بقلم – فايز فرح
نحن أبناء أعظم حضارة إنسانية، وهى عظيمة لأنها قامت على الأخلاق، الحضارة هى سلوك إنسانى ينم عن احترام الإنسان لكل إنسان، بل لكل الأحياء سواء البشر أو الحيوان أو النبات، أو حتى الحجر، وعندما نقول ذلك فإنه ليس تعصبا لبلدنا العزيز ولا تاريخنا المجيد، وإنما هو الحقيقة التى تفرض نفسها على كل البشر، ففى الولايات المتحدة الأمريكية يدرس أطفالهم الحضارة المصرية كجزء مهم من تاريخ البشر، وكذلك الحال فى أوربا والصين وكل الدول المتحضرة، فمصر هى أم الدنيا منذ أكثر من عشرة آلاف سنة كما يقول العالم الدكتور جمال حمدان فى كتابه الرائع “شخصية مصر “. ومصر هى التى اكتشفت الضمير الإنسانى كما قال المؤرخ الأمريكى هنرى بريستيد فى كتابه: “فجر الضمير “، والضمير كما نعلم هو الحارس على الأخلاق والقيم الإنسانية.
كان الإنسان المصرى بعد موته فى مصر القديمة، وبعد أن تصعد روحه إلى السماء يقف أمام الآلهة يدافع عن نفسه قائلاً:
لم أسئ لأى إنسان، أو أتسبب فى تلويث ماء النيل، أو أحرم طفلاً من كوب اللبن، أو أقتل أحدا، أو أسرق أحدا، أو أغتصب مال أحد، كنت عونا للمحتاج، مساعدا للفقير، قدما للكسيح، معينا للأرامل وأبا لليتيم.. إلخ.
وهل هناك منظومة أخلاقية أفضل من هذه؟ كان الرجل يحترم المرأة ويجلها، الآن عدم احترام المرأة، أو الشعور بأنها مخلوق أقل من الرجل يغضب إلهة العدالة (ماعت)، الحديث يطول عن تاريخنا العظيم المشرف فى تقديم مبادئ الأخلاق للعالم كله، والتى يعيش العالم الآن عليها فى سلام وخير ورفاهية، ومن عجب أن نعطى ونصدر للعالم القيم الأخلاقية ومنظومة التعامل الإنسانى ويأتى الوقت أن نفتقد نحن هذه القيم! أو نهملها ونتناساها أو نغض الطرف عنها، بل وللأسف ونتعامل مع قيم شريرة أبعد ما تكون عن الذى تربينا عليه وعشنا نسعد به واستطعنا به أيضاً أن نقيم أعظم حضارة فى التاريخ. قل لى بالله عليك ما الذى حدث فى مجتمعنا هذه الأيام ومنذ سنوات لا تعد على أصابع اليدين؟ ضرب وقتل وذبح وسرقة واغتصاب وشتائم يشيب لها الوجدان.. أطفال فى عمر الزهور من الجنسين يقذفون بعضهم بعضا بألفاظ غليظة وكلمات جنسية قبيحة، وسب دين، ثم المصيبة الكبرى أن هؤلاء الأطفال يعتدون جنسيا على بعضهم، وبعضهم يقتلون ويسرقون ويدمنون، وأعمال لا يستطيع الإنسان أن يصدقها أو يستوعبها!.
هذا عن الأطفال أما الكبار فحدّث بلا حرج وتوقع الأسوأ! ماذا حدث لنا؟ وكيف وصلت بنا الحال إلى هذا المستنقع الأخلاقى؟ أين الآباء والأمهات والتعليم والإعلام ورجال الدين والرياضة والشباب والجامعة؟
للأسف الكل ساهم فى تخلف وارتداد المجتمع المصرى المتمسك بالأخلاق دائما، ارتداد أوصلنا إلى قرب الهاوية! ولكن هل نستسلم ونترك بلدنا تذهب إلى الجحيم وبئس المصير وضياع حضارة آلاف السنين؟
بالطبع الأمل دائما موجود، وإرادة الشعوب هى إرادة الله عز وجل، من هنا فنحن نملك القدرة على استعادة أخلاقنا وتراثنا، فجينات الحضارة والثقافة موجودة فى كل مصرى بحكم الوراثة وحب الحياة والعمار والنور والضياء والخير والحق والجمال. إذا كانت أخلاقنا قد توارت أو اختفت فإنها لم تمت ويكفى أن نستدعيها ونقرر ونصمم على استعادتها والتمسك بها، والاعتماد عليها فى بناء مجتمعنا الأخلاقى الجديد، بل إننا فى نهضتنا سنحقق الكثير ويعم الخير الذى هو أساس كل شيء، سيعود الحب إلى كل المصريين، واحترام الآخر ومساعدته والتفانى فى ذلك.
كيف يحدث ذلك؟
لا نحتاج إلى معجزة، فنحن لسنا فى عصر المعجزات، وإنما نحن فى عصر الإرادة والعمل لتحقيق الأمل.
البداية لابد أن تكون من البيت والأسرة والأسوة الحسنة، ثم وزارة التربية والتعليم التى وصل الحال بها إلى عدم وجود تربية ولا تعليم، لكن الأمل الكبير فى القادم.
نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية أخلاقية يساهم فيها كل فرد وكل مؤسسة وكل وزارة وكل جمعيات المجتمع المدنى، ثورة تشمل التربية والتعليم لبناء الإنسان السوى المتعلم الذى يهتم بالكيف أكثر من الكم، والذى يتذوق الفنون وبخاصة الموسيقى، وفى هذا المجال نذكر مقولة الفيلسوف أفلاطون التى تقول:
علموا أطفالكم الموسيقى وبعدها أغلقوا السجون، وزارة التربية والتعليم من واجبها أن تربى أطفالنا على القيم الأخلاقية الحميدة وتكتشف الموهوبين والعباقرة منذ نعومة أظفارهم حتى يمكن أن تستفيد منهم الدولة، الثورة الثقافية تشمل الدين أيضاً لأن الدين نفسه ثورة من أجل بناء الإنسان على القيم الروحية السامية، وبدلا من الاختلافات الوهمية والاهتمامات الشكلية اهتموا بنشر جوهر الدين وفلسفته، وجهوا جيش الشيوخ والخطباء والقساوس والوعاظ لنشر الحب بين الناس، وزرع الإيمان بالخير والقيم الأخلاقية فى نفوسهم، ونبذ الخرافات والدجل وضرورة استخدام العقل والثورة الثقافية، لابد أن نطهر الإعلام من الجهلة والمتخلفين الذين يهتمون بمظهرهم وملابسهم أكثر من عقولهم والمادة التى يقدمونها، الثورة الثقافية لابد أن تهتم بعقول الناس وتشجعهم على القراءة والاهتمام بالكتاب، وقد أعجبنى الشعار الذى رفعته دار المعارف أخيرا الذى يقول: أسرة تقرأ أمة تنهض، وتحية لرئيسها سعيد عبده، وبالمناسبة لماذا توقف مشروع القراءة للجميع وكتاب لكل أسرة؟ لا يعيب المشروع أنه كان أيام الرئيس مبارك وزوجته السيدة سوزان، بل الواقع أنه كان مشروعا ثقافيا رائدا وأرجو أن نعيده حتى تعم الفائدة.
أين وزارة الشباب والرياضة من الأخلاق؟ نحن نحتاج إلى الأخلاق أكثر من الرياضة فقد رأيت - للأسف- أبطالا يفتقرون للأخلاق، والرياضة هنا لا معنى لها، لأنه من الأهداف المهمة للرياضة تعليم الأخلاق والتعاون والحب، نحتاج لثورة ثقافية فى شتى مجالات الحياة لتنهض مصر أم الدنيا وتمارس رسالتها فى نشر الحب والأخلاق بين شعبها وبين شعوب العالم كما كانت دائماً.