رأت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية أن ظهور البالون الصيني في سماء الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم إسقاطه، قد يكون أنهى احتمالات تقارب واشنطن وبكين في المستقبل القريب، إلا أنه، من ناحية أخرى، يمكن أن يمثل فرصة لإجراء محادثات مفتوحة وعملية بين الجانبين والاعتراف بالحاجة إلى وضع إجراءات تشغيل معيارية من شأنها تجنب الأنشطة المزعزعة للاستقرار.
وأشارت "ذا ديبلومات" – في تقرير لها تحت عنوان "حادثة بالون التجسس الصيني: حاجة ملحة للتواصل" – إلى أن العالم افترض، قبل حادثة البالون بأسبوع، أن الولايات المتحدة والصين في طريقهما لإصلاح العلاقات بينهما؛ فبحسب التقارير كان من المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الصين في 5 فبراير الجاري، موضحة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ألغت رحلة وزير الخارجية في 4 فبراير وأوضحت بالقول "إنه سيذهب فقط عندما يحين الوقت المناسب".
وذكرت الدورية الأمريكية أن ظهور بالون تجسس صيني فوق سماء "مونتانا" شمال غربي الولايات المتحدة، أنهى هذا الاحتمال على الأقل في المستقبل القريب، موضحة أن هذا التقارب المحتمل جاء في أعقاب الاجتماعات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج وبين وزير الخارجية الصيني آنذاك وانج يي وبلينكين في بالي في نوفمبر في قمة مجموعة العشرين.
ورأت "ذا ديبلومات" أنه من ناحية أخرى، يمكن أن يكون هذا بمثابة فرصة لإجراء محادثات مفتوحة وعملية بين الجانبين والاعتراف بالحاجة إلى وضع إجراءات تشغيل معيارية (SOPs) من شأنها تجنب الأنشطة المزعزعة للاستقرار، والتي يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، مضيفة "هذا على افتراض أن الافتقار إلى إجراءات التشغيل الموحدة والاتفاقيات هو الذي دفع الصين إلى الانخراط في أنشطة تزيد من العلاقات المتدهورة بالفعل بين الجانبين. هناك حاجة مهمة لوضع تدابير عملية من شأنها أن تلطف سلوك الدول وتؤدي إلى الانفتاح والشفافية مع تحديد قنوات الاتصال لتجنب الأزمات من الخروج عن السيطرة".
ونقلت عن وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاجون" قولها الأسبوع الماضي إنها رصدت بالون مراقبة صيني "يحوم فوق شمال غرب الولايات المتحدة"، فيما علق وزير الخارجية الأمريكي قائلا إن "قرار الصين إطلاق منطاد للمراقبة فوق الولايات المتحدة أمر غير مقبول وغير مسئول. إنه انتهاك لسيادتنا وللقانون الدولي".
وأوضحت "ذا ديبلومات" أن هناك مخاوف بشأن العديد من المواقع الحساسة عسكريا التي تستضيفها ولاية مونتانا، إذ أرسل السناتور الجمهوري ستيف داينز من مونتانا رسالة إلى وزير الدفاع لويد أوستن تفيد بأن هذا الحادث "يثير قلقًا كبيرًا من أن قاعدة مالمستروم الجوية وحقول الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التابعة للولايات المتحدة هي هدف مهمة جمع المعلومات الاستخبارية. من الضروري تحديد مسار رحلة هذا البالون، وأي أصول أمن قومي أمريكي معرضة للخطر، وجميع الاتصالات أو البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات على الأرض داخل الولايات المتحدة التي كان بالون التجسس يستخدمها".
على الجهة المقابلة، ذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية أن المنطاد كان "منطادًا مدنيًا يستخدم للأبحاث، لا سيما لأغراض الأرصاد الجوية" وأن "الجانب الصيني يأسف للدخول غير المقصود للمنطاد إلى المجال الجوي الأمريكي بسبب قوة قاهرة. سيواصل الجانب الصيني التواصل مع الجانب الأمريكي والتعامل بشكل صحيح مع هذا الوضع غير المتوقع الناجم عن القوة القاهرة".
ورأت "ذا ديبلومات" أن هذا البيان يختلف اختلافًا كبيرا في لهجة بيان سابق لمسئول صيني قال فيه إن "الصين دولة مسؤولة ونحن دائمًا نتصرف وفقًا للقانون الدولي. ليست لدينا نية لانتهاك أراضي أو مجال جوي لأي دولة ذات سيادة. كما قلت، نحن نجمع الحقائق ونتحقق منها. نأمل أن يتمكن الطرفان من التعامل مع هذه المسألة معًا بطريقة هادئة وحكيمة"، إلى جانب أن المسئول الصيني أبدى خلال المؤتمر الصحفي نفسه أنه رافض بشدة لزيارة بلينكين المرتقبة للصين.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أنه على الرغم من أن الزيارة قد جرى الإبلاغ عنها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأمريكية، نقلاً عن مصادر مطلعة مجهولة المصدر، إلا أن أيا من الصين والولايات المتحدة لم تؤكد رسميا حدوثها، مضيفة أنه حتى بدأت وسائل الإعلام الأمريكية في تغطية أنباء منطاد التجسس الصيني، لم تذكر الصين أن منطادًا ينحرف عن مساره في اتجاه غير مقصود، ما يجعل من غير الواضح ما إذا كان الصينيون قد أبلغوا الحكومة الأمريكية بشأن البالون قبل أن تبدأ الأخبار في الظهور أم لا.
وأضافت أن المسئول الصيني قال في إيجاز صحفي منفصل بعد الإعلان عن تأجيل زيارة بلينكين، إن "الحفاظ على الاتصال والتواصل على جميع المستويات هو تفاهم مشترك مهم توصل إليه الرئيسان الصيني والأمريكي في اجتماعهما في بالي. تتمثل إحدى مهام الفرق الدبلوماسية في كلا الجانبين في إدارة العلاقات الثنائية بشكل صحيح، ولا سيما إدارة بعض المواقف غير المتوقعة بطريقة هادئة وحكيمة".
وأشارت "ذا ديبلومات" إلى أن طائرة مقاتلة أمريكية من طراز F-22 أسقطت يوم السبت الماضي منطادا صينيا قبالة سواحل ولاية كارولينا الجنوبية ، بعد أسبوع من اكتشافه في المجال الجوي الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب لدى الصين؛ فبحسب ما ورد نقلت وزارة الخارجية الصينية "استياءها الشديد واحتجاجها" على قيام الولايات المتحدة بإسقاط البالون، ووصفته بأنه "استفزاز صارخ"، وذلك بعد اعتراف الصين في وقت سابق بأن المنطاد دخل المجال الجوي للولايات المتحدة.
ورأت الدورية الأمريكية أن حادثة البالون ليست حادثة منعزلة؛ إذ كانت الصين تختبر حدود تقنياتها بالإضافة إلى وضع علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة من خلال اختبارات مختلفة، مدللة على ذلك بسلوك الصين في مجال الفضاء الخارجي "والذي كان مزعجًا ويساهم في أنشطة غير مسئولة ومزعزعة للاستقرار.. تعد العودة المتكررة غير المنضبطة للصواريخ الصينية إلى الغلاف الجوي للأرض إحدى المشكلات. وقعت إحدى الحوادث الأخيرة في أبريل 2021 عندما دخل حطام صاروخ صيني الغلاف الجوي للأرض وسقط في المحيط الهندي".
وأضافت أن هذه لم تكن المرة الأولى "ففي عام 2018، كان مختبر الفضاء الصيني، Tiangong-1، في حالة عودة مماثلة غير خاضعة للرقابة إلى الغلاف الجوي للأرض. وفقدت وكالة الفضاء الصينية السيطرة عليه".
وأشارت إلى أنه "من الغريب أن ينضج برنامج الفضاء الصيني إلى مستوى بناء محطتها الفضائية الخاصة أو الهبوط في حوض القطب الجنوبي "أيتكين" على الجانب الآخر من القمر، وإعادة الصخور من القمر، والشروع في مهمة إلى المريخ، لكن الصين لا تتصرف بطريقة مسؤولة لإسقاط حطامها أو أي مركبة فضائية أخرى بطريقة خاضعة للرقابة".
واختتمت "ذا ديبلومات" بالقول إن هذه الحوادث "تدل على استخفاف الصين بسلامة وأمن جميع الناس، ومن الواضح أن هذه الحوادث المؤسفة لم تحدث؛ لأن الصين تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لتجنبها. وبالنظر إلى التنافس في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وعلاقات الصين الإشكالية مع القوى الأخرى في المحيطين الهندي والهادئ، من المرجح أن تنمو مثل هذه الحالات في السنوات القادمة. وما لم يتم وضع تدابير تنظيمية قائمة أو على الأقل إجراءات تشغيل معيارية (SOPs)، فقد تصبح هذه الحوادث طبيعية، مما يجعل العلاقات المتوترة بالفعل بين الدول أكثر صعوبة. لذلك يجب تطوير إجراءات التشغيل الموحدة هذه على مستوى القوة العظمى للبدء بها".