الأربعاء 26 يونيو 2024

"فورين بوليسي": حرب أوكرانيا تثير الجدل مجددا في أوروبا بشأن التجنيد العسكري الإلزامي

الأزمة الأوكرانية

عرب وعالم18-2-2023 | 10:57

دار الهلال

عززت الحرب الروسية الأوكرانية عملية مراجعة السياسات الخاصة بالتجنيد العسكري الإلزامي بالقارة، والمعروف أن التجنيد الإجباري في أوروبا بدأ منذ أكثر من 2000 عام، حيث دعمت اليونان القديمة وروما فكرة الجيوش التي تعتمد على نظام التجنيد، ويعود نموذج التجنيد الوطني بصورته الحديثة إلى عهد الثورة الفرنسية في تسعينيات القرن الثامن عشر.

ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، ألغت 17 دولة في أوروبا التجنيد الإجباري ولا يزال عدد محدود للغاية من الدول متمسك بإلزامية الخدمة العسكرية في أوروبا.

وكان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 أول صدمة دفعت العديد من الحكومات الأوروبية إلى إعادة التفكير بشأن الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث أعادت أوكرانيا التجنيد الإجباري في عام 2014، ما سمح لها بتجميع جيش كبير من المحترفين والاحتياطيين في حربها الحالية مع روسيا.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه من بين الدروس القاتمة العديدة المستقاة من الحرب الروسية في أوكرانيا، هو حقيقة أن حرب القرن الحادي والعشرين بين الدول مستمرة في إحداث خسائر كبيرة وبشكل استثنائي للجنود والمعدات، حيث تشير التقديرات إلى تجاوز الخسائر العسكرية ما يقدر بنحو مائة ألف من القتلى والجرحى بين جنود أوكرانيا وما يصل إلى مائة وثمانين ألفا لروسيا، إلى جانب آلاف الدبابات والطائرات وأنظمة الأسلحة الرئيسية الأخرى المدمرة. 

وبالتالي، فإن قدرة أية دولة على إعادة تشكيل قوة عسكرية بشكل سريع - وفقا للمجلة الأمريكية - في ظل هذا الحجم من الخسائر لاسيما البشرية، سيكون عاملا رئيسيا في استمرار القتال وتحقيق النصر. 

واعتبرت "فورين بوليسي" أن ما ساعد الجانبين (الروسي والأوكراني) على تجديد قواتهما بسرعة هو إمكانية استدعاء مجموعة كبيرة من جنود الاحتياط الذين تم تكوينهم عن طريق نظام الخدمة العسكرية الإلزامية الذي لا يزال معمول به في كلا البلدين. 

ووفقا لتقرير "التوازنات العسكرية" الأخير الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (مقره لندن)، يوجد في أوكرانيا ما يقرب من 900 ألف من جنود الاحتياط ممن لديهم خبرة عسكرية نشطة خلال السنوات الخمس الماضية (بسبب القتال منذ عام 2014 عقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم)، بينما يوجد لدى روسيا 2 مليون جندي احتياط غالبيتهم غير نشطين أي أنهم لا يشاركون في أي تدريبات عسكرية بعد الخدمة الفعلية العادية، وفي مسعى منها لمعالجة ذلك، أطلقت روسيا عام 2021، برنامجا جديدا لتوسيع عنصر الاحتياط القادر على القتال، لكن بداية الحرب الأخيرة أوقفت هذا البرنامج.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه بدون التجنيد الجماعي والهياكل الداعمة له، فإن القوات البرية لكلا الجانبين كانت ستعاني من انخفاض هائل في القدرة العسكرية في المرحلة الحالية من حرب الاستنزاف الدائرة في أوكرانيا، خاصة وأن تعليم المدنيين الأساسيات العسكرية يستغرق وقتا أطول بكثير من إعادة تدريب المجندين السابقين، لذا، ليس من المستغرب أن الحرب في أوكرانيا أعادت إشعال الجدل في معظم أنحاء أوروبا حول التجنيد العسكري الإلزامي، الذي علقته معظم دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأوروبية في العقدين التاليين لنهاية الحرب الباردة. 

لكن وزير الدفاع الألماني "بوريس بيستوريوس" قال مؤخرا "إنه من الخطأ تعليق الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الألماني، ومنذ ذلك الحين، حذا سياسيون ألمان آخرون حذوه، كما تدرس وزارة الدفاع الهولندية، إمكانية إدخال نظام على غرار التجنيد الإجباري، فيما كانت الخدمة العسكرية الإلزامية أيضا إحدى القضايا المطروحة أثناء الانتخابات العامة الإيطالية العام الماضي.

ورغم أن بولندا ناقشت الدعوات لإعادة العمل بنظام التجنيد الإلزمي، إلا أنها رفضتها في نهاية المطاف، في حين استؤنف التجنيد في لاتفيا في يناير الماضي للمرة الأولى منذ تعليقه عام 2007، وتخطط الدنمارك، بدورها، لتوسيع خدمتها العسكرية الإجبارية لتشمل النساء أيضا. 

وشددت "فورين بوليسي" على أن إعادة العمل بنظام التجنيد العسكري الإلزامي قد لا يكون أفضل إجابة عملية لمعظم دول الناتو لزيادة قوتها الصارمة بشكل سريع، حيث إن إعادة التجنيد تستغرق وقتا، لأنها تتطلب إصلاحا تنظيميا كبيرا للهيكل الحالي للقوات الأوروبية لاستيعاب المجندين.

ويشمل هذا الإصلاح كادرا من المدربين الجدد، وبناء مرافق جديدة للفحص والمعالجة والتدريب ومعدات عسكرية أساسية، والتي من شأنها جميعا أن تلتهم الزيادات في ميزانية الدفاع لمدة عقد على الأقل.

كما أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان تبني المشروع الإصلاحي بالكامل، سينتج عنه القوة التي يحتاجها الناتو من حيث الفعالية العسكرية والقوة القتالية في أوروبا، لاسيما أن توسيع القدرة العسكرية من خلال زيادة حجم القوة قد لا يترك مجالا كبيرا لتطوير القدرات، مثل التقنيات وأنظمة الأسلحة الحديثة، بل يمكن أن يقوض في النهاية جاهزية هذه القوة.

وبالتالي، فبدلا من العودة إلى نظام التجنيد الكامل وإهدار الوقت الثمين والموارد في إعادة هيكلة وتنظيم قوات الناتو الأوروبية، ينبغي دراسة طرق أخرى للمساعدة في زيادة قدرة أوروبا على تجديد القوة القتالية أثناء نزاع شديد الحدة.

وتتضمن هذه الطرق –وفقا للمجلة الأمريكية- وجود نظام قوي لقوات الاحتياط الأوروبية يضم عددا كافيا من الجنود المدربين جيدا والمستعدين لخوض حرب واسعة النطاق وعالية الكثافة كما هو الحال في أوكرانيا.

فعلى مدار العقدين الماضيين، ركز مخططو القوات في أوروبا على الحروب الاستكشافية ومكافحة التمرد، مثل الصراعات في أفغانستان أو العراق، وليس الحروب واسعة النطاق بين دولة وأخرى، حيث لم يعتبروا أنه من الضروري الاحتفاظ بقوات احتياط كبيرة، كما أنه لم يكن من المجدي من الناحية المالية الاحتفاظ بهيكل احتياطي كبير.

ونتيجة لذلك لا تستطيع جيوش الناتو الأوروبية الاعتماد على مجموعة من جنود الاحتياط كبيرة بما يكفي للحفاظ على الفعالية القتالية لفترة طويلة جدا في أي سيناريو حرب واسع النطاق وعالي الكثافة، فعلى سبيل المثال، فإن مقتل أو إصابة أو أسر أقل من 10 في المئة من جنود دبابات أو كتيبة مشاة يمكن أن يجعل الوحدة القتالية بأكملها غير فعالة مع عدم وجود ما يكفي من جنود الاحتياط لتغطية النقص العددي في القوة. 

ونبهت "فورين بوليسي" مجددا إلى أنه حتى بعض الدول الأوروبية التي لديها قوات احتياط، فإن المشكلة الرئيسية لديها تتمثل في أن هذه القوات لم تعد مدمجة هيكليا مع القوات النشطة (في الخدمة)، كما لم تعد الوحدات النشطة تحتوي على تشكيلات احتياط كاملة يتم استدعاؤها بشكل دوري للتدريب؛ ما أدى إلى وجود فجوة بين المكونين (في الخدمة والاحتياط) ونقص في الخبرة في كيفية دمج قوات الاحتياط واستخدامها بشكل فعال وقت الحاجة.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن جيوش الناتو الأوروبية بحاجة حاليا إلى إعادة تنظيم هيكلي لقوات الاحتياط لديها لتتمكن من زيادة حجم هذه القوات، والعمل على دمجها مع القوات في الخدمة، وتدريبهما بشكل موحد لدعم العمليات القتالية عالية الكثافة، معتبرة أن هذا هو الشرط الأساسي لقوات الاحتياط لتكون قادرة على استبدال الأفراد في الخدمة الفعلية في أسوأ الحالات، وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في إنشاء المزيد من الوحدات الهجينة التي تتكون من جنود في الخدمة واحتياط. 

كما يجب زيادة حجم وفترة التدريبات العسكرية ونطاقها، حيث ستحتاج جيوش الناتو الأوروبية إلى تقديم جداول تدريب أكثر صرامة على غرار نظام الاحتياط الأمريكي، حيث إن الوضع الحالي المتمثل في تمرين إلزامي واحد كل عامين، أو كل خمس سنوات غير كاف للحفاظ على الكفاءة العسكرية. ويجب كذلك أن تصبح التدريبات العسكرية أكبر وأكثر تعقيدا، مع مراعاة تعزيز الكفاءة في عمليات الأسلحة المشتركة لتقليل الخسائر وتنفيذ العمليات على الأرض بشكل فعال.

ويجب أيضا - وفقا للمجلة الأمريكية - عدم إغفال أهمية التكنولوجيا خلال السنوات والعقود القادمة، حيث يمكن أن يساعد انتشار وتكامل الأنظمة الأرضية والجوية المأهولة وغير المأهولة (التي تعتمد على التكنولوجيا) في تقليل الخسائر وتحقيق النصر. 

وأخيرا، لا شك أن إصلاح نظام الاحتياط سيساعد في تعزيز قوة وبقاء أعضاء الناتو الأوروبيين في أي حرب مستقبلية شديدة الكثافة ضد قوة عسكرية كبرى أخرى، كما أنه وفقا لمنطق الردع، فإنه سيساعد أيضا على تقليل فرص الصراع العسكري في المقام الأول.