الخميس 16 مايو 2024

عن الحب.. تقاطعاته وتصادماته على شاشات السينما

عزة رشاد

فن9-2-2023 | 19:22

عزة رشاد

في فيلم  في بيتنا رجل يكتشف عبدالحميد في نفسه شيئا صادقا وتلقائيا يجعله لا يضحي بمصلحة بلده أويقوم بالوشاية بشاب يدافع عنها بحياته
في فيلم الحلفاء العقدة الدرامية مركبة يبرز فيها التصادم بين الحب الذي يجمعهما وهو الشيء الوحيد الذي لم يمسه الكذب ولا التدليس، حب المحبوب وحب الأسرة، وبين الولاء للوطن

حفلت الروايات الأدبية وكذلك الدراما السينمائية المأخوذة عنها، بأعمال عديدة تحكي قصصًا مؤثرة عن الحب بأنواعه وتقاطعاته المختلفة، وأحدها: تقاطعه مع روح الانتماء الوطني، من أهمها وأكبرها تأثيرا في السينما المصرية: فيلم "في بيتنا رجل" المأخوذ عن قصة للكبير/ إحسان عبد القدوس، ويقوم بدور البطولة فيه الفنان العالمى "عمر الشريف" أو الشاب الوطنى "إبراهيم حمدى" الذي يتهمه البوليس المصرى باغتيال رئيس الوزراء المصرى "الخائن" أو العميل للمحتل الإنجليزى.

يقرع إبراهيم باب شقة زميله بالجامعة "محيى زاهر" الذى يؤدى دوره الفنان "حسن يوسف" قبيل مدفع الإفطار في شهر رمضان، هذه هي اللحظة التي ستغير حياة الأسر المعروفة بهدوئها وعزوفها عن السياسة، حيث ستقوم "نوال" أخت محيى التي تؤدى دورها الفنانة "زبيدة ثروت" بتنفيذ بعض المهام التي يطلبها منها إبراهيم ليتواصل مع زملائه الفدائيين، وهي بهذا تعرض نفسها للخطر.

كذلك أختها التى أدت دورها الفنانة "زهرة العلا" تقبل خطبة قريبها "عبدالحميد" أو "الفنان رشدة أباظة"، الذى لا تحبه لأنه مستهتر وأنانى، حتى لا يبلغ البوليس عن وجود إبراهيم بمنزل الأسرة، ثم تعود لإظهار مشاعرها الحقيقية تجاهه بعد مغادرة إبراهيم للمنزل، يشعر عبدالحميد بالغضب الشديد ويدفعه غيظه إلى  الذهاب إلى البوليس للإبلاغ عن وجود إبراهيم بمنزل الأسرة لفترة سابقة. لكنه عندما يقف أمام الشرطى ويفكر بأنه سوف يبلغ عن شاب وطنى يناضل ضد الاحتلال وأعوانه، عندئذ يتردد "تظهر عقدة درامية مؤثرة" ويتلعثم، وتنقذه قريحته المتواضعة ببلاغ بديل.

 فيزعم أنه شاهد شاب يشبه ابراهيم في شارع ما، بلاغ لا يبلغ بأي شىء، يثير حفيظة الشرطى، فيقبض على محيى وعبدالحميد وتدفع الأسرة العازفة عن السياسة ثمن وطنيتها. الحب الذى ربط بين قلبيّ إبراهيم ونوال، بسيط وواضح، لا يتصادم معه حب الوطن، بل يقويه.

لكن في حالة عبدالحميد الذي يكتشف في نفسه شيئا لم يعرفه من قبل، شيء صادق وتلقائي يجعله يغض الطرف عن جرحه الشخصي وحبه لذاته، فى مقابل ألا يضحي بمصلحة "بلده" أو يقوم بالوشاية بشاب يدافع عنها بحياته.

كذلك في فيلم "لا وقت للحب" الذي كتب قصته الكبير/ يوسف إدريس، والإخراج للفنان/ صلاح أبو سيف، يقدم نفس المأزق الدرامي تقريبا: فعقب حادثة حريق القاهرة عام 1952، حيث يتعرف حمزة المهندس والعضو المتطوع بالحرس القومي على مدرسة تدعى فوزية، وبعد اندلاع الحريق، يتحرك البوليس السياسى، الموالى للمحتل الإنجليزى، للقبض على كافة المتطوعين فى الحرس القومى، ومنهم "حمزة" _يقوم بدوره الفنان/ رشدى أباظة الذي يختبىء لدى أحد أصدقائه البحارة واسمه بدير، "يؤدي دوره الشاعر الفنان/ صلاج جاهين، ويتواصل حمزة مع مدرسة صديقته "تؤدى دورها الفنانة/ فاتن حمامة، فتساعده فوزية في كل ما يحتاجه فى عزلته، أو للتواصل مع زملائه بالحرس القومى، وينمو بين قلبيهما الحب الذي كان متباطئًا في وقت السلم ثم تسرعه وتؤججه لحظات الخطر، أى أن الحب الشخصى فى توافق تام مع حب الوطن.

مصادفة يلمح بدير تودد الحبيبين، لكنه يسىء فهم الأمر، فيحاول التودد لفاتن حمامة، متصورا أنها ستقبله عادى كما قبلت بحمزة‘ فيفاجئه رفضها وهلعها منه. يشعر بجرح كرامته ويغضب عليها وعلى حمزة، لكن بسرعة يشعر بدير بخطئه ويندم، فالعقدة الدرامية بسيطة.

بينما فى السينما العالمية تتعقد الدراما أكثر لتصل إلى الإخلاص المتآكل..  ففى فيلم Allied: أو الحلفاء الذي كتب قصته "ستيفن نايت": يتعلق الحب بأشخاص وكالات الاستخبارات والجاسوسية، عندما يكتشف الجاسوس الكندى ماكس فاتان "الفنان/ براد بيت" أن زوجته "الفنانة/ ماريون كوتيار" ليست هى ما تدعيه، ليست الجاسوسة الفرنسية ماريان بوسيجور، فالأخيرة هذه التى كانت عميلة بالمقاومة الفرنسية تم إيقافها وإعدامها من قبل الألمان قبل فترة ويؤكد له رؤساؤه أن زوجته ليست إلا جاسوسة ألمانية فيجد ماكس نفسه أمام خيارين، إما أن يتعاون مع رؤسائه في اختبار ولاء زوجته، أو يتعرض الزوجان لإطلاق النار بتهمة الخيانة العظمى، العقدة الدرامية مركبة، لأنه قبل أى شىء زوج تم خداعه من قبل زوجته أم ابنته "آنا"، لكنه عندما يصغي للقصة من وجهة نظرها، ويعلم أنها اضطرت للتعاون "مجددا" مع الألمان بعد تهديدهم إياها بقتل ابنها، وهذا ما لن يتفهمه قط رؤساؤه من "الحلفاء" ، ليبرز لحظتئذٍ التصادم بين الحب الذي يجمعهما "هو الشىء الوحيد الذي لم يمسه الكذب ولا التدليس"، حب المحبوب وحب الأسرة وبين الولاء للوطن.

وتتوالى الأسئلة: هل الوطن هو وكالة الاستخبارات؟ وهل عنوان الفيلم "الحلفاء" مقصود به قوات الحلفاء أيام الحرب العالمية الثانية فقط؟ أم أن الحبيبين هما أيضًا حلفاء؟ ويمنح الفيلم للسلام الوطنى الفرنسى دورا في كشف الحقيقة انتحال الشخصية، فما من شخص يتوه عن رمز بلاده، كما أن للقطة الحدود أهمية، إذ يظهر الفيلم أن هذه الحدود هي التي غرّبت البشر وأججت الحروبب.

ثمة حب من نوع آخر، هو "حب المجد" يتعرض له الفيلم البريطاني:  _جسر فوق نهر كواى : The Bridge on the River Kwai عن رواية تحمل نفس العنوان كتبها "بيير بول"، ويحكى عن أسرى من الجيش البريطانى في معسكر بجنوب تايلاند، يتم إجبارهم على بناء جسر خشبى على نهر كواى، ليتم نقل قطارات الجيش اليابانى عبره، أثناء الحرب العالمية الثانية. يرفض الجنود لكن قائدهم _المولع ببناء الجسور، المولع أيضًا بمجده الشخصى، والذي يصعب عليه نفسيا أيضا القبول بدور أسير لا يفعل شيئًا يقنعهم بأن بناء الجسر شر لابد منه حتى لا يتم قتلهم، ويؤكد لهم أنه أيضا سيثبت تفوق البريطانيين على اليابانيين، فيذعنون، ولكن بالرغم من قيامهم بعملية تصميم الجسر ثم بنائه بناء متينا إلا أنهم يخططون لتفجيره، لكن قائدهم الذى افتتن بالجسر يحاول منعهم من تفجيره، واضعًا ولاءه الوطنى موضع تساؤل.

وتبلغ العقدة الدرامية حدها الأقصى في: _فيلم "المريض الإنجليزى": المأخوذ عن رواية للروائى السيرلانكي مايكل أونداتجي The English Patient

نالت جائزة المان بوكر مرتين، ورغم مضى الفيلم في خطين متوازيين، إلا أنه يحافظ على وحدته العضوية، فالخط الأول: يعرض ذكريات إنسانية وغرامية وبلاد مختلفة وأهالي وأسواق وصحراء ورسوم، تنال منها الحروب، والثاني يصور ويرصد قطعا من حياوات أربع شخصيات من خلفيات عرقية مختلفة في نهاية الحرب العالمية الثانية، جمعتهم فيلا مهدمة بقريةٍ بعيدة بإيطاليا.

أحدهم هو مريض غير قادر على الكلام مجهول الشخصية، حيث يعاني من حروق شوهته كليا ومنعته من الحركة، كما أنه مصاب بفقدان في الذاكرة، يؤدى دوره الفنان/ رالف فاينس، يستعيد ذاكرته بشكل متقطع عندما تقرأ له الممرضة التي اكتوت بمشاهد الحرب والقتلى "هنا" الفنانة/ جولييت بينوش بعضا من الكتب التى وجدت معه ومنها الإلياذة والأوديسا فيتذكر علاقته الغرامية بزوجة زميله، والموت الذى خطط له هذا الزميل لثلاثتهم، والخرائط التي سلمها البطل من أجل إنقاذ حياة محبوبته، دون جدوى، لنكتشف في النهاية أن المريض الإنجليزى ليس إنجليزيا بل مجرى، تجمعه الفيلا بعميل للحلفاء وخبير ألغام هندى ليضعنا أمام أسئلة معقدة عن الحب والخيانة والولاء للوطن.