السبت 6 يوليو 2024

الاستفتاء... وحلم الاستقلال..؟

24-8-2017 | 21:51

بقلم – سناء السعيد

فى الرابع عشر من أغسطس الجارى أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى الإقليم الكردى شمالى العراق استعدادها لإجراء استفتاء الانفصال وانتخابات الدورة الخامسة لبرلمان ورئاسة الإقليم فى موعدها المحدد، وأكدت أن سكان المناطق المتنازع عليها فى كركوك ونينوى يستطيعون المشاركة والتصويت فى الاستفتاء على انفصال الإقليم والمقرر إجراؤه فى ٢٥ الشهر المقبل

يذكر أن الاستفتاء غير ملزم لكنه قد يشكل نواة لإقامة دولة مستقلة كحلم سعى الأكراد إلى تحقيقه منذ أن نال إقليم كردستان العراق حكما ذاتيا فى ١٩٩١ ، وكان مسعود البرزانى رئيس الإقليم قد أصدر فى وقت سابق مرسوما أعلن فيه أن الأول من نوفمبر القادم تاريخ لإجراء انتخابات رئاسة وبرلمان الإقليم، كما حدد ٢٥ سبتمبر القادم موعدا لإجراء استفتاء الاستقلال عن العراق.

دخلت أمريكا على الخط عندما طالب” تيلرسون” وزير خارجيتها بتأجيل الاستفتاء، ويعزى ذلك إلى أن أمريكا ودولا غربية أخرى تتخوف من أن يشكل الاستفتاء انحرافا عن الأولويات العاجلة اليوم كهزيمة داعش وتحقيق الاستقرار لا سيما وأن قوى إقليمية تعارض الاستفتاء تتصدرها تركيا وإيران، غير أن البرزانى فند المخاوف بالقول: (ما الضمانات التى من الممكن تقديمها لشعب كردستان فى حال إرجاء تاريخ الاستفتاء؟). أما إسرائيل فقد ساندت ودعمت حق الشعب الكردى فى تقرير المصير، وبالتالى شرعت فى مساندة مسعى السلطة الكردية الحاكمة فى إقليم كردستان العراق وعلى رأسها مسعود البرزانى رئيس الإقليم لإجراء استفتاء شعبى حول استقلال الإقليم عن العراق، بل ومساندة مسعى أكراد سوريا لتأسيس إقليم حكم ذاتى فى الشمال السورى بدعم وتدبير أمريكى. وهو ما يصب فى الأساس فى تنفيذ المخطط الصهيوأمريكى الرامى إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية وتحويلها إلى كانتونات وكيانات هشة عرقية ودينية وطائفية تسهل قيادتها والسيطرة عليها كى تأمن إسرائيل بقاءها كقوة مهيمنة على المنطقة، الغريب أن إسرائيل التى تدعم حق الأكراد فى تقرير المصير تنكر حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، رغم أن المطالبة بحق تقرير المصير للأكراد سيعنى إقامة دولة ترتكز على النقاء العنصرى، كما أنه يمثل دعوة لتفكيك دول قائمة بذاتها.

أما دعوة أمريكا للبرزانى بتأجيل الاستفتاء فلا تعنى أنها رافضة له، بدليل أن البرزانى ماكان ليطالب بذلك لولا أن أمريكا هى التى أعطته الضوء الأخضر بالمضى قدما فى نيل الاستقلال عن دولة المركز؛ ولهذا رأينا إصرار البرزانى على إجراء الاستفتاء رغم ما أعلنه رئيس الوزراء العراقى العبادى من أن الاستفتاء غير دستورى وغير شرعى وأنه لن يتم التعامل معه، أما ما ساعد البرزانى على التشبث به فهو عنصر التشكيك فى الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة فى عشرينيات القرن الماضى وحتى اليوم ليصبح هو الأساس الذى ارتكز عليه البرزانى فى الإصرار على الاستقلال بدعوى مغلوطة تزعم بأن الحكومات العراقية تتعامل مع الأكراد كخصم وكعدو. وأنها تعمل على تهميشهم وإقصائهم مع إشاعتها للفوضى وإيقافها للتنمية وقطع حقهم فى الموازنة وهو ما جعل الأكراد يضغطون على الإدارة للعمل من أجل الاستقلال؛ درءا لأية صراعات محتملة، بل ويدعمون التوجه نحو الاستقلال بوصفه خيارا ديمقراطيا موثقا فى العهود والمواثيق الدولية.

وحتى الآن يستمر البرزانى على تصميمه فى إجراء الاستفتاء كورقة تحقق حلم استقلال الإقليم رغم عدم موافقة الحكومة العراقية عليه ولا على نتائجه، كما أن دولا كتركيا وإيران لا توافق على المغامرة التى يقودها البرزانى من خلال تشبثه بالاستفتاء بوصفه السبيل الذى سيؤدى إلى استقلال الإقليم، ويمثل حق الأكراد فى الحياة بأسلوب انسانى ديمقراطى متحضر، لا سيما أن الأكراد يرون بأن إقليمهم مستقل ذاتيا منذ ١٩٩١؛ بل إن البرزانى اتهم الحكومة العراقية بأنها وبسبب فشلها فى إقامة دولة المواطنة والشراكة الحقيقية والديمقراطية الحقة شرعت فى تكثيف السلطة بأيديها وتهميش المكونات الأخرى وهذا ما حدث مع كردستان، وعليه رأى بأن الاستقلال من شأنه أن يحقق حلما راود الشعب منذ قرن من الزمن ولسان حاله يقول:( لقد فشلت الدولة فى إيجاد شراكة حقيقية، ولذا لابد أن تترك المجال لنا لنجاح تجربتنا كى نكون جيرانا حلفاء للدولة).

قد يجرى الاستفتاء فى موعده، أى فى الخامس والعشرين من الشهر القادم، بيد أنه لا يمكن التعويل عليه وعلى نتائجه والتى قد تكون بداية نحو إثارة مشاكل عدة يتصدرها الإطاحة بمكاسب الأكراد، لا سيما فيما إذا تحول إقليم كردستان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية، وهنا سيصبح الاستقلال وهما قاتلا يعصف بالأحلام.....