الأربعاء 27 نوفمبر 2024

السياسة.. والجوائز العربية

  • 23-8-2017 | 16:15

طباعة

تقرير : ياسر الشيمي – كاتب مصرى

كلما اقترب موعد الإعلان عن جائزة من الجوائز الأدبية المعروفة أو حتى المحلية في مصر، يثور الجدل بين سؤالين كبيرين: هل الجوائز هذه تذهب لمن يستحقون من المبدعين أم أن المجاملات تحكمها؟. هل نستطيع أن نشتم رائحة السياسة وراء الجوائز العربية كبيرة المقابل المادي؟. الإجابة ليست سهلة لأن هذه القضية حساسة جدًا. "الهلال" تطرح الأمر للنقاش في هذه السطور.

وفي هذا الصدد قال الكاتب الصحفي والروائي دكتور ياسر ثابت، في بلادنا، تنتشر الجوائز الثقافية التي تفوح منها رائحة المجاملات حينـًا، والسياسة في أحيانٍ أخرى كثيرة، الشاهد أن أغلبية الجوائز الثقافية والإبداعية المعتبرة "ماديـًا على الأقل"، تنتمي هذه الأيام إلى دولٍ وأنظمة حديثة النشأة نسبيـًا، تسعى إلى ترسيخ أقدامها في عالم الثقافة، ولو من باب المنح والعطايا، كمدخل تمهيدي لصنع اسمها ومكانتها سياسيـًا.

وأضاف "ثابت"، إذا كانت المهرجانات الثقافية مواسم الهبات والعطايا لنوعية معينة من الكُتَّاب والمثقفين، ممن لم يغادروا مفهوم بلاط السلطان في أزمنة مضت، فإن جوائز الثقافة والإبداع في عصرنا الراهن، وخصوصـًا "بوكر العربية" و"كتارا" القطرية، تأتي في الأساس لتقديم الدول والجهات المانحة ربما أكثر من تقديم المتفردين من المثقفين والمبدعين، وإلا فليقل لنا أحدٌ، هل استطاعت أي جائزة عربية أن تتخطى الحدود، فتدفع إلى ترجمة الأعمال الأدبية والإبداعية الفائزة إلى لغاتٍ أخرى، وطبعها وتوزيعها في بلاد المشرق والمغرب؟!، يحاول البعض أن يصنع لنفسه تاريخـًا ثقافيـًا عبر سياسة الجوائز، مشيراً إلى أن وجود مثل هذه الجوائز في حد ذاته أمرًا محمودًا يستحق الإشادة والتقدير، فإنه لا يخفى على أحد أنها رصيدٌ إضافي للطرف المانح في المقام الأول، هكذا تصنع الجوائز هوية ثقافية لا تعكس بالضرورة ثراء التربة الأصلية، التي شهدت التوزيع والتكريم والسهرات الفخمة تحت أضواء عدسات المصورين، وما هكذا تورد الإبل، ولكنه منطق الأشياء في الأماكن التي تبحث عن بقعةٍ تحت شمس الثقافة.. وربما السياسة.

وأشار الدكتور ياسر، إلى أن السياسة تسبق وتؤثر، إلا في حال الجوائز الثقافية في بلادنا على الأقل، مؤكدًا أن جائزة "كتارا" القطرية ستستمر، وستواصل منح جوائزها، وأتوقع ألا يتأثر عدد المتقدمين للجائزة -خصوصـًا من مصر- بالظروف والخلافات السياسية.    

وأوضح، أن عدد المتقدمين المصريين لنيل الجائزة سيظل الأكبر في الدورة الحالية، المقرر إعلان جوائزها في أكتوبر المقبل، وذلك لاعتباراتٍ عدة، أولها هو تلك المسافة الفاصلة بين الثقافة والسياسة، على الأقل في ذهن المبدعين أنفسهم، ورغبة كثيرين في الإبقاء على تلك المسافة بعيدًا عن حساسيات السياسة التي عادة ما تكون مؤقتة.

وثانيـًا، لأن إغراء القيمة المادية للجائزة له رونقه عند أهل الثقافة، والروائيين، وبعضهم يتطلع إلى الجائزة أو يحلم بها، أملاً في أن توفر له فرصة لتحسين أوضاعه المالية، ولأن الجائزة عربية وتُمنح لعدد من المبدعين والروائيين العرب، فإنها ستحاول الإبقاء على هذه الصيغة، وبالتالي سيكون هناك كما هو متوقع نصيبٌ للمصريين وباقي العرب من الترشح للجائزة والفوز بأحد فروعها على حدٍ سواء.

ولا ننسى هنا أن الجائزة تُمنح عادة للمتقدمين بأعمالهم برغبتهم وإرادتهم، ما يعني أنهم يتطلعون للفوز وليس من الوارد أن يعلنوا مقاطعتهم لها في حال فازوا بها.   

 

وقال "ثابت"، إن الكتَّاب يكتبون للأدب والفن أي للكتابة وفقط، أو هكذا ينبغي أن يكون، ومع ذلك فالموقف حرجٌ بلا شك والكُتَّاب والمحكمون معذورون، وأظن أن منهم من سيرفض المشاركة أو الاستمرار حتى لا يُتهم بالخيانة والعمالة أو التعاون مع دولة داعمة للإرهاب، أو تجنبـًا لأي تشويش أو تشويه، ورغم أنه ينبغي أن تكون هناك مسافة بين القرارات الدبلوماسية بين الدول من جهة، وما يتعلق بالأفراد المواطنين من جهة أخرى، فإن التنظير شيء والواقع شيء مختلف، لا سيما في بلادنا التي تخضع لأهواء وتقلبات ما أنزل الله بها من سلطان، كاشفًا أن الجوائز الثقافية تتغلب على السياسة في معظم الأحيان، واسألوا جائزة صدام للأدب والإبداع، وجائزة القذافي، وقد حصل على كل منهما مثقفون ومبدعون مصريون وعرب، من بينهم د.يوسف إدريس، د.جابر عصفور، وآخرون.. ولم يتراجع أحدهم عن الجائزة.. ولا قيمتها.

واستطرد الكاتب الصحفي:"  نقول هذا ونحن نعلم أن المثقف أو المبدع في بلاد العرب يشارك في الجوائز من أجل المكسب المادي والتكريم الأدبي، وربما بدافع المنافسة، ولذا فإن مواقف حاصدي الجوائز تكون فردية يصعب تعميمها، يتخذها أصحابها ويتحملون نتائجها، فقرار يوسف إدريس بالتمسك بقيمة جائزة صدام حسين (بعد غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990)، وقرار د.جابر عصفور بنيل جائزة القذافي (التي رفضها الإسباني خوان غويتسولو بسبب رأيه في نظام القذافي وممارساته)، ربما لا يكون قرار غيرهم من المثقفين الآن أو في المستقبل، موضحًا أنه ربما يكون هذا كله امتحانـًا جديدًا لمدى تأثر المانحين، ومعهم لجان التحكيم، بالأوضاع السياسية المتوترة بين هذه الدولة أو تلك، وغيرها من تصاريف السياسة، سواء في لحظات التصويت والاختيار وما إلى ذلك من أمور، مشيرًا إلى أن هذا هو تحد الجوائز الثقافية والإبداعية من طرفيها المشدودين بحبل السياسة، في بحور العرب التي لا قرار لها.

 

وفي سياق متصل تقول الدكتورة هويدا صالح، صار السؤال عن الجوائز العربية ومدى مصداقيتها ومعياريتها سؤالاً مكرراً ومستعاداً، فمع موعد إعلان كل جائزة عربية كبيرة، مثل جائزة الشيخ زايد، والبوكر في نسختها العربية، وكتارا، وساويرس، وجوائز الدولة في مصر، يتم طرح السؤال مجددا عن مدى نزاهة ومعيارية الجوائز العربية والمصرية؟.

والإجابة على هذا السؤال تبدو صعبة، لكن من خلال علاقتي بالتحكيم في كثير من هذه الجوائز سواء في داخل مصر أو خارجها، أستطيع أن أقول وبشجاعة أن  الكثير من هذه الجوائز تفتقد لمعايير الحيادية والنزاهة والتعامل مع النصوص بعيدا عن الأيدلوجيات والتصنيفات الجغرافية والمناطقية.

ونوهت "صالح"، بأنه لم يعد المعيار الفني والجمالي هو الفيصل والحكم فيما يصل إلى الفوز بهذه الجوائز، ولا يعتمد الأمر فقط على سياسات واضعي هذه الجوائز فقط، ورغبتهم في أن تذهب الجائزة إلى أديب ما من بلد ما، لأسباب  تبعد عن المعيار الفني، لكن أيضا يعتمد الأمر على ذائقة المحكمين الذين يميلون في بعض الأحيان إلى تصعيد كتابات ما، تعالج قضايا بعينها بغض النظر عن مستوى العمل الفني، وكأن أهمية القضية التي تعالجها رواية ما أو فضلها أو عظمها يمنحها أفضلية ما، فعلى سبيل المثال  لا الحصر فوز رواية تعالج مثلا ممارسات المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني مثلاً، متسائلًة هل جلال هذه القضية وإنسانيتها يسمح لنا بمنح الرواية جائزة، بغض النظر عن مستواها الفني؟ وماذا لو أن رواية ما عالجت قضية ليست لها هذا الشرف وهذا الجلال هل تتدنى درجاتها حتى لو أنها حققت جمالية الفن الروائي؟.

وأضافت، إنني أدعو زملائي النقاد، تغليب الفن والجمال على حساب الأيديولوجيا والتوجهات السياسية وغيرها من المعايير، التي لا علاقة لها بالفن والجمال والقيم والمعايير الجمالية جنس أدبي أو فني ما.

وقال الروائي عادل فودة، إن هناك العديد من الجوائز الأدبية التي تمنح كل عام للمبدعين في مختلف فروع الأدب، وتختلف من حيث قيمتها المادية والأدبية، وكلما زادت قيمة الجائزة المادية، ارتفعت نسبة إقبال كبار الكتاب والمبدعين عليها، واكتسبت زخمًا واهتمامًا إعلاميًا، والتالي ترتفع قيمتها الأدبية.

وأضاف "فودة"، أنه في السابق كانت جائزة الشيخ زايد وجائزة الملك فيصل وجائزة نجيب محفوظ برغم انخفاض قيمتها المادية ولكنهم كانوا الأبرز، حتى ظهرت الجائزة العالمية للرواية "البوكر" ويحصل الفائز بها على ستين ألف دولارًا، ثم تلتها جائزة "كتارا" في الدوحة، وقد تصل قيمتها المادية إلى مائتي وخمسون ألف دولارًا إذا ما اختيرت الرواية للتحويل إلى عمل درامي.

وأردف، أن هناك العديد من الجوائز ذات القيمة الأدبية الكبيرة برغم انخفاض منحتها المادية، كجائزة "الطيب صالح" في الخرطوم، وجائزة "ناجي نعمان" في بيروت، وغيرهما من الجوائز في مختلف البلاد العربية.

وأكد "فودة"، أن جودة العمل من حيث طريقة التناول وأهمية الموضوع وتماسك الأفكار وجمالية اللغة والأسلوب، هو المعيار الأساسي في الاختيار، ولكن مع ارتفاع القيمة المالية والأدبية للجائزة، قد تلعب العوامل السياسية والجغرافية دوراً في الاختيار، لذلك نجدها أحياناً تذهب لعمل ليس الأعلى فنيًا من بين الأعمال المرشحة لنيل الجائزة الثقافية.

وأوضح "فودة" أن الجوائز تخلق حالة من التنافس  والتباري بين الكُتاب، مما يثري الحياة الأدبية ويحقق نوعًا من الحراك الثقافي، ولكنها في نفس الوقت قد تدفع بالكاتب إلى إنتاج عمل غير ناضج وغير مكتمل العناصر، وذلك بُغية تحقيق التواجد المستمر في تلك السباقات المحمومة التي تقام كل عام، وقد لا يكفي عام لإنتاج عمل أدبي ناضج فنيًا ومكتمل الأركان.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة