السبت 18 مايو 2024

حوت عمرو دياب..

24-8-2017 | 21:40

بقلم –  حمدى رزق

والله بحبك موت

وأحب برج الحوت

وأعشق تفاصيلك

ضحك وبكا وسكوت

لأنك الدنيا واللي يفوت يفوت

ربما لأنى من مواليد برج «الجدى» لم يصبنى حظ مواليد برج «الحوت» الذين يغنى لهم هضبة الغناء المصرى عمرو دياب، حظى كده، بختى كده، ياليتنى «حوت»، ياربى ليه خلقتنى «جدى» وخلقت غيرى «حوت».. حكمتك يارب.

لو كنت أعرف خاتمتى ما كنت بدأت، مصادفة أن يقودنى حظى العاثر وأنا من برج الجدى الحزين على عمره إلى « بورتو جولف مارينا» فى طريق عودتى من سيدى عبدالرحمن، من سيدى إلى جولف يا قلبى لا تحزن.

 الساعة زهاء الثانية عشرة ليلا، وأنا منتشى وسعيد ومبسوط وبغنى للعيون السود، ومش واخد خوانة، ولست أدرى أن الهضبة فى «جولف باى»، لا تسأل عن « جولف باى» طالما أنت ضعيف فى منهج مارينا المقرر صيفا، مارينا ليست قرية واحدة، فى وش العدو سبعة، والمارينا جراج اليخوت عقبال عندكم.

لم يحذرنى فاعل خير، ابن حلال، أن الهضبة كائن ومتجسد ومتشيئ فى الساحل الشمالى ، ولم أطالع اللوحات الإعلانية المبدورة على الطريق، مصر كلها عارفة إن الهضبة حط الرحال فى جولف مارينا إلا العبد لله، وهذا من عملى الأسود، وحظى النحس، منقوق فى الإجازة اليتيمة، فعلا المنحوس منحوس حتى فى مطروح، وقليل البخت يلاقى عمرو دياب فى مارينا.

وعينك ما تشوف إلا النور، عمرو دياب قطع طريق الساحل بالكلية، رايح جاى، الحياة توقفت، الدنيا تفرغت من متاعبها لتسمع عمرو دياب، الزمن توقف تماما عند ساعة صعود عمرو دياب الى المسرح العريض ، والعجل توقف، والحركة تجمدت، السيارات بطلت، الركاب غادروا السيارات وافترشوا الصحراء، وهناك من قرر تكملة الرحلة مشى إلى أقرب مارينا، يئست تماماً،  لا أمل فى الوصول إلى المخدع اللاذوردى الذى لطالما حلمت به فى قيظ أغسطس.

تحتاج إلى صبرأيوب فقط لتتحمل عذاب الطريق الذى يتحرك بسرعة سلحفاة حامل فى عامها الثانى، وكلما طهق أحدهم وصرخ فى أجواز الفضاء على رجال المرور، يكون الرد مفجعا، مفحما، وكأنه كائن غريب وعجيب، أصل عمرو دياب فى الساحل، يعنى الساحل مقفول، يعنى الطريق إلى مطروح ما يروح، تحس إنك غريب فى بلاد غريبة، فكرت أعود أدراجى، ولكن قطعت بى السبل، أينما تولوا، لا ذهاب ولاعودة.

 ساعتان إلا قليلا حتى اقتربت روديدا روديدا بالدفع الذاتى من موقع الانفجار الغنائى فى «جولف باى» داخل « جولف مارينا « وشاهدت عجبا، ولا يوم الحشر، الصحراء مبدورة بشر، كل دول من برج الحوت، جماعة الحوت اجتمعت ليلا، يااااه على إخلاص برج الحوت، كل الحيتان تجمعت فى الصحراء.

شاهدت عجبا، أطول طابور سيارات فى المجرة، طابور طوله عشرة كيلومترات، سيارات وكأنها تقطر سيارات، والحركة ميتة تسبقها خطوات العابرين، الطريق مات تماما، لاحس ولاخبر، توهمت أن هناك حادثة أغلقت الطريق، وكلما سألت هوه فيه إيه، ينظرون إلى  شذرا، الهضبة بيغنى، وطالما الهضبة بيغنى سكوت هنصور.

ليلة ليلاء، لم أر فى حياتى مثل هذا الذى رأيته، آلاف من السيارات متراصة فى الصحراء، واقوال ( جمع قول ) من الباصات تسد المنافذ، وشباب منتش وفرحان وسعيد ، شباب شبه عرايا يقطعون الطريق لاهثين وكأنهم يهربون من خطر محدق، والأبصار معلقة بأضواء ساطعة تنير قلب الصحراء، وصوت الهضبة مجلجل فى الأجواز الفضائية .

ساعتان إلا قليلا حتى ظهرت بوابة جولف مارينا ، جحافل جحافل، شباب من الجنسين يزحفون إلى مركز الكون فى جولف باى ، شباب يسد عين الشمس، لا أعرف من أين أتوا، وكيف أتوا، ولماذا أتوا، ألوف مؤلفة، جيوش لا أول لها ولا آخر، يتمتمون بكلام غير مفهوم خلاصته، عمرو بيغنى لبرج الحوت، واااااو.

 بنات الحوت يصرخن فرحا، والشباب يحملنهن حملا لأعلى السيارات ، يرقصن فى أشعة القمر الفضية ، وبنات  بقية الأبراج يتحلقن فى الفراغ اللانهائى، وينادين على الهضبة برج برج، برج ينطح برج، غنى ياعمرو، وغنى عمرو، وحور عمرو، والحوت أصبح دلو مرة، «والله لحبك حلو وأحب برج الدلو» ، وميزان مرة،»والله لحبك بان وأحب برج الميزان» ، وثور مرة، «والله لحبك نار وأحب برج التور»، إلا الجدى  لم يأت على باله، عمرو شكله مخاصم برج الجدى، لم يشأ يخفف عنى وعثاء الطريق بغنوة ، ربنا يجعل لنا من غناء الهضبة نصيبا.

ساعتان فى الفراغ اللانهائى، روحت مش عارف مالى، ماعرفش إيه اللى جرالى، فرحان عاوز أضحك، مهموم عايز أبكى، لا دموعى طايلها ولا لاقى حد أشكى، الوصول إلى قلب المفاعل استغرق ساعتين، ساعتان من العذاب، الغريب أننى الوحيد الذى كنت بتعذب، وأتلظى من الغضب، كنت مثل قطعة جمر، اتقلب على جمر النار، والشباب هايص وسعيد وانا لايص ، الساحل كله فى غبطة وحبور.

أقل من كيلو متر استغرقت ساعة إضافية داخل جولف مارينا، وفى القلب انتصب مولد كبير، مولد ولا مولد السيدة زينب، وأزياء وألوان وبنات قمرات زى شربات، ومحجبات وملونات، والهتاف يتردد، عمرو،عمرو، عمرو..  عمرو، كل الناس بتقول ياعمرو.

جاوزت الساعة الرابعة صباحا، والحياة صاخبة، وأنا متقوقع فى السيارة مسلما أمرى لله، ما باليد حيلة كملت الطريق مشيا، كرجل عجوز يتمنى لحظة سكون، يهرب من حياة صاخبة، وصلت مع بزوغ الصباح إلى المستقر مهيض الجناح، إحساس طاغ بالعجز، وطعم مالح فى الفم من أثر نقص السكر، ورغبة دفينة فى الصراخ، أحسست بإحساس جيل عجوز، أنا من جيل عمرو دياب سناً، ولكن عمرو متجدد، متفجر ، شباب القلب ،  قادر على الغناء، لسه الاغانى ممكنة ، رحت فى سبات عميق، وفتاة لاتزال نابضة بالحياة ترقص على حمام السباحة على أنغام أغنية برج الحوت. 

    الاكثر قراءة