شاهدت بالأمس إحدى حلقات برنامج "الدوم" على القناة الفضائية المصرية، وهو نسخة مصرية أصلية وأصيلة من برامج اكتشاف المواهب التي تعددت وتنوعت على سطح الكوكب، لكن ما يجعله حقاً مميزاً كنسخة مصرية هو كونه يطرح الفرصة كاملة وعادلة أمام جميع المواهب المصرية من كافة المحافظات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فرأيت متسابقاً من حلايب، وآخر من شمال سيناء، وآخرين من الصعيد والدلتا ووجه بحري، كلٍ منهم بهويته المميزة والعاكسة لطبيعة بيئته، عرضوا لمقطوعات موسيقية خالدة في وجدان المصريين والعالم العربي، حتى بعض الأغاني التي تغنى بها بعض المتسابقين لمطربين غير مصريين، كانت أغانٍ مصرية أصيلة الصنع كلماتً ولحناً وروحاً.
الشاهد على ذلك هو نحن المصريون على مر العصور، صانعو كل أصيل منذ بدء الخليقة، العاشقون لجمال الكلمة واللون والصوت وحتى الرمز، كان دافعنا في ذلك هو ذلك المحرك الذي يدفع بسيارات السباق للأمام، هو الحافز الذي يجعل من الفضول -لبلوغ الهدف- غاية وليس وسيلة، وهو الشغف بالشىء لتحقيق التفرد بالمكانة.
ما الذي حدث وما الذي تغير مع الأجيال الحالية، لا أعلم!! غير أنني أتعجب من وجوه البعض وهو يغني أو يعزف أو يؤدي مهارة ما ولا تظهر أي علامات للشغف على وجهه، بل ولا تعبر لغة جسده عن أي ملامح حماس ولا انبساط بالشيء الذي يقوم به مهما بلغ حد إجادته له، هل فقدنا متعتنا بالأشياء؟! هل أصبح أدائنا يفتقر للروح حتى لما يدخل علينا مشاعر البهجة ومسببات السعادة؟!
كنت فيما سبق أحسد أهل الفن –حسداً طيباً مشروعاً- على الفرصة الطيبة التي سنحت لهم، والعطية الربانية التي سمحت لهم بالحصول على مصدر رزقهم من وراء طبيعة عمل يحبونها فتحبهم، ويستمتعون بأدائها فهم ليسوا مجبورون عليها، كما أنها تمنحهم معها نعمة إضافية هي حب الجماهير، وما أمتعها نعمة.
أما الواقع الآن يعكس غير ذلك، فالكثير فقد تلك الروح والمتعة معاً، حتى امتد الأمر إلى خارج أسوار قلعة الفن، ووصل إلى كافة الأعمال والأشغال، حتى وإن بدا الأمر ظاهرياً من باب كسب التأييد وتحقيق الجماهيرية، ولم يكن صادقاً ونابعاً من منتصف الروح ، فقد خاصية الوصول للقلب وانبهار الآخر به.
فنحن أصبحنا نفتقر للحماس، للشغف، لحب الأشياء، لمتعة الأداء، لإمتاع الذات، للقناعة حتى بفاعلية كل تلك الأدوات صانعة السحر والمعجزات والفوارق.
ضخواً تلك القناعة في عقول الأطفال في المدارس، لا تقتلوا فطرتهم، انفخوا ذرات الحماس داخل أوصال الشباب، وانفخوا ريح الشغف داخل أروقة المكاتب، فهي قادرة على قطع المسافات وإحداث قدر هائل من إمتاع الملايين، فيس كل مؤدٍ شغوف، ولا كل صانع متحمس.
فضلاً ... قليل من الوقت لإعادة تصنيف الأشياء داخل ممرات العقل، وإعطاء مساحة أكبر لقيمة الكنز الثمين المسمى بالشغف.