو ما تكرر فى الكثير من الأغانى وصولا إلى الإقرار بحتمية اللوم حتى فى حالة أن يقوم اللائمون أنفسهم بالوقوع فى الحب مثلما غنت وردة الجزائرية فى أغنية "لولا الملامة" من كلمات الشاعر مرسى جميل عزيز حين قال " بنحب ياناس ولا حدش في الدنيا ماحبش، والدنيا ياناس من غير الحب ماتنحبش، حتى اللايمين زينا عاشقين، لكن خايفين لايمين تانيين".

ولا تتوقف المعاناة عند الخصام والهجر بل قد تصل إلى المأساه الكاملة المتمثلة فى الخيانة المؤلمة و البغيضة وذلك فى رائعة كامل الشناوى "لا تكذبى" والتي غناها كل من الموسيقار محمد عبد الوهاب ونجاه الصغيرة وعبد الحليم حافظ وذلك حين قال "لا تكذبي إني رأيتكما معا ودعي البكاء فقد كرهت الأدمع، ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبة فأنكر وأدعى، إنى رأيتكما.. إني سمعتكما" وصولا إلى النهاية التي تحتوى على الخلاص" كونى كما تبغين لكن لن تكونى، فأنا صنعتك من هواى ومن جنونى، ولقد برئت من الهوى ومن الجنون"

أما عن البهجة و المتعة فحدث ولا حرج فهى المنطقة الأجمل والأروع مهما كانت الظروف وهى المنطقة الأكثر خصوبة و إنتاجا فى إبداع الشعراء، ولا يمكن أن يكون المقال عن الحب ولا نذكر سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى أغنية "ألف ليلة و ليلة" رائعة الشاعر مرسى جميل عزيز وما تحمله كلماته من إحساس بالبهجة والمتعة اللتين تولدهما حالة الحب وذلك حين قال " يا حبيبى الليل وسماه ونجومه وقمره وسهره وأنت وأنا، يا حبيبى أنا يا حياتى أنا كلنا فى الحب سوا، والهوى أه منه الهوى سهران الهوى، يسقينا الهنا ويقول بالهنا يا حبيبي، ياللا نعيش فى عيون الليل ونقول للشمس تعالى بعد سنة، مش قبل سنة دى ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة، بكل العمر هو العمر إيه غير ليلة زى الليلة"

كلمة أخيرة: اعتذر لكل الشعراء المبدعين الذين لم اذكرهم فى هذا المقال الصغير وإلى كل الحالات و الصور الشعرية التى لم تسعفنى المساحة لاستعراضها كما أتقدم إلى الأجيال الجديدة برجاء أن يتعلموا الحب الحقيقى من خلال تلك الإبداعات ولن أستطيع أن أجبرهم على ترك  الغناء المعاصر وكلماته  ولكن آمل فى أن يشعروا كما شعرنا وأن يحبوا كما أحببنا وأن يروا حقائق الأمور كما أنعم الله علينا بها.

الاكثر قراءة