الجمعة 21 يونيو 2024

الكبدة والسجق والممبار الأخطر.. و«الكشرى» فى قائمة المحظورات أكل الشارع.. «الموت فى ساندوتش»

24-8-2017 | 22:25

تحقيق: أشرف التعلبى - شريف البرامونى

عدسة: سامح كامل

قبل أن تشترى ساندوتش كبدة وسجق توقف قليلًا واسأل نفسك.. هل أنت مستعد لدفع ثمن الساندوتش؟

الثمن المقصود هنا ليس المقابل المالى فهو مقدور عليه لأنه سيكون ما بين جنيهين وثلاثة جنيهات على أكثر تقدير، لكن الثمن الذى يصعب أن تدفعه هو حياتك.

فى ساندوتش الكبدة والسجق لذة طعم يغرى، لكن فى هذا الطعم قد يكون السم القاتل، فالكبدة كوارثها لا تحصى وطرق تصنيعها كلها تثير الشك.

ولا يقل الخطر فى عربات الكشرى بل ربما يزيد فى الفول المدمس بسبب مواد تسريع الطهى التى تستخدمها المحلات.

.. الأخطر على الحياة حواشى الحيوانات، الفشة والممبار، التى تنتشر محلات وعربات بيعها ويتزاحهم عليها الزبائن دون أن يدركوا أنهم يتزاحمون على طابور قد تكون نهايته أبواب المستشفى.. وربما القبر.

كلمة السر عند هؤلاء والتى تجعلهم أكثر إقبالًا على ساندوتشات الموت انخفاض سعرها وهذا هو الكارثة، أن يفقد مواطن حياته بسبب ٢ جنيه!

 

رمضان.. شاب ثلاثينى، يمتلك عربة كبدة وسجق- منذ ١٥ سنة يكشف أن عالم الكبدة كله مخاطر فأصحاب عربات الكبدة يشترونها من الثلاجات الكبيرة بالكرتونة، وهناك مكان مخصص بحى العتبة معروف لكافة العاملين فى اللحوم المستوردة، يلجأون إليه لشراء الكبدة المستوردة بأى كميات وأسعار رخيصة تمكنهم من بيع السندوتشات بأسعار مناسبة لكن دون التشدد فى جودة الكبدة وسلامتها، يقول رمضان: بعد الحصول على الكبدة يتم تجهيزها بتحويلها لقطع صغيرة وتسمى «عصافيرى» مع وضع التوابل والتى تضاف أثناء التسوية وهى المسئولة عن الطعم والرائحة، وتخزن فى ثلاجة مستأجرة وتكون بمكان قريب من العربة، ليتم سحب الكميات للتحضير والتجهيز سريعا وتكون ٥ كيلو فى «البترينة» -يقصد الفاترينة- لتجهيز السندوتشات للزبائن.. بالطبع لا يعرف أحد من أين جاءت الكبدة والاخطر أن البهارات التى توضع عليها هدفها إضاعة أى روائح تكشف فسادها، واعتماد أغلب الباعة وأصحاب عربات الكبدة أن معدة المصريين تهضم الزلط.

ناهيك طبعًا عن الجو العام المحيط بالعربة، فهو مكان جيد لـ»التلوث»، «رمضان» يدافع عن نفسه، وهذا حقه ويقول «بنحافظ على طريقة تحضير الكبدة وبنخاف على صحة الناس وعندنا ضمير، ومن ١٥ سنة شغل فى الكبدة مفيش حد تعرض للتسمم، والناس كلها عارفة المكان ولينا زبائن دائمين، لأننا بنعمل أكل نظيف»، لكن حتى إذا كان رمضان يحافظ على زبائنه فهناك عشرات الآلاف من عربات الكبدة لا تراعى ذلك.

«الأرز والمكرونة»

الكارثة فى الكشرى لها شكل آخر، فالأرز من «الكيس» رأساً إلى «حلة» الطهى بلا تنقية ولا تنظيف والطماطم يتم الحصول عليها باتفاق مع التجار بنظام «البواقى المفعصة» أو بواقى القفص وكله سيختفى بعد الطهى ليبقى الطعم الذى يحترف أصحاب عربات ومحلات الكشرى فى الوصول اليه.

محمد عبده.. أربعينى، ورث عربة الكشرى، عن أبيه، ورغم زيادة أسعار الزيت والأرز والمكرونة والحمص والطماطم، إلا أنه لا يزال يقدم لزبائنه بضاعته بالأسعار القديمة، حيث يبيع الكشرى فى كيس بـ»جنيه ونصف الجنيه»، أو جنيهين، فى حين أن العلبة بـ٥ جنيهات، وهو أمر فسره بقوله: «كله بفضل ربنا وإن شاء الله ربنا هيرزقنا علشان بنساعد الغلابة فى «السيدة عائشة».

لكن عندما وصل الحديث إلى إنشاء الهيئة القومية لسلامة الغذاء، قال: «هتضيق علينا فى البيع» ويكشف عبده دور الرقابة ويقول «هم يريدون تحصيل رسوم جديدة دون إجراءات للسلامة فعليًا، فيه جهات حكومية كتير لكن بدون عمل على أرض الواقع، احنا تربينا على الأكل من العربيات، ومفيش أى حاجة حصلت لصحتنا، والناس كلها بتراعى ضميرها، والكشرى بنحفظه فى «حلل» وأوانى نظيفة جدا، ونغسل الأطباق باستمرار، وفيه مفتشين صحة وبلدية لكنهم لا يقومون بأى دور، بعضهم يأتى ليتحصل على ٢٠ جنيها ويمشى من غير ما يسأل عن الشهادة الصحية أو أى حاجة تانى، وأنا معايا شهادة بتقول إلى سليم ١٠٠٪».

من الكشرى إلى «الفطير السخن»

يرى «كرم» الشاب العشرينى- بائع «الفطير السخن»، ضرورة وجود رقابة واهتمام بالأكل، لكنه أكد أن من الضرورى قبل الاهتمام بسلامة وجودة الاكل أن «يرخصوا الأسعار» على الناس، مؤكدا أن سبب وجود «فاترينته» دون زجاج يحفظ الطعام راجع لقلة الامكانيات، مضيفا “السنة اللى فاتت مفتش الصحة طلب تركيب زجاج للفاترينة لحفظ الأكل وحتى لا يتلوث، بعد هذا لم يأت أى مفتش أو مراقب من العام الماضى، للتأكد من سلامة ما نقدمه للمواطنين فكل صاحب عربية، يفعل ما يشاء والمبدأ أن «الفرن» هايضيع أى خطر».

الفول والطعمية

عربة الفول.. كان لها نصيب فى رحلة «المصور»، نظرا لانتشارها الواسع فى حوارى وشوارع القاهرة الكبرى.. «حمدى نور»، الذى أوضح أنه يعمل فى هذه المهنة منذ ٦٠ عاما قضاها بين «قدرة» الفول منذ أن كان شابا صغيرا يذهب مع والده فى سوق السلاح لإحضار قدرة الفول المدمس من «المستوقد» مكان قريب من الحمامات الشعبية يتولى تسوية الفول، مشيرًا إلى أن المهنة حافظت على ذاتها رغم الظروف التى طرأت عليها بسبب شعبيتها وانتشارها، مؤكدًا أنه لم يحدث عليها تغيير سوى أن المطاعم والعربات المنتشرة بدأت فى تسوية قدرة الفول بالمحال الخاصة.

عندما سألناه، عن استخدام مواد كيماوية لتسريع طهى الفول أو أى من الألوان المحفزة، مثلما يفعل بعض الباعة، قال: هذا الأمر مرفوض للضرر الذى ينعكس على صحة الناس، لكن هناك بعض المطاعم التى تستخدم بعض المواد الكيميائية التى تعمل على تسريع طهى الفول بالإضافة إلى استخدام بعض الألوان بنسبة أو بأخرى، هذا الأمر وارد نظرًا لغياب الضمير، إضافة إلى الاستعجال فى تحقيق الربح السريع، مع الأخذ فى الاعتبار أن الوقت المخصص لتسوية «قدرة» الفول يتجاوز ١٤ ساعة تقريبًا، أما بعد استخدام المواد المحفزة للطهى تأخذ قرابة ساعتين «للقدرة» التى تزن ١٠ كيلو جرامات.

وعندما سألنا «نور» عن تلوث الغذاء كان رده تقليديا، فهو مثل الآلاف من أصحاب عربات الأكل يدافعون عن أنفسهم بأن «المتردد علينا دائما هو ابن المنطقة وفى حال حدوث شىء سيئ فهذا يعود علينا بالسمعة السيئة والمسئولية».

التفتيش فى إطار القانون

سألنا هشام فؤاد، مفتش بمصلحة الطب البيطرى، عن دورهم فى رقابة عشوائية عربات الأكل فأكد أن المصلحة تطبق المعايير الأساسية فى حالات التفتيش على المحال والعربات المنتشرة بالشارع.

لكن بشهادة «فؤاد» فكل الموجود فى السوق يفتقر للمواصفات التى حددها القانون والتى تبدأ من شكل عربة بيع الأغذية وحتى التخزين والنظافة العامة والمعايير التى يجب أن يلتزم بها أصحاب العربات تشدد على تبطين العربة من الداخل بالصاج أو مواد غير القابلة للتلف أو التآكل، وأن تكون العربة مغطاة بأغطية من القماش النظيف فى حالة بيع أغذية غير مطهوة أو تكون مقفلة وبها تهوية كافية ومغطاة بشبكة من السلك عند بيع أغذية مطهوة، وذلك لحماية غذاء الشارع من الذباب والتلوث، كما يجب تزويد العربة بمياه نقية يحصل عليها من مصدر صحى معتمد وتكون المياه فى وعاء مغلق من الصاج المجلفن، ومزود بصنبور ويكون هناك وعاء آخر للمياه المخلفة من غسيل الأدوات ويجب تفريغه بصورة مستمرة، ويكون هناك وعاء مناسب للمخلفات والفضلات حتى لا يتلوث الشارع‏ لكن كل هذه الخطوات كما يقول «حبر على ورق».‏

مفتش مصلحة الطب البيطرى، يكشف مفاجأة وهى أن القانون حدد منذ عام ‏١٩٦٨‏ قائمة بالأغذية التى يحظر على الباعة المتجولين بيعها بسبب سرعة تعرضها للفساد وعدم توافر الوسائل الصحية لحمايتها من التلف لدى البائع الجائل ومنها المأكولات المطهوة من اللحوم والكفتة ومنتجاتها والأسماك والخضراوات والكشرى والمكرونة والفواكة المجزأة، لافتا النظر إلى أن هذه الأشياء قائمة بالفعل وتمثل جانبا كبيرا من حملات التفتيش والتى يتم ضبطها يوميا، ويتم تطبيق القانون عليها.

وأضاف: الإجراءات المتبعة فى مثل هذه الحالات هى مصادرة تلك المأكولات على الفور وتسليم العربة للحى فهو المسئول عن تغريم صاحب العربة، وفى الغالب أصحاب هذه العربات يغرمون، أما مصلحة الطب البيطرى فهى المسئولة عن إعدام المنتج بطريقة سليمة وصحية، فى الغالب يتم ذلك من خلال المحارق.

الثمن مرتين

المستهلك.. المجنى عليه الأول فى الأمر، إلا أن هناك من يرى أن الأسعار المتدنية التى تقدمها «عربات الشارع» تأتى على رأس قائمة الأسباب التى تدفع المصريين إليها.

مصطفى عبد العليم، شاب ثلاثينى، وأحد مرتادى عربات الشارع، وفقا لتأكيده، عقب على الأمر بقوله: دائما ما نسمع تحذيرات من «أكل الشارع»، لكن فى الوقت ذاته تنتشر عربات الفول والكشرى والكبدة فى معظم الشوارع والميادين، ودائما تكون محاطة بالزبائن، والكل يأكل منها بدون مبالاة.

وعن الأسباب التى تدفعه لتناول وجبات الشارع، قال: الأكل رخيص ولذيذ وتتراوح أسعاره ما بين ٥ جنيهات و١٠ جنيهات، ولا يقارن بأسعار المحال والمطاعم ويناسب مستوى دخل الجميع، ما يجعل الحصول على وجبة غذائية لا تمثل عبئا اقتصاديا عليه، كما أننى اعتدت الأكل من الشارع ولم أتعرض لأى متاعب صحية، إلى جانب اعتيادى على التعامل مع الباعة الحريصين على نظافة الطعام ونظافتهم الشخصية‏، «وربنا مايجبش حاجة وحشة» .

الدكتور مجدى نزيه، رئيس وحدة التثقيف الغذائى بالمعهد القومى للتغذية يكشف أن الدراسات التى تناولت أغذية الشارع أوضحت تواجد مستويات من التلوث فى الاغذية التى ضمتها الدراسة، كالكشرى والفول والطعمية وسندوتشات الكبدة والبرجر، الموجودة على عربيات الاكل بالشارع، بها أحمال ميكروبية مرتفعة خاصة ميكروب القولون وغيره، الأمر الذى يُخلف وراءه العديد من المشاكل الصحية، التى تظهر فى صور مرضية متعددة أولها مشاكل القولون والجهاز الهضمى والتلوث المعوى.

نزيه ينصح المستهلك بتجنب استهلاك هذه الأغذية والرجوع إلى نمط استهلاك الوجبات المنزلية وبوجه عام التغذية الحيوانية مستويات الإصابة الناتجة منها أعلى بكثير من الأغذية النمطية، فى حين قال الدكتور أشرف عبدالعزيز، أستاذ التغذية وعميد كلية الاقتصاد المنزلى جامعة حلوان: أغذية الشارع تتعرض لملوثات كثيرة جدا، عن طريق الجو وتحديدا المنتشر به عوادم السيارات، المكونة من مواد تشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان مثل مادة الرصاص، ولها تأثير كبير على الكبد بصورة مباشرة، كما أنه لا يمكن ضمان نظافة أكل الشارع مثل نظافتها إذا أعدت منزليا، وهناك أسر تدفع أبناءها لتناول أطعمة الشارع.