الإثنين 17 يونيو 2024

يا أهل الفتوى.. «دقيقة سكوت لله»

23-8-2017 | 18:25

بقلم  – إيمان رسلان

هل كان يمكن أن نتصور البشرية و استمرار الحياة حتى الآن بآدم بمفرده أو حواء بمفردها والعكس أيضا فهذا هو جوهر الكون والحياة أى المساواة.. الحت علىّ هذه الفكرة و هذه الصورة التى انطبعت ونعرفها جميعاً عن وجود الخلق وبدء البشرية.

من هنا استقبلت اقتراح الرئيس التونسى السبسى بمساواة المرأة فى الميراث بالرجل بل والسماح لها بالزواج من أو من غير ديانة الإسلام.. بل وتأييد دار الإفتاء التونسية لقرار السبسى رئيس تونس فى خطوة غير مسبوقة للتطبيق مبدأ المساوة والحرية.

وبعيداً عن أن هذا شأن تونسي داخلى وأن تونس ليست مصر أو العكس وهذا به بعض الصحة بالتأكيد.

ولكن القضية أو المقترح الذى طرحه الرئيس التونسى هو فكرة والأفكار لا تموت لان الأفكار لها أجنحة لاتموت مع الوقت مهما حاولنا وأدها لفترة أو لبعض الوقت وإنما الفكرة أو البذرة قد تم زراعتها فى التربة العربية والإسلامية ومن الصعب رغم احتياجها إلى حضانة خاصة ورعاية إلى أن تنمو وتزدهر، من الصعب أن تتحول الأفكار إلى صحراء جرداء فعند أول قطرة ماء سوف تعاود البذرة النمو مرة أخرى.

لذلك نحتاج إلى مناقشة عاقلة هادئة بعيداً عن منهج التشنج الذى وصل إلى حد المطالبة بفرض العزلة على تونس إن لم يكن «محاربتها كمان» أليس الدين الإسلامى بل وأى دين جوهره هو البعد الإنسانى والراحة وتيسير أموره وليس تعقيدها عملاً بالقول إن الدين يسر وليس عسراً وهو ما طبقه وعمل به كثيرا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ألم يوقف عمر تطبيق حد السرقة وقطع يد السارق وهو نص واضح بل من الحدود أيضا، والآن هل يمكن تطبيق نص «وما ملكت أيمانكم» وهل يمكن العودة إلى زمن الرق والعبودية كما كان يحدث فى الماضى وأزمنة أخرى وحتى آية المواريث وهى فى سورة النساء الاية ١١ وهى واضحة الدلالة فيقول الله تعالي «من بعد وصية يوصي بها» فلماذا لانجتهد فى تفسير هذا الجزء وانه يسمح بتخصيص الأموال للبنات.

ولكن الآن فى مجتمعنا المعاصر تطورت الحياة جدا بحيث أصبح عمل المرأة شيئاً طبيعيًا وهو كان كذلك منذ بدء الخليقة لمن يريد أن ينسى أو يتناسى، بل حتى فى صدر الإسلام وقبله كانت السيدة خديجة رضى الله عنها تعمل وتكسب ولديها المال أيضا ولكن الآن مع تطور الحياة أصبح من يعمل رجلاً كان أو امرأة لديه الحق فى المعاش حينما يتقاعد عن عمله وهذا نتيجة ما كسبت يداه أو يداها.

فلماذا تأخذ فيه الزوجة من معاش زوجها «النصف» وليس الثمن كما تقول النصوص ولماذا يقتصر المعاش على أولاد المتوفى والأم إن وجدت ولا يدخل فيه بقية الورثة باستثناء الأم فى حالة وجود الإناث للمتوفى وهن فى مصر لايحجبن الميراث عن أشقاء المتوفى إلا فى حالة وجود الولد.

والقضية الأهم أن الشقيق يعمل الآن فى عالمنا المعاصر ويتكسب المال وقد تكون أخته أيضا تعمل مثله تماما فى نفس المهنة وبنفس الأجر وكلاهما يدفع المعاش فهل متصور أنه بعد وفاة الشقيقة التى لم تنجب إلا البنات أن يتدخل “الخال” ويأخذ أموالا مما كسبته أخته وقد يكون أولاد الأخت المتوفاة فى أمس الحاجة إليه لمواصلة مشوار الحياة، وبهذا سيكون هناك حتى داخل العائلة الواحدة فروق “مادية” لم تنتج من عمل الأب أو الأم أو مما كسبت يداه.

بل إن ما يحدث وهو واقع نعيشه ولا داعى لأن ندفن رءوسنا فى الرمال ونقول إنه من المفترض أن الرجل مسئول، ولماذا لم يكن مسئولا من البداية لماذا حين توفيت أخته أصبح مسئولاً الآن.

بل الأكثر من ذلك أن مثل هذه المنازعات فى الحياة وهى موجودة بكثرة داخل العائلات ليس فى الصعيد فقط أو وجه بحرى بل فى القاهرة، تثير المشاكل والضغائن داخل الأسرة الواحدة ولا يكون هناك صلة للأرحام أو الود وتصل أحيانا إلى القطيعة التامة وهو عكس جوهر ما يطالبنا به الدين.

والنقطة الأخرى الهامة والتى أصبحت الآن عرفاً مجتمعياً تطبقه كثير من الأسر التى رزقت ببنات هو وجود عقد الهبة أو عملية البيع والشراء للبنات وذلك فى حياة الوالدين أليس ذلك يعنى أنه وضع قائم وقانونى وحلال ولم يعارضه أحد أو يتهم من يعمله بأنه خروج عن الملة والنصوص، لماذا نبيح ونوافق هنا ولا نبيحه ونوافق عليه فى حالة الموت المفاجئ.

وحتى نقيم الأمور أيضا من منظور دينى أليست الكتب السماوية والدين الإسلامى فى مقدمتها يساوى بين المرأة والرجل فى الحساب فى الآخرة وفى الثواب والعقاب أليس هذا كافيا ليكون معيارا حاسما خاصة أنه يتعلق بالله والحساب كدليل على المساواة كما خلق الله آدم وحواء فى البداية.

والعلم أيضا أثبت أن عدد الكرومزوم داخل المرأة والرجل هو ٤٦ بالتساوى وأن المرأة ليست هى المسئولة عن تحديد نوع الجنين بل العكس هو الصحيح.

أى الرجل فلماذا نعاقب المرأة على تحديد نوع الجنين وحدها رغم أنها كما يقول العلم غير مسئولة عن ذلك.

أعتقد أننا لو أعملنا بعضاً من العقل والمنطق فى فهم نصوص وروح الدين، كما فعل كثيرون فى التاريخ الإسلامى وعلى رأسهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما وقف وانفعل البعض واتهم الرئيس التونسى والتونسيين بغير ما فيهم، إنها المصلحة المادية وراء التمسك بظاهر النصوص.

ونفس الأمر ينطبق على السماح للمسلمة بالتزوج بغير المسلم ظاهر النص منها يتحدث عن المشركين ولم يتحدث أبدا عن أصحاب الديانات السماوية الأخرى وكثير من الأئمة الآن يضربون المثال بواقعة زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم حين تزوجت بأبي العاص وكان غير مسلم بل ودفعت الدية “قلادة أمها” أى أن العلاقة بين الاثنين كما يجب أن نفهم ويدعو لها الإسلام الرحمة والمودة تسكنوا إليها أى العلاقة بين الرجل والمرأة.

ومن هنا فإن ما فعله التونسيون ليس ضد الشريعة أو خروجاً عليها بل هم حافظوا على جوهر الإنسانية والتراحم والمعاملة الحسنة والعلاقات الطيبة فى مجتمع متغير وعصر آخر تطبيقاً لمقولة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بشئون دنياكم وكذلك إذا كان هناك مصالح فهناك أيضاً شرع الله.

لقد رمى التونسيون حجراً كبيراً فى المياه الراكدة منذ سنوات وتتعلق بتجديد الفكر الدينى فى منطقتنا المنكوبة بفقه النصف الأسفل للمرأة وتوغل الإسلام السياسى الذى جعل محوره المرأة ولا شىء غير ذلك.

ومن الطبيعى والأمر كذلك أن يخرج جزء كبير مذعور من طرح الأفكار لأن هؤلاء بضاعتهم التى يتكسبون منها أى أكل عيشهم ووجودهم هو فى اجترار ما حفظوه لأن فى ذلك حفاظاً على مصالحهم ومكانتهم ووجودهم .

وأخيراً ومن يولد فى قفص ولو كان من ذهب سيرى طيران الآخرين بدعة.