الإثنين 20 مايو 2024

خرافات تطارد المسيحيين في مصر

23-8-2017 | 17:47

روبير الفارس - كاتب مصري

   بين موروثات ثقافية وأفكار شعبية  تنمو كراهية خفية للمسيحيين في عقول وأرواح متشددين  ومتطرفين وأصوليين . تحمل هذه الموروثات وتلك الثقافات المغلوطة سموماً  قاتلة  خاصة وأن الجميع يهرب من مواجهتها . وبذلك تتمكن من رسم صور ذهنية مجرّمة للآخر ولكل مختلف ديني وطائفي وفي هذا المقال نرصد بعض هذه الأشواك لكي نقتلعها من قلوب أبناء الوطن الواحد والعيش المشترك .لعلنا ننجح في التصدي لجريمة الطعن في وحدتنا.

النصارى

 

     يرفض المسيحيون إطلاق وصف " النصارى " عليهم، وهنا لابد أن نؤكد على أن  كل ما ذكره القرآن الكريم عن النصارى صحيح، ولكن القرآن رغم أنه ذكر اليهود صراحة ولم يذكر طوائف منهم مثل السامريين والصدوقيين والفريسيين لم يذكر المسيحيين بالاسم .والنصارى بكل عقائدهم مختلفون تماماً عن المسيحيين . والغريب فعلاً أن بعض مسيحيي الشرق الأوسط اقتنعوا بأنهم نصارى ثم يغضبون عندما يستخدم أحد ما وصف به القرآن عقائد النصارى، ويذكر سفر أعمال الرسل أن إطلاق لقب المسيحيين على أتباع المسيح بدأ في سوريا " أنطاكية " مابين أعوام  52 و54 ميلادية . وتذكر كتب التاريخ أن النصرانية هي بدعة مسيحية يهودية قديمة نشأت في فلسطين ، كان أتباعها من اليهود المتعصبين الذين مزجوا بين اليهودية والمسيحية ، مع بعض التحريف في العقيدة المسيحية، وقد حاربهم فكرياً رسل وتلاميذ المسيح وخاصة بولس الرسول   .

    فهاجر النصارى من أورشليم بعد الحرب اليهودية الرومانية سنة 135 م التي قادها اليهودي بن كوكب ضد الدولة الرومانية أيام حكم الإمبراطور الروماني هادريان ، وشارك بالثورة النصارى ، الذين تم قتلهم واضطهادهم بقسوة من قبل الرومان واليهود الذين تأثروا من الحرب ، وحرم الرومان على اليهود والنصارى دخول أورشليم ، فتشتتوا في خارج فلسطين إلى الشام ومصر وشمال الجزيرة العربية، وسكنوا في مكة والمدينة ( يثرب) كما جاء في دراسة للكاتبة صباح إبراهيم.

 

     يتميز النصارى عن اليهود بإيمانهم بالمسيح ، باعتباره أحد الأنبياء العاديين مثل موسى ودانيال وبقية أنبياء العهد القديم ، وأنه ولد من مريم العذراء بمعجزة ولكنه ليس ابن الله حقيقة بل مجازاً؛ لأن الله لم يلد ولم يولد . وليس المسيح سوى مخلوق وليس رباً معبوداً ، وأنه غير أزلي وليس إلها من روح الله .ولا يعترفون بالثالوث.

     ويتميزون عن المسيحية الصحيحة بإقامة الشريعة التوراتية والحفاظ على تقديس السبت والختان الإجباري للذكور وإقامة الطقوس اليهودية والالتزام بأنواع الطعام.

     وكانوا متزمتين من حيث الالتزام بالناموس اليهودي والتقشف الغذائي والوضوء قبل الصلاة .

     هاجر طائفة من النصارى من فلسطين إلى شمال الجزيرة العربية وسكنوا في مكة ويثرب ( المدينة المنورة  ).

     ومن أتباع النصارى في الجزيرة العربية طائفة ( الأحناف ،الآريوسيين ، الآبيونيين ، الكسائيين والمريميين ) وكانوا من أحفاد فرع عبد العزى بن قصي ، ومنهم قس مكة ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وكانت سودة بنت زهرة كاهنة نصرانية.

      ينقل لنا المؤرخ يوحنا الآسيوي ( 585 م ) عن طوائف النصارى العرب قبل الإسلام إنهم كانوا من الابيونيين والاريوسيين والكسائيين والأحناف وغيرهم .

       ولم تطلق الجزيرة العربية على المسيحيين لفظ النصارى، وقد أطلق القرآن اسم النصارى على أهل الكتاب من المسيحيين وورد هذا الاسم 14 مرة في 4 سور و في 13 آية . 12 مرة منها مقرونة باليهود مباشرة .

 

      النصارى لا يدينون بما يدين ويعتقد به مسيحيو الروم والشرق وبقية العالم من عقائد عن طبيعة المسيح ولاهوته وعن صلبه وقيامته ، بل يعتقدون بنفس ما جاء به محمد من عقائد أهل الكتاب التي سمعها منهم من حيث إنه إنسان وعبد الله فقط ، ولم يُصلب بل شُبه للناس أن المصلوب هو المسيح بينما رفعه الله حيا إلى السماء قبل الصلب وصُلب غيره .

       هذه العقائد لا يؤمن بها المسيحيون منذ تأسيس المسيحية في القرن الأول الميلادي وإلى اليوم. والنصارى هم قوم حرفوا العقيدة المسيحية ، وقد انقرضت هذه الطائفة ولم يبق منها أحد يؤمن بعقيدتها المنحرفة. ولهذا السبب لا يقبل المسيحيون اليوم أن يُطلق عليهم تسمية النصارى .

 

          النصرانية كانت خليطاً من اليهودية والمسيحية ، ومع الأيام امتزجت بالأريوسية والأوطاخية والنسطورية وكلها هرطقات غير معترف بها من قبل الكنائس المسيحية  الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية التي تؤمن بأن يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسد حل فيه روح الله القدوس؛ ولهذا يُدعى ابن الله مجازاً وليس بالولادة التي يتنزه عنها المسيحيون ، وهو إله كامل ( روح الله ) وإنسان كامل ( ابن مريم ) بدون أي خطيئة ، صُلب من أجل فداء البشر من أثر الخطيئة الأصلية لآدم وحواء وتمردهم على الله الخالق ، وأن المسيح قام من الموت بجسده وروحه بعد مكوثه بالجسد ثلاثة أيام في القبر حيث مات الجسد فقط دون اللاهوت الذي لا يموت، وظهر لتلاميذه وللناس عدة مرات ، وأكل معهم ليريهم أنه ليس شبحاً بل جسداً وروحاً مثلهم، وعلمهم أسرار ملكوت السماء ، ثم ارتفع إلى السماء حياً بجسده بعد أن وعدهم بعودته مرة أخرى يوم الحساب والدينونة في نهاية الزمان.هذا على المستوي الثقافي العام أما على المستوى الشعبي فهناك عدة أمور منها :

        الجنس في الكنيسة

     هناك أفكار شعبية متداولة عن المسيحيين تحتوي على مغالطات تحقيرية  وإهانات أخلاقية ضدهم، من ذلك الفكر السائد بأن المسيحيين يطفئون الأنوار في الكنيسة لتبادل القبلات وممارسة الجنس وذلك في بعض المناسبات والأعياد ، وهي مغالطة  تعتمد على رمزية إطفاء النور في الكنيسة ليلة رأس السنة حيث يُطفأ النور لدقائق تعبيراً عن العبور بين عام وآخر. في ظل صلوات تطلب من الله الخير في العام الجديد . وإطفاء النور في يوم الجمعة العظيمة تذكار لوقوع ظلمة على الأرض وقت صلب المسيح .حيث لامجال إلا للبكاء عن الخطايا التى سببت للمسيح الآلام . أما القبلة المقدسة في صلوات القداس الإلهي فهي عبارة عن السلام بالأيادي  دون اختلاط بين الرجال أو النساء، وهي تعبير عن محبة الجميع والمغفرة، وليس القبلات بالفم بين الرجال والنساء. ولعل إذاعة القداس وبثه على القنوات الفضائية قد كشف عن هذه الأكاذيب التحقيرية .

       أما الشائعة الكبرى التى يتداولها الكثير من الشباب في المناطق العشوائية هي القول بأن قسيس الكنيسة يفض بكارة العروس بعد صلاة الزواج وقبل أن يمارس زوجها الجنس معها. وهي شائعة تنم عن عقول مريضة تأكلها الشهوات ولا محل لها من الواقع إطلاقاً. ولا يمكن اعتبارها أمراً يستحق الرد عليه، وهي تتضمن تحقيراً للمرأة المسيحية التى تكرهها الجماعات المتشددة، وتحاول تلويثها بأية طريقة خاصة وأنها تعبر عن فشلها بكونها امرأة سافرة لا تخضع لقوانين تكفينها عن المجتمع، وقد انتشرت هذه الشائعة السوداء في سبيعينيات القرن الماضي مع نمو وانتشار الجماعات الإسلامية، وأكبر مكذب لها حرص المسلمين المصريين على حضور صلوات الزواج المسيحي ومصاحبة العروسين من الكنيسة حتى منزلهما

النظافة الشخصية

        من أكثر الموروثات التى تعبر عن ازدراء للمسيحيين ما يتم تداوله عن رائحتهم الكريهة وعدم اهتمامهم بنظافتهم الشخصية وخاصة الغسل بعد الممارسة الجنسية . وأيضا وضع الزيوت الكنسية في الطعام . وكلها أكاذيب لايمكن الأخذ بها خاصة أن النظافة أمر شخصي يعتمد على التربية والمستوي الثقافي والأسري للشخص، ولا يمكن تعميم هذه الأمور على شعب بأكمله . إذن الأمر مرتبط بتفاهة تعتمد على كون المسيحيين ملعونيين من الله ولذلك فهم لايستحمون ورائحتهم كراهية لأنهم " كفار " تماماً كما جاء في أحد الأفلام الدينية عندما كان يسخر الفنان محمود مرسي من الشخص الكافر قائلاً " ألا تستحم يا رجل "

أسباب انتشار هذه الأكاذيب

    يمكن أن نعدد أسباب انتشار الشائعات التى تطلق من حين لآخر عن الأقباط بمصر والسر في تصديقها إلي عدة أمور منها :

        أولا :  فكرة الاستعلاء: المتشددون يعتبرون أنفسهم أفضل من ذويهم، وأفضل من كل من لا يتبعهم حتى إذا كانت هؤلاء هم عائلتهم، فما بالنا بالمختلفين معهم دينياً.

      ثانياً : الجهل بالآخر: لايعرف المسلمون نتيجة التعليم والإعلام الأوحد لتوجيهه أموراً كثيرة عن المسيحيين لذلك فمن السهل إلصاق أي تهم أو شائعات بهم.

     ثالثاً : تقوقع المسيحيين على أنفسهم حول ذواتهم وعقائدهم وطقوسهم واختيار بعضهم العزلة، الأمر الذى يتيح فرصة تكوين صورة ذهنية منفرة عنهم.

      رابعاً : انتشار الأصوليات الدينية التي تقوم على التفرقة وتحقير المختلف.